مع مجنون العقلاء
مررتُ برجلٍ رثِّ الثياب كثِّ اللحية أشعث الرأس يوحي منظره انه مجنون في أحد شوارع المدينة فصاح يناديني ودنا مني فجفلتُ منه فقال لي لا تخف لستُ مؤذياً وتبدو عليك سمات الرجل السويِّ وعلى خلقٍ فقلت له أشكرك على اطرائكَ وأنتَ لم تعرفني هل تحبُّ أنْ ساعدكَ في شيء فقال لي ليتك تسخو علي ببعض الدراهم لأقيم أودي وأسدَّ جوعي منذ البارحة ولحد الان لم يدخل جوفي طعامٌ واني صائم بلا نية الصوم ولسنا في شهر الصيام فقلت له حبّاً وكرامةً خذْ هذا المبلغ فانتعشت نفسه وانبسطت أساريره فقال لي الناس ينعتوني بالجنون ولستُ بمجنون ولكن صروف الدهر قد صرفت عقلي من رأسي فقلت له أراك تتحدث بلباقة وكياسة ولا يدلُّ عليكَ ما ادَّعيت به من جنون فقال لي بما انك أكرمتني أحبُّ أن أسمعكَ بعض ماخطر لي من أبيات شعر فتفاجأت من قوله وقلت له هل تتعاطى الشعر ؟!!! قال لي ألمْ تعلمْ اغلب الشعراء مجانين فقلتُ له ربما ولا أبتُّ في هذا الأمر هاتِ ما عندكَ من الشعر كلّي آذان صاغية لك فأخذ ينشدني :
عرفنا الرزقَ مقسوماً علينا
بلوحِ الغيبِ من ربّ العبادِ
وشرُّ الناس من سحتٍ حرامٍ
قد امتلكوا الحواضرَ والبوادي
ونلقى كلَّ ذي خُلُقٍ فقيراً
لانّهُ عفَّ عن نهبِ البلادِ
أليسَ اللهُ لا يأتي برزقٍ
إلى الإنسان من كسبِ الفسادِ ؟!!!
فمَنْ ذا حين يسمعني سيُدلي
أمامَ الناسِ أنّي ذو رشادِ !!!
ولستُ بقائلٍ إلا صواباً
ولمْ أكُ هائماً في كلِّ وادِ
بلادي تستغيثُ ولا مجيبٌ
ومثلي قد أُصيبتْ بالكُبادِ
أراها خفيةً خجلى تنادي
بها الأبناء صاروا كالأعادي
فصرخ في وجهي قل لي كيف يرزق الله الفاسدين من المال
الحرام فبقيت باهتاً متلجلجلا ولذتُ بالصمت
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat