ممثلو الشعب يتأهبون لنهب من جديد
الراصد البرلماني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اتذكر ايام زمان بكل دقة هذه الايام، كانت اذاعات المعارضة التي تكيل لصدام ونظامه الشتائم تملأ قلوبنا فرحاً مكبوتاً، تشعِرنا ان هنالك من يترصد للنظام ويحاصره عند كل انحراف من انحرافات الحكم والإدارة، كما اتذكر طلائع المعارضة حينما دخلت العراق، ورغم ان دخولها كان خجولاً بعد ان انحشرت في صالنصات آلة الحرب الامريكية، الا انه دخولٌ والسلام، فالجماعة على اية شمروا عن سواعدهم وسيحكمون العراق المظلوم بكل العدل والإنصاف الذي ملأوا به رؤوسنا المصدعة ايام زمان.
ولن أطيل عليكم فالقصة معروفة عند كل عراقي محايد، عراقي يمشي بخطى مثقلة بالحزن والألم دون ان ينبس ببنت شفة، فحركة الشفاه تطير الرقاب كما لا يخفى والتهم حاضرة والمعتقلات لا تنفك تصرخ هل من مزيد. فلا عدالة ولا أمان ولا حق ولا مساواة كما نوقن جميعاً. ولكن إذا كان النهب الشره للمال العام ولقوت الفقراء اصبح سمة لصوص الحكم في العراق المنكوب، فإن هنالك سؤالاً يقض دوماً مضجعي ويؤرقني حتى لا اكاد اشعر بهذه الاوصال اللعينة من الحسرة والحيرة: هل ان ساستنا فعلاً وصدقاً وحقاً بهذا المستوى العالي من انعدام الضمير والخواء الاخلاقي بحيث يستسيغون المليارات تلو المليارات دون شبع في زمن يحفر فيه العراقي باضفاره المكسرة جدار الرزق دون ان يتحصل على ما يسد به الرمق، هل فعلاً تستسيغ المراجع السياسية والإقتصادية والدينية هذا المنظر الدائم للعراقيات العجائز وهنَّ يمسحن بأيدٍ مثقلة مرتجفة زجاج السيارات على الارصفة دون ان يتحصلن على شيء، وان يستسهلوا منظر اليتم والفقر الذي يعج به العراق الذبيح بعد عقد من حصد اعناق العراقيين بعناوين مختلفة.
ولأن المسؤولين يجلسون في غرفهم المثلجة في هذا الصيف الذي لا يرحم، تحفهم عشرات عناصر الحماية الخاصة التي تؤمن لهم نهبهم الآمن للوطن، ولأن جدران مكاتبهم عازلة للصوت والاهات وموشحة بالطمأنينة والرضا من محتكري الدين وممتهني صنعة الفتيا، أقول لذلك كله لن يسمعني احد ولن يجيبني غير قلمي. نشرت قبل اسابيع خبراً عن شراء مئات البرلمانيين لعشرين قطعة سلاح بمليارات الدنانير من خزينة الدولة في الوقت عينه الذي ينام فيه الاف العراقيين في الأحياء المبنية من الصفيح، يشترون بأموالنا آلاف قطع السلاح في نفس الوقت الذي يحكم بعضهم مليشيات مدججة ومرتزقة مؤدلجة ليعززوا عسكرة المجتمع ويشوهوا منظر مدننا اكثر وأكثر.
بين يديكم وثيقة تثبت انهم يطبخون الصفقة من جديد، سيشترون خمسة عشر قطعة سلاح لكل نائب من المال العام وبمبلغ إجمالي قدره بالضبط اربعة ملايين وخمسمائة الف دولار اي خمسة مليارات دينار بالتمام والكمال. ارجو ان لا يقول لي أحدكم ان المبلغ سلفة سترد من رواتب السادة النواب المتغانمين على كعكات الفقراء، فلطالما أخذ نوابنا سلفاً من المجلس ثم اطفأوها على بركة الله دونما تسديد، فحرارة بغداد التي يتجرعها السادة النواب لا يمكن ان تطاق مع نار الدين فيسارع المجلس المهيب بأدواته التي أمَّنه الشعب عليها ان يطفئها تبريداً للجو. السؤال الكبير الذي لا أجد رغم محاولاتي الصادقة ان أجيب عليه: إذا كان لدينا المليارات التي يمكن ان نقرضها دونما فائدة كما يفعل ممثلو الشعب، فلماذا لا نتيحها لضحايا ساستنا وارامل مفقودينا وايتام عمليتنا السياسية؟ لعجائزنا الذليلات في طرقاتنا واطفالنا الذين يتلاعب بهم منحرفو الشوارع على مرأى ومسمع الجميع عدا ذوي الزجاج المظلل، ساستنا الجدد.حصب جهنم.