مقالات في مناقب المرتضى 26 منقبة: «قاتل المشركين»
حامد كماش آل حسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حامد كماش آل حسين

لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.
ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.
· قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)
· وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)
ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:
1. لقب «أمير المؤمنين»
2. لقب «قائد الغر المحجلين».
3. لقب «يعسوب الدين».
4. لقب «أبو تراب».
5. لقب «إمام المتقين».
6. منقبة «وليد الكعبة».
7. لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».
8. منقبة «قسيم الجنة والنار».
9. منقبة «أول من أسلم».
10. لقب «الصديق».
11. لقب «الفاروق».
12. لقب «سيف الله المسلول».
13. لقب «ساقي الحوض».
14. لقب «ذي النورين».
15. لقب «باب مدينة العلم».
16. لقب «صاحب بيعة الغدير».
17. لقب «حامل لواء الحمد».
18. منقبة «علي مع الحق والحق مع علي».
19. منقبة «ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق».
20. لقب «سيد الثقلين»:
21. منقبة «إن الإمام علي بمنزلة الكعبة يؤتى ولا يأتي».
22. منقبة «المبيت على فراش النبي ليلة الهجرة».
23. منقبة «هجرة أمير المؤمنين علانية».
24. منقبة «حديث المؤاخاة».
25. منقبة «حديث الراية».
واليوم نتكلم عن منقبة وصف الإمام علي «عليه السلام» بأنه «قاتل المشركين»:
تنبيه مهم:
بداية نقول ان الحديث عن دور الإمام علي «عليه السلام» في رفع راية الإسلام وقتل كبار المشركين وفرسانهم يحتاج الى مجلدات لا الى مقال واحد لأنه لابد من الحديث عن دور الإمام علي «عليه السلام» في معارك والغزوات وهي:
1. دوره في معركة بدر.
2. دوره في معركة أحد.
3. دورة في معركة الخندق.
4. دوره في غزوة حنين.
5. دوره في معركة خيبر الذي اجملنا الحديث عنها في مقال سابق.
6. وهناك مواقف ومواقع كان للإمام علي «عليه السلام» دور في قتل صناديد الشرك.
7. ولابد لنا ان نعرج عن دوره في قتل المنافقين الذين يظهرون الاسلام ولازال الشرك او سوء العاقبة قد سيطر عليها فلابد من الحديث عن دوره في:
أ. معركة الجمل.
ب. معركة النهروان.
ج. معركة صفين.
وهكذا بقية المواقف في حياته مما يتطلب مجلدات لا مقال ولكننا سنمر مروراً سريعاً ونحاول اجمال كل ذلك في مقال واحد مما سوف نضطر الى عدم ذكر الكثير من المواقف وكان بودي ان اخصص مقال لقتله اصحاب الرايات في معركة احد وتخصيص مقال لدوره في معركة الخندق وبروزه لعمرو بن ود العامري الذي لم يستطع أحد من الصحابة البروز له وووووو ولكن حسبنا ما ذكرنا في هذا المقال ..
تمهيد:
عندما نزل قوله تعالى: ((أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله...)).(3)
صدر الإذن من الله سبحانه وتعالى بالجهاد والدفاع فعندها عزم رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» على تشكيل قوة دفاعية لتعزيز الإجراءات الاحترازية، ولحماية المسلمين من أي هجوم عسكري، وبادر إلى وضع النواة الأولية للجيش الإسلامي، وقاد مجموعة من المعارك والغزوات العسكرية في السنة الثانية للهجرة.
والمعلوم ان للمؤرخين اصطلاحان في المعارك التي خاضها المسلمون في حياة رسول الله «صلى الله عليه واله» هما:
- الغزوة: ويقصد بها المعركة التي يحضرها رسول الله «صلى الله عليه واله» بنفسه، ويتولى هو قيادتها.
- السرية: ويقصد بها مجموعة من المسلمين التي لا يكون فيها رسول الله «صلى الله عليه واله وسلم» ويتولى أحد أصحابه قيادتها.
وقد كانت هناك حروب وغزوات كثيرة في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وليس جميعها وقعت فيها حروب أو مناوشات، لأن الكثير منها كانت عبارة عن سرايا استطلاعية يبعثها النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في أطراف المدينة أو بعض النواحي التي يحتمل تسلل الأعداء منها، وكان عدد الغزوات التي خرج فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بنفسه سبعاً وعشرين غزوة، ووقع القتال في تسعة منها، وهذه الغزوات هي التي اشتهرت في تاريخ الإسلام دون سواها.
والغزوات التي خـرج فيها النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بنفسه كان الإمام علي «عليه السلام» معه، لم يفارقه إلا في غزوة واحدة هي «غزوة تبوك» والتي لم يقع فيها حرب وذلك لأمر أراده الله ورسوله، وفي كل تلك الغزوات كان لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بيد الإمام علي «عليه السلام».
ولقد كان الجهاد عند الإمام عليّ «عليه السّلام» جزء مهم من حياته الشريفة على الرغم من ان الشجاعة وحب الجهاد كانت ظاهرة بارزة في حياة بعض الصحابة، إلا أنها كانت عند الإمام عليّ «عليه السلام» تبدو قيمتها أكثر جلاءً في المهمات الصعبة وعند تراجع الآخرين وعدم قدرتهم على تجاوزها، فكان الإمام عليّ «عليه السلام» يتقدم بتفوقه المعهود لفك الطوق عن رقاب المسلمين، والتصدي للمبارزات التي نكص فيها الآخرون وهذا ما تشهد به جميع الحروب التي خاضها ضد المشركين.
لقد كان لأمير المؤمنين «عليه السلام» الحظ الاوفر والمساحة الأكبر في مقاتلة اعداء الله والاسلام وهو يومئذ كان في مطلع العمر وبداية شبابه ومع ذلك فقد جعل الدنيا وإغراءاتها الى جنب واقبل عازماً على الجهاد مجسداً بذلك اروع معالم الطاعة لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في تقدمه على مقارعة قادة الشرك والكفر لإعلاء كلمة التوحيد، وتثبيت دعائم النبوة ومبادئ الاسلام العزيز فكان لسيفه دور متميز ولجهاده أثر واضح في أن تعم كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» في الجزيرة العربية وما والاها وكان لثباته مع رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في كثير من المعارك التي عز فيها الناصر وقل فيها الصديق وكثر فيها العدو، أثر كبير في الانتصارات التي عززت موقع الاسلام، وثبتت أركانه.
يقول أبن أبي الحديد:
((وأما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين، وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين قتل علي نصفهم، وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر، وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما، وهذا الفصل لا معنى للإطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما)).(4)
بعض المشركين المقتولين بسيف الإمام:
عندما نتصفح كتب التاريخ الإسلامي والسير بغية البحث عن اوائل الذين لبوا الجهاد في سبيل الله ونصرة الدين الحنيف ومساندة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بكل المحن والحروب التي واجهت الدعوة الاسلامية نجد أن الإمام علي «عليه السلام» على راس المتقدمين للدفاع عن حرمة الاسلام والمسلمين فكان سيف ابن ابي طالب «عليه السلام» أحد أسباب بقاء الدين الى يومنا هذا كما أشار الى ذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ((ما قام الدين إلاّ باثنتين: سيف علي وأموال خديجة)).(5)
وبهذا السيف أوصل امير المؤمنين «عليه السلام» شجعان العرب وقادتهم الى الهلاك بعد منازلات عديدة، فكان من المؤكد أنه لم يكن بيت من بيوت القرشيين لم ينله سيف الإمام علي «عليه السلام» في تلك المعارك التي خاضها.
وذكر أبن شهر آشوب أسماء المشركين الذين نالهم سيف الإمام علي «عليه السلام» وحصد رؤوسهم فقال في كتابه «مناقب آل أبي طالب»:
- ( أنه قتل «عليه السلام» في يوم بدر:
خمسة وثلاثين مبارزاً - دون الجرحى - على قول العامة ، وهم: الوليد بن عتبة ، والعاص بن سعيد بن العاص ، ومطعم بن عدي بن نوفل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، ونوفل بن خويلد ، وزمعة بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، والنضر بن الحارث بن عبد الدار ، وعمير بن عثمان بن كعب «عم طلحة» ، وعثمان ومالك أخوا طلحة ، ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ، وقيس بن الفاكهة بن المغيرة ، وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة ، وعمرو بن مخزوم ، والمنذر بن أبي رفاعة ، ومنبه بن الحجاج السهمي ، والعاص بن منبه ، وعلقمة بن كلدة ، وأبو العاص بن قيس بن عدي ، ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص ، ولوذان بن ربيعة ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، ومسعود بن أمية بن المغيرة ، والحاجب بن السايب بن عويمر ، وأوس بن المغيرة بن لوذان ، وزيد بن مليص ، وعاصم بن أبي عوف ، وسعيد بن وهب ، ومعاوية بن عامر بن عبد القيس ، وعبد الله بن جميل بن زهير ، والسايب بن سعيد بن مالك ، وأبو الحكم بن الأخنس ، وهشام بن أبي أمية ، ويقال: قتل بضعة وأربعين رجلا ..
- وقتل «عليه السلام» في يوم أحد:
كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة ، وابنه أبا سعيد ، وإخوته خالداً ومخلداً وكلدة والمجالس، وعبد الرحمن بن حميد بن زهرة ، والحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطاة ، وأمية بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن أمية ، ومسافع ، وعمرو بن عبد الله الجمحي ، وبشر بن مالك المغافري ، وصوابا مولى عبد الدار ، وأبا حذيفة بن المغيرة ، وقاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة ، سوى من قتلهم بعدما هزمهم.
- وقتل«عليه السلام» في يوم الأحزاب:
عمرو بن عبد ود وولده ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة ، ومنبه بن عثمان العبدري ، وهبيرة بن أبي هبيرة المخزومي ، وهاجت الرياح ، وانهزم الكفار.
- وقتل «عليه السلام» يوم حنين:
أربعين رجلا وفارسهم أبو جرول ، وأنه قده عظيما بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس ، وقد اختلفوا في اسمه. ووقف «عليه السلام» يوم حنين في وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء.
- وفي غزاة السلسلة: قتل السبعة الأشداء ، وكان أشدهم آخرهم وهو سعيد بن مالك العجلي.
- وفي بني نضير: قتل أحد عشر، منهم غرورا.
- وفي بني قريظة: ضرب أعناق رؤساء اليهود مثل حي بن أخطب وكعب بن الأشرف.
- وفي غزوة بني المصطلق: قتل مالكاً وابنه...
- وفي يوم الفتح: قتل فاتك العرب أسد بن غويلم.
- وفي غزوة وادي الرمل: قتل مبارزيهم.
- وبخيبر قتل: مرحباً ، وذا الخمار ، وعنكبوتا.
- وبالطائف: هزم خيل ضيغم ، وقتل شهاب بن عيس ، ونافع بن غيلان.
- وقتل مهلعاً وجناحاً وقت الهجرة.
- وقتاله لأحداث مكة عند خروج النبي من داره إلى المسجد ومبيته على فراشه ليلة الهجرة.
- وله المقام المشهور في الجمل حتى قطع يد الجمل ، ثم قطع رجليه حتى سقط.
- وله ليلة الهرير ثلاثمائة تكبيرة أسقط بكل تكبيرة عدواً ، وفي رواية خمسمائة وثلاثة وعشرون رواه الأعثم وفي رواية سبعمائة ولم يكن لدرعه ظهر ولا لمركوبه كر وفر)).(6)
فكانت له المواقف المشهودة في كل حرب وعلى سيفه يتوقف النصر واصبحت شجاعته مضرب الأمثال يقول ابن أبي الحديد في شجاعته:
- ((وأما الشجاعة: فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى ثانية، وفي الحديث (كانت ضرباته وتراً)، ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما، قال له عمرو: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في إمارة الشام بعدي، وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته، فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه «عليه السلام» قتلهم أظهر وأكثر قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله .....
بكيته أبدا ما دمت في الأبد
لكن قاتله من لا نظـــــــــــير له .....
وكان يدعى أبوه بيضة البلـــــد
وجملة الامر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي، وباسمه ينادى في مشارق الأرض ومغاربها)).(7)
الأحاديث والروايات:
1. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ((ما قام الدين إلاّ باثنتين: سيف علي وأموال خديجة)).(8)
2. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أنه قال لعلي «عليه السلام»: ((أنت ..أشجعهم قلباً في لقاء الحرب وأجودهم كفاً وأزهدهم في الدنيا وأشدهم جهاداً)).(9)
3. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قوله: ((أفضلكم علي بن أبي طالب، أقدمكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدكم لله غضباً، وأشدكم نكاية في الغزو والجهاد)).(10)
4. أخرج ابن هشام في سيرته عن ابن أبي نجيح قال: ((نادى مناد من السماء (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي)، قال حسان بن ثابت:
جبريل نادى معلـــــنا ... والنقع ليس بمنجــلي
والمسلــمون قد أحدقوا ... حول النبي المرسل
لا ســـيف إلا ذو الفـقار ... ولا فتى إلا علـــــي(11)
5. عن ابن مسعود قال: لما برز علي «عليه السلام» الى عمرو بن عبد ود قال النبي «صلى الله عليه و آله وسلم»: ((برز الايمان كله الى الشرك كله) فلما قتله قال له: (أبشر يا علي، فلو وزن عملك اليوم بعمل أمتي لرجح عملك بعملهم)).(12)
شبهات وردود:
نص الشبهة:
- ((لقد رووا عن الإمام علي «عليه السلام» أنه خطبهم فقال: يا أيها الناس: من أشجع الناس، فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله، ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس)).(13)
قال الحلبي: «وبه يرد قول الشيعة والرافضة: أن الخلافة لا يستحقها إلا علي، لأنه أشجع الناس».
- ((استدل الحلبي ودحلان على أشجعية أبي بكر:
بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر الإمام علي «عليه السلام»: بأنه يقتل على يد أبن ملجم فكان إذا دخل الحرب ولاقى الخصم علم أنه لا قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه، أما أبو بكر فلم يخبر بقاتله فكان إذا دخل الحرب لا يدرون هل يقتل أو لا، ومن هذه حالته يقاسي من التعب ما لا يقاسيه غيره.
ومما يدل على شجاعته تصميمه على حرب مانعي الزكاة، مع تثبيط عمر له عن ذلك.
وأنه حين توفي الرسول «صلى الله عليه وآله» طاشت العقول وأقعد علي، وأخرس عثمان، وكان أبو بكر أثبتهم، وأما كونه لم يشتهر عنه في الحروب ما اشتهر عن علي، فلأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يمنعه عن مبارزة الشجعان)).(14)
- ويقول دحلان: ((إن الشجاعة والثبات في الأمر هما الأهمان في أمر الإمامة، لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم)).(15)
- وقالوا أيضاً: ((أبو بكر كان مع النبي «صلى الله عليه وآله» على العريش يوم بدر، مقامه مقام الرئيس، والرئيس ينهزم به الجيش، وعلي مقامه مقام مبارز، والمبارز لا ينهزم به الجيش)).(16)
هذا كل ما عند القوم من الأدلة على أشجعية أبي بكر من سائر الصحابة، حتى علي «عليه السلام».
الجواب:
نقطع بعدم صحة كل ما تقدم، أو عدم دلالته، مع عدم صحة الرواية وعدم صحة قضية العريش من أساسها ومما يؤكد ذلك ما يلي:
- فرار أبي بكر في المواقف:
لقد أقر دحلان بأن الشجاعة والثبات هما الأهمان في أمر الإمامة، وقد وجدنا ان أبا بكر يفر في أكثر من مشهد، وفراره في يوم خيبر وحنين وأحد مشهور ومعروف.
وعن فراره في غزوة خيبر قال ابن أبي الحديد المعتزلي وهو المعترف بخلافة أبي بكر يذكر فراره هو وعمر:
وما أنس لا أنس اللذين تقدما .....
وفرهما والفر قد علما حوب
وللراية العظمى وقد ذهبا بها .....
ملابس ذل فوقها وجلابيب
إلى أن قال:
أحضرهما أم حضر أخرج خاضب .....
وذان هما أم ناعم الخد مخضــــوب
عذرتكما إن الحــــــــــــــــــمام لمبغـض .....
وإن بقاء النفس للنفس مطلـــوب
ليكره طعم الموت والموت طالب .....
فكيف يلذ الموت والموت مطلوب
وقال أيضاً:
وليس ينكر في حنين فـراره .....
ففي أحد قد فر قدماً وخيبرا
ويقول السيد جعفر مرتضى العاملي معقباً على أبيات أبن أبي الحديد:
((بل يلذ الموت لمن بلغ الدرجات العالية من اليقين والمعرفة بجلال وعظمة الله، وما أعده لعباده الصالحين والمجاهدين في سبيله، والناصرين لدينه، وكلمات أمير المؤمنين «عليه السلام» حول الموت في سوح الجهاد خير شاهد على ذلك)).
وفر أبو بكر أيضاً في يوم أحد.
ويقول الإسكافي: ((إنه لم يبق معه(17) حينئذٍ سوى أربعة بايعوه على الموت، وليس أبو بكر من بينهم)).(18)
وجبن أيضاً في يوم الخندق عن مبارزة عمرو بن عبد ودٍ.
وفر أيضاً في حنين، حيث لم يبق معه «صلى الله عليه وآله» سوى علي «عليه السلام»، والعباس، وأبي سفيان بن الحارث، وابن مسعود.(19)
والخلاصة:
أن أبا بكر قد شهد المشاهد كلها مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وليس فقط لم تؤثر عنه أية بادرة تدل على شجاعة وإقدام، ولم يبارز، ولم يقتل، ولا جرح أحداً، بل ثبت عنه ما يدل على عكس ذلك تماماً وهو الفرار في أكثر من موقف، وكان يجبن الناس باستمرار، ويشير بترك الحرب وبعد هذا، فهل يعقل أن يكون رجل له هذه المواصفات شجاعاً.
وإذ كان له عذر في بدر، حيث جعلوه مع النبي «صلى الله عليه وآله» في العريش «المكذوب» لا يفارقه فأين كان عنه في يوم أحد، وحنين، وخيبر، وغيرها، حينما كان النبي «صلى الله عليه وآله» يجد نفسه محاطاً بالمشركين، الذين يريدون إطفاء نور الله عز وجل.
فهل كان أبو بكر في تلك الوقائع في عريش رئاسته، وكان النبي «صلى الله عليه وآله» هو الجندي المحارب بين يدي رئيسه أبي بكر، الذي ينهزم الجيش بانهزامه.
وأين كان في يوم خيبر حينما كشف ياسر اليهودي المسلمين، حتى انتهى إلى موقف النبي «صلى الله عليه وآله»، وقاتل «صلى الله عليه وآله» بنفسه، وأرسل إلى الإمام علي «عليه السلام» الذي كان في المدينة لرمد عينيه، فجاء الإمام علي «عليه السلام» وقتل مرحباً، وفتح الله على يديه خيبراً، وكان ما كان مما هو معروف ومشهور.
وفي يوم أحد خلص العدو إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فَدُثَّ(20) بالحجارة حتى وقع لشقه وشج في وجهه، إلى آخر ما جرى.
- وأما قولهم:
إنه «صلى الله عليه وآله» كان يمنعه من القتال، فهل منعه في يوم أحد وحنين، وخيبر، وسائر المشاهد، وهل كان يمنعه، ثم يباشر هو بنفسه القتال، حتى يتعرض للإصابة بجسده الشريف، كل ذلك دفاعاً عن الرئيس، أبي بكر ابن أبي قحافة.
قال الإسكافي عن أبي بكر إنه:
((... وهو أضعف المسلمين جناناً، وأقلهم عند العرب ترة، لم يرم بسهم قط، ولا سل سيفاً، ولا أراق دماً، وهو أحد الأتباع غير مشهور ولا معروف، ولا طالب ولا مطلوب فكيف يجوز أن يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومنزلته ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر فقام مغيظاً عليه فسل من السيف مقدار إصبع يريد البروز إليه، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «يا أبا بكر، شم سيفك(21) وأمتعنا بنفسك»، ولم يقل له «وأمتعنا بنفسك» الا لعلمه بأنه ليس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال، وانه لو بارز لقتل ...)).(22)
وخلاصة كلام الإسكافي(23) وهو طويل وملخصه:
أنه لا يمكن قياس أبي بكر برسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولا جعله رئيساً يهلك الجيش بهلاكه لأن النبي «صلى الله عليه وآله» هو صاحب الجيش والدين الجديد وهو الذي يراه عدوه وصديقه: أنه السيد والرئيس، وهو الذي أحنق قريشاً والعرب بدينه الجديد، ثم وترهم بقتل رؤسائهم وأكابرهم، وهو الذي يرتبط به مصير المحاربين.
أما أبو بكر، فلا أثر له هنا ولا كان أعداء الإسلام يقصدونه بالقتل وإنما هو كأي مهاجري آخر مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وغيرهما، بل كان عثمان أبعد منه صيتاً وأشرف مركباً، فلم يكن قتله في إحدى تلك المعارك ليضعف الإسلام ولا تعفى آثاره فكيف يجعل كرسول الله «صلى الله عليه وآله» الذي كان وقوفه وقوف رعاية وتدبير وظهر وسند يحرس أصحابه ويدبر أمورهم ويعين مواقفهم وتوجب سلامته الطمأنينة لهم.
ولو كان في أول المحاربين لانشغلت نفوسهم بمصيره وشغلهم الاهتمام به عن عدوهم ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها، ومن يكون قوة وعدة لهم يعرف مواضع خللهم وإذا رأى مصلحة في إقدامه بنفسه أقدم.
ولو كان أبو بكر شريكاً للنبي «صلى الله عليه وآله» بالنبوة وكانت العرب تطلبه مثله لصح قولهم، وأما وهو أضعف المسلمين جناناً وأقلهم عند العرب ترة ولا حارب أبداً بل هو أحد الأتباع فكيف يجوز أن يجعل بمقام ومنزلة رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثم ذكر الإسكافي قصة مبارزته لولده عبد الرحمن في أحد، واعتبر أن قول الرسول «صلى الله عليه وآله» له: أمتعنا بنفسك، كان لعلمه بأنه ليس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال وأنه لو بارز لقتل، ثم ذكر قوله تعالى: «... وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً»(24)، وآيات أخرى، وأضاف أنه لو كان الجبان والضعيف يستحقان الرئاسة لتركهما الحرب، لكان حسان بن ثابت(25) أحق بها.
وقد كانت قريش تريد قتل النبي «صلى الله عليه وآله» أولاً وعلي «عليه السلام» ثانياً، لأنه أشبه الناس به وأقربهم إليه وأشدهم دفاعاً عنه، لأن قتل علي «عليه السلام» يضعف النبي «صلى الله عليه وآله» ويكسر شوكته، وقد وعد جبير بن مطعم(26) غلامه وحشياً بالحرية إن هو قتل محمداً، أو علياً أو حمزة، ولم يذكر أبا بكر ولمقاربة حال علي «عليه السلام» لحال النبي «صلى الله عليه وآله» وجدنا النبي «صلى الله عليه وآله» يخاف ويحذر عليه، ويدعو له بالسلامة والحفظ.(27)
وعقب السيد جعفر مرتضى العاملي بقوله:
«وقد فات الإسكافي أن يذكر بحال أبي بكر حين رأى سراقة مقبلاً يجر رمحه، وسراقة رجل واحد لم تذكر عنه شجاعة.(28)
وفاته أن يشير أيضاً: إلى أنه لو صحت هذه المكرمة العظيمة لذكرها أبو بكر، أو أحد مناصريه في السقيفة، حيث كان في أشد الحاجة إلى ذلك آنئذٍ».
- حراسة أبي بكر للنبي «صلى الله عليه وآله»:
وأما حديث أنه وقف بالسيف على رأس رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يهوي أحد من المشركين بسيفه إلا أهوى إليه، فلا يمكن أن يصح أيضاً وذلك للأمور التالية:
إنه رغم ضعف إسناد هذه الرواية(29)، يكذبها قولهم المشهور: ((سعد بن معاذ كان مع جماعة من الأنصار يحرسون الرسول «صلى الله عليه وآله» في العريش، ويضيف البعض إليهم علياً أيضاً)).(30)
ولعلهم ذكروا علياً «عليه السلام» لما تقدم، من أنه كان لا يغفل عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فكان
يقاتل قليلاً ثم يأتي إليه ليفتقده.
وإذا كان النبي وأبو بكر في داخل العريش، وهؤلاء مع ابن معاذ يحرسونهما في خارجه، فكيف وصل إليه المشركون، وكان إذا أهوى أحدهم إليه أهوى إليه أبو بكر بالسيف.
ثم أليس حال هؤلاء الحراس أشد من حال أبي بكر، الذي يوجد من يدافع عنه في الخارج، وهو مطمئن البال في الداخل.
يقول الأميني:
((أضف إلى ذلك: أن حراسة النبي لا تختص بأبي بكر، ولا بابن معاذ، فقد حرسه غيره في مواقع وغزوات أخرى، كبلال، وذكوان، وسعد بن أبي وقاص بوادي القرى، وابن أبي مرثد ليلة وقعة حنين، والزبير يوم الخندق، ومحمد بن مسلمة يوم أحد، والمغيرة يوم الحديبية، وأبي أيوب الأنصاري ببعض طريق خيبر، وقد استمرت هذه الحراسة إلى أن نزل قوله تعالى في حجة الوداع: «والله يعصمك من الناس»(31)، فترك الحرس، هذا كله على فرض تسليم حراسة أبي بكر له)).(32)
وما تقدم وإن كان ربما يكون للنقاش في بعضه مجال، إلا أن السمهودي قال وهو يتحدث عن «أسطوان المحرس»: ((قال يحيى: حدثنا موسى بن سلمة، قال: سألت جعفر بن عبد الله بن الحسين عن أسطوان علي بن أبي طالب، فقال: إن هذه المحرس، كان علي بن أبي طالب يجلس في صفحتها التي تلي القبر، مما يلي باب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يحرس النبي صلى الله عليه وآله)).(33)
ويقول الأميني أيضاً:
((إنه لو كان حديث سيف أبي بكر في حراسته للنبي «صلى الله عليه وآله» صحيحاً، لكان أبو بكر أولى وأحق بنزول القرآن في حقه من علي، وحمزة، وعبيدة، الذين نزل فيهم: «هذان خصمان اختصموا في ربِهم ...»(34)، وقوله تعالى: «من المُؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..»(35)، ولكان أحق من علي بقوله تعالى: «... هو الذي أيدك بنصره وبالمُؤمنين»(36)، وغير ذلك من الآيات، وكان حقاً على رضوان الذي نادى يوم بدر: «لا سيف إلا ذو الفقار ... ولا فتى إلا علي» أن ينوه باسم أبي بكر وسيفه المشهور على رأس رسول الله، حيث لم يجرؤ أحد سواه على القيام بذلك، وبه حفظ رسول الله والدين)).(37)
- أبو بكر في ساحة الحرب:
قولهم: إنه كان في العريش ينافيه:
قولهم الآخر: إنه كان على الميمنة، أو في الميمنة، يوم بدر.(38)
وينافيه قولهم إن ولده عبد الرحمن قال له: يا أبت لقد أهدفت لي(39) يوم بدر مراراً فصدفت عنك.(40)(41)
وينافيه أيضاً قولهم: إن عبد الرحمن دعا يوم بدر إلى البراز، فقام إليه والده أبو بكر ليبارزه، فقال له الرسول: متعنا بنفسك(42)، وقد تقدم تعليق الإسكافي على هذه القضية.
- حرب الناكثين والقاسطين:
وأما عن إخبار النبي «صلى الله عليه وآله» لأمير المؤمنين «عليه السلام» بمحاربته للناكثين والقاسطين، وبقتل ابن ملجم له فهو مع خصمه كالنائم على فراشه كما يدعون، فلا يفيدهم شيئاً، ونكتفي هنا بتسجيل النقاط التالية:
إن الإسكافي يقول: «إن إخباره «صلى الله عليه وآله» إياه بقتال الناكثين والقاسطين إنما كان بعد أن وضعت الحرب أوزارها ودخل الناس في دين الله أفواجاً ووضعت الجزية ودان العرب قاطبة له».(43)
وأما إخباره «صلى الله عليه وآله» بأنه سوف يستشهد على يد إبن ملجم، فإنما قال له ذلك في غزوة العشيرة، حينما كناه بأبي تراب: إن أشقى الأولين والآخرين يخضب لحيته من رأسه، لكنه لم يعين له وقت ذلك فلعله بعد شهر ولعله بعد سنوات.
إن من الممكن أن يحصل البداء في هذا الأمر، على اعتبار: أن الإخبار إنما كان عن تحقق المقتضي، من دون تعرض للموانع.
ولو سلمنا ذلك فكيف يكون كالنائم على فراشه مع أنه يمكن أن يتعرض بل تعرض بالفعل للجراح الكثيرة في أحد وغيرها بالإضافة إلى إمكانية تعرضه لكسر أو لقطع بعض أعضائه؟
فهل تأكد لدى هؤلاء:
أنه كان في مأمن من كل ذلك حتى أصبح عندهم مع خصمه كالنائم على فراشه؟!.
ولماذا كان المسلمون يتمدحون شجاعته، ويقرضها الله ورسوله في غير مقام، كما في خيبر وأحد وبدر وغيرها، ولماذا يعتبرونها امتيازاً له، ومن أسباب فضله وعظمته عندهم، فلو كان ذلك صحيحاً لكان الكل أشجع من علي حتى النساء.
إنهم يروون: أنه «صلى الله عليه وآله» قال للزبير: إنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، ونزل في حق طلحة قوله تعالى: «... وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده ...».(44)
ويروون أيضاً قصة أحجار الخلافة(45) التي يدَّعون: أن أبا بكر كان في المقدمة فيها، وغير ذلك من الروايات الكثيرة جداً في حق كثير من الصحابة.
كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه كان يعلم: بأن هذا الدين سيظهر ولسوف يدخل «صلى الله عليه وآله» مكة ظافراً، وسيحصل المسلمون على كنوز كسرى وقيصر.
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه، فهل بطل بذلك جهادهم وذهب فضلهم وتقلصت شجاعتهم.
- حرب مانعي الزكاة:
وأما حرب أبي بكر لمانعي الزكاة، فلم يكن بنفسه وإنما بغيره، ومن أجل الحفاظ على مكانته وموقعه في الحكم، وذلك لأنهم أنكروا عليه تصديه للخلافة وأخذه ما ليس له بحق وكذلك كان الحال في قتال من أطلقوا عليهم كلمة «أهل الردة».
وواضح: أن العناد في الرأي لا يدل على الشجاعة في القتال، فربما تجد الجبان يصر على رأيه الذي سوف ينفذه غيره أكثر من الشجاع.
- ثباته حين وفاة الرسول صلى الله عليه وآله:
وأما عن ثباته حين وفاته «صلى الله عليه وآله»، فنشير إلى ما يلي:
يقول العلامة الأميني:
((إنه إذا كان الميزان في الشجاعة هو ما ذكر من ثباته عند موته «صلى الله عليه وآله»، فإن أبا بكر يكون أشجع من النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه فإنه لم يثبت عند موت جماعة عاديين كعثمان بن مظعون، حين قبله وهو يبكي وله شهيق والدموع تتحادر على خديه)).(46)
((وعثمان أيضاً كان أشجع من النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ لأن موت زوجته، ابنة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يمنعه عن مقارفة النساء ليلة وفاتها، وكان «صلى الله عليه وآله» يبكي على ابنته)).(47)
وأما ما ذكروه من تخبيل عمر، وإخراس عثمان، وإقعاد علي الخ...
إن صح، كان مانعاً عن خلافتهم «على حد قول دحلان» لأنهم ما كان لهم تلك الشجاعة والثبات في الأمران، اللذان هما الأهمان في أمر الإمامة، فكيف قبلوا بخلافتهم، وهم فاقدون لأهم أمر يحتاج إليه في الإمامة.
وعن إقعاد علي «عليه السلام» نقول:
كيف، وقد قضى النبي «صلى الله عليه وآله» في حجره وهو الذي تولى غسله وكفنه، ودفنه دونهم، فنراه ما قعد عن ذلك ولا تقاعس عنه.
إن ما ذكر من ثبات أبي بكر حين موته «صلى الله عليه وآله»، إنما يكون دليلاً لو كان لموت النبي «صلى الله عليه وآله» أثر عليه، وهو قد تحمل ذلك الأثر وقاوم تلك الصدمة.
مع أننا نجد أمير المؤمنين «عليه السلام» يواجهه بحقيقة: أن موت النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يعنيه، حتى اضطر أبو بكر إلى الاستشهاد بالناس على حزنه على النبي «صلى الله عليه وآله»(48)
وعلى كل حال ما ذكروه لإثبات أشجعية أبي بكر لا يفيد شيئاً في إثباتها ولا يسمن ولا يغني من جوع.(49)
الشواهد الشعرية:
1. السيد الحميري:
- إذا الحــــــرب مــــــــرتها القنا .....
وأحجـــمـــت عـــنهـــا البهــــــاليل
- إلـــى القــــرن وفي كـــــــــفه .....
أبيض مـــاضي الحـــد مصقــول
- العفـــــــــرني بين أشباله .....
أبــرزه للقــــنص ألغـــــــــــــــــــيل
2. دعبل الخزاعي:
أخــــي خاتم الرسل المصفى من القذى .....
ومفــــترس الأبــــطال فــي الغمرات
- جــــحدوا كان الغــــدير شهيده .....
وبــــدر وأحــــد شــــــــــــامخ الهــضبات
3. ابو القاسم الزاهي:
- كــــان في بدر ويوم أحــــــــــد.....
قـــــط من الأعناق ما شـــــــــــــــاء وقص
- جبريل ونادى: لا فــتـى .....
إلا عـــــلي عــم في القـــــــــــــــــــول وخص
- قد عمرو العامري سيـــــــفه .....
فخـــــر كــالفيل هـــــــــــوى وما قحــــــص
- مـــــا صـــــاح : ألا مبـــــــــــــــــارز .....
فالتوت الأعناق تشكو من وقص
- اعــــــــطي الرايـــــة يوم خـــيبر .....
من بعدما بها أخو الدعوى نكص
4. قال هاشم الكعبي:
وغداة بدر وهي أم وقائع .....
كبرت وما زالت لهن ولودا
قابلتهن فلم تدع لعقودها .....
نظما ولا لنظامهن عقيدا
فالتاح عتبة ثاويا بيمين من .....
يمناه أردت شيبة ووليد
سجدت رؤوسهم لديك وإنما .....
كان الذي ضربت عليه سجودا
وتوحدت بعد ازدواج والذي .....
ندبت إليه لتهتدي التوحيدا
5. السيد محسن الأمين:
غدا يوم بدر شاهدا لك في الورى .....
بآيات فضل قد تضمنها بدر
وعتبة وافى والوليد وشيبة .....
وقائدهم تيه وسائقهم كفر
عليهم من الماذي كل مفاضة نبت .....
في الوغى عنها الظبا والقنا السمر
أبوا عن بني عفراء كبرا وطالبوا .....
باكفائهم لما استخفهم الكبر
عبيدة والمولى علي وحمزة .....
هم خير اكفاء كرام لهم قدر
قتلت وليدا واشتركت بشيبة .....
وفي عتبة شاركت عمك يا وتر
6. قال أسيد بن أبي اياس بن وثيم:
وهو يحرض مشركي قريش على الإمام علي «عليه السلام» ويعيرهم به:
في كل مجمع غاية أخزاكم .....
جذع أبر على المذاكي القرح
لله دركم أ لما تنكروا .....
قد ينكر الحر الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم .....
ذبحا وقتلة قصعة لم يذبح
اعطوه خرجا واتقوا تضريبه ....
فعل الذليل وبيعة لم تربح
أين الكهول وأين كل دعامة .....
في المعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم قصعا وضربا يفتري .....
بالسيف يعمل حده لم يصفح
وختاماً:
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يثبتنا على ولاية محمد وآل محمد وان يوفقنا للسير على نهجهم وان يرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم، ... وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.
(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.
(3). سورة الحج: الآية / 39 – 40.
(4). شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج1 ص24.
(5). تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 314.
(6). مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج2 ص82.
(7). شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج1 ص20.
(8). تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 314.
(9). الفضائل لابن شاذان ص123.
(10). تفسير فرات ص496 ، شواهد التنزيل ج2ص357 وفيه العدو بدل الغزو وليس فيه الجهاد وكلاهما عن ابن مسعود.
(11). سيرة ابن هشام ج3 ص52.
(12). شواهد التنزيل ج1 ص 223 ، خصائص الوحى ص178.
(13). تاريخ الخلفاء للسيوطي ص36 ، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص47 ، البداية والنهاية ج3 ص271 ، السيرة الحلبية ج2 ص156 ، الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج1 ص122 ، الرياض النضرة ج1ص92
(14). الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج1 ص123، السيرة الحلبية ج2 ص156، تفسير القرطبي ج4 ص222.
(15). الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج1 ص124.
(16). تاريخ بغداد للخطيب ج8 ص21 ، المنتظم لابن الجوزي ج6 ص327 ، وراجع: العثمانية للجاحظ ص10.
(17). معه أي مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم أحد.
(18). الغدير للأميني ج7 ص206 عن السيرة الحلبية ج3 ص123.
(19). شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج13 ص293.
(20). دُث: رُميَ بالحجارة.
(21). شم سيفك: اي أغمده وهو من الأضداد.
(22). شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج13 ص281 ، العثمانية للجاحظ ص330.
(23). راجع كلام الأسكافي في كتابه نقض العثمانية والموجود في شرح النهج للمعتزلي ألفه نقضاً لكتاب العثمانية للجاحظ.
(24). سورة النساء: الآية / 95.
(25). اشتهر الشاعر حسان بن ثابت بالجبن وخاصة في غزوة الأحزاب، فقد روى ابن إسحاق قال: «وحدثني يحي بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، قالت: وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يُطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله «صلى الله عليه و آله وسلم»، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آتٍ، قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي، كما ترى يُطيف بالحصن، وأني والله ما آمنة أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وأصحابه فأنزل إليه فاقتله، قال: يغفر الله لكِ يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فلما قال لي ذلك، ولم أَرَ عنده شيئًا، احتجزتُ ثم أخذت عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، قالت: فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال: مالي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب» (ابن هشام في السيرة ج2 ص228 ، وقد جاء من طريق الزبير بن العوام وقال الهيثمي في المجمع ج6 ص133).
(26). والمشهور ان هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بن حرب وأم معاوية هي من قامت بذلك مع وعده بالمال والذهب.
(27). ملخصاً وراجع كلامه في: شرح نهج لأبن أبي الحديد المعتزلي ج13 ص278.
(28). تقوية الإيمان ص42.
(29). ضعف إسنادها الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص461.
(30). البداية والنهاية ج3 ص271، والسيرة الحلبية ج2 ص 156 و 161.
(31). سورة المائدة: الآية / 67.
(32). الغدير ج7 ص202: ونقل ما ذكر عن: عيون الأثر ج2 ص316، والمواهب اللدنية ج1 ص383، والسيرة الحلبية ج2 ص334، وشرح المواهب للزرقاني ج3 ص204.
(33). وفاء الوفاء للسمهودي ج1 ص448.
(34). سورة الحج: الآية / 19.
(35). سورة الأحزاب: الآية / 23.
(36). سورة الأنفال: الآية / 62.
(37). راجع: الغدير ج2 ص46 ـ 51 ، وج7 ص202 و 203 بتصرف.
(38). مغازي الواقدي ج1 ص58 والبداية والنهاية ج3 ص275.
(39). أَهْدَفَت لي : قَرُبَت لي ، ودنوت لي.
(40). صَدَفَت عَنْهك : اِنْصَرَفَت، مَلَت، أَعْرَضَت.
(41). الروض الأنف ج3 ص64، في مستدرك الحاكم ج3 ص475، حياة الصحابة ج2 ص332 عن الكنز ج5 ص374.
(42). سنن البيهقي ج8 ص186، وحياة الصحابة ج2 ص332 عن الحاكم عن الواقدي.
(43). شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد المعتزلي ج13 ص287.
(44). سورة الأحزاب: الآية / 53.
(45). روى الحاكم: «عن عائشة ، قالت: أول حجر حمله النبي «صلى الله عليه وآله» لبناء المسجد ، ثم حمل أبو بكر حجراً آخر ، ثم حمل عمر ، ثم حمل عثمان حجراً آخر ، فقلت: يا رسول الله ، ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك ، فقال: يا عائشة ، هؤلاء الخلفاء من بعدي». هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (مستدرك الحاكم ج3 ص96 و97 وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وراجع: وفاء الوفاء ج1 ص332 ، والبداية والنهاية ج3 ص218 ، والسيرة الحلبية ج2 ص56 ، وتاريخ الخميس ج1 ص343 ، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص272).
(46). الغدير ج7 ص214 عن: سنن البيهقي ج3 ص406، وحلية الأولياء ج1 ص105، والإستيعاب ج2 ص495، وأسد الغابة ج3 ص387، والإصابة ج2 ص464، وسنن أبي داود ج2 ص58، وسنن ابن ماجة ج1 ص481.
(47). الغدير ج2 ص214 وج3 ص24 عن: الروض الأنف ج3 ص24، ومستدرك الحاكم ج4 ص47.
(48). حياة الصحابة ج2 ص84، وكنز العمال ج7 ص159 عن ابن سعد.
(49). راجع ما تقدم: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج6 ص162.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat