المقابر الجماعية بالعراق مأساة متواصلة
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

قتل الأبرياء على مرّ التاريخ، سلسلة لا تنتهي من الأعمال الإجرامية، يرتكبها عادة جبابرة البشر، ولا يتورّعون في القيام بذلك بكلّ اصرار، كلما شعر أحدهم بخطر ما يتهدد حكمه، ولو كان ذلك الخطر لا يمثل شيئا، أمام ما يمتلكه من أدوات قمع، ليس من السهل التغلب عليها، وإسقاطه مع منظومته من علياء حكمه، ولقد سجّل لنا نماذج من تلك الاعمال الوحشية كدفن المعارضين ومن تعلقت بهم شبهة موالاة أئمة أهل البيت أحياء، وبناء جدُرٍ عليهم فيموتون بداخلها مقيّدي الأيدي والأرجل.
حملة القتل العشوائي - افتتحت بها زمرة بعث العراق تاريخ صدّام الإجرامي - ودفنهم جماعيا في مقابر سرّية، بدأت منذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران سنة 1979، ونزوع جانب من شيعة العراق، بقيادة الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، إلى اتّباع خطى هذه الثورة الإسلامية المباركة، فقد باشرت قوات صدّام البعثي التكريتي حملات مداهمات واعتقالات، طالت آلاف من الشباب والبنات، ومنهم من لم تتجاوز أعمارهم 13 سنة، تبعا لذويهم المعتقلين معهم، واحالتهم على محاكم الثورة البعثيّة، والحكم عليهم بالإعدام، ثم القيام بدفنهم في مكان تنفيذ الأحكام، وعادة ما تكون بعيدة عن الأنظار، وإن كان النظام البعثي العراقي - في حقيقته - لا يستحي من ارتكاب أيّ جريمة مهما قسى تنفيذها وكبرت نتائجها، أينما عنّ له ذلك.
في اعقاب قتل الشهيد (محمد باقر الصدر)، وأخته (بنت الهدى) رضوان الله عليهما، أصدرت محاكم الثورة العراقية أحكاما بالإعدام، لعشرات آلاف الشباب والنساء والأطفال، بتهمة الإنتماء لحزب الدعوة، ومن حالفه الحظ بعد سلسة استنطاقات وتعذيبات قاسية، حكم عليهم بالسجن مدى الحياة، في سنة 1983 هجمت فرق عسكرية وأمنية على كردستان العراق، اعتقل فيها 8000 آلاف من الأكراد، وأُخِذوا بعيدا عن مناطقهم، وأعدموا ميدانيا دون محاكم، ودفنوا في أماكن تصفيتهم.
في سنة 1988 بدأت حملة (الانفال) التي اختفى خلالها 182.000 كردي عراقي، تم فصل الرجال على النساء والأطفال، ليكتشف بعد البحث عن مقابر المعتقلين، المختفين في عهد صدّام البائس، رفات زوجاتهم وأطفالهم في مقابر جماعية، وما بين سنوات 1986 و1988 شنت القوات العراقية هجمات كيماوية على القرى الكردية، ومنها قرية (حلبشة)، والتي أسفرت على مقتل حوالي 5000 شخص بمفعول غاز الخردل السّام، والمحظور استعماله دوليا، لكن صدّام الذي كان في خدمة أمريكا والغرب، سُكِتَ عن جرائمه الكيماوية بحق الشعبين الإيراني والعراقي، وغُضّ الطرف عنها كأنّها لم تقع، فلم تقع ادانة صدّام على تلك الجرائم، إلا بعد أن وقع في فخ دخول الكويت، الذي نصبته له أمريكا لتتخلّص من تبعات مساندتها ودعمها له، خلال حربه لإيران بالوكالة عنها.
في سنة 1991 ارتكبت قوات صدّام مجزرة بحق الشيعة، في نهاية حرب الخليج، والتي عُرِفت بالانتفاضة الشعبانية، ذهب ضحيتها عشرات آلاف من المدنيين والجنود، في مناطق البصرة وكربلاء والنجف والناصرية والعمارة والحلّة، قامت القوات المعتدية بهدم آلاف المنازل، وتجفيف مساحات شاسعة من أهوار الجنوب، مما تسبب في تغيير مناخي ايكولوجي خطير بالمناطق الجنوبية.
في مارس سنة 1999 اعتقل آلاف وسجنوا، وأعدموا بعد انتفاضة ثانية، اندلعت بعد مقتل الشهيد (محمد صادق الصدر)، وفي مايو أفادت منظمة العفو الدولية، العثور على قبر يحتوي على 40 جثة، في منطقة أبو الخصيب جنوب العراق، وهي جثث شيعية منسوبة إلى الانتفاضة الشيعية سنة 1991 (1)
وقد أفاد رئيس مركز الإستراتيجي لحقوق الانسان في العراق (فاضل الغزّاوي)، بأن 85 مقبرة جماعية لضحايا النظام السابق، لم يتمّ فتحها إلى الآن، مصرّحا بأن العدد الكلي للمقابر الجماعية في العراق، يبلغ 215 مقبرة، تم فتح 130 منها، وتمّ رفع 7367 رفاة، وما زالت 85 مقبرة غير مفتوحة، وأضاف أن العدد الكلي لموقع مقابر جرائم النظام السابق بلغ 95 موقعا، فُتِح منها 79 موقعا، وبقي 16 موقعا لم يتمّ فتحها إلى اليوم.
وذكر (فاضل الغزّاوي)، أن العديد من المقابر الجماعية غير مكتشفة، مازالت تحتاج إلى مسح بالأقمار الصناعية، وأهم العوائق التي تحول دون فتح المقابر الجماعية، هي قلة الموارد البشرية، والأدوات التخصصية، والتخصيصات المتعلقة بفتح المقابر، والمخاطر لفريق المقابر الجماعية، الذي يعمل في ظروف قاسية وخطرة، وقد أصيب العديد منهم بمشاكل صحيّة معقدة، بسبب تعاملهم مع رفاة المقابر الجماعية، كما أن العديد من مواقع المقابر الجماعية، تقع في أماكن خطرة أمنيا، أو في أطراف الصحراء، أو في تضاريس معقّدة مثل موقع جريمة (سبايكر) أو موقع مقبرة (بئر علو) الذي سيتم المباشرة بفتحها قريبا، بالاستعانة لأول مرّة بصائدي الأفاعي.(2)
=
وفيما مضى المجرم صدّام - بعد كل الذي ارتكبه من جرائم إبادة – إلى خالقه محمّلا بأوزاره، وأوزار أخرى مع أوزاره، ملعون من ضحاياه، ومن كلّ من عرف شخصه كمجرم عميل لأمريكا، خائن لدينه ووطنه وشعبه، غير مأسوف عليه فيما آل إليه أمره من جزاء، وجزاء الآخرة أعظم، لو كان يدرك المجرمون مثله عاقبتهم التي تنتظرهم، تاريخ صدّام لا تزال صفحات اجرامه وفظاعتها تُكْتَبُ إلى اليوم، ففي كل مرّة يفاجئنا الباحثون عن آثار جرائمه بمقبرة جديدة تنضاف الى قائمة المقابر الجماعية الطويلة، وما تحويه بطونها من ضحايا زمن، فاق زمن الحجاج بن يوسف الثقفي(3) في وحشيته.
المراجع
1 – المقابر الجماعية في العراق
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – العراق يستعين بصائدي الأفاعي للعثور على مقابر جماعية لضحايا النظام السابق والارهاب
https://shafaq.com/ar
3 – الحجاج بن يوسف الثقفي
https://ar.wikipedia.org/wiki/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat