كتاب الامام الصادق لمؤلفه الجندي والقرآن الكريم (ح 7)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

يقول عبد الحليم الجندي في كتابه لإمام جعفر الصادق عليه السلام عن خلاف الشيعة مع السنة: 8 - التفسير بالتأويل: يروى الشيعة عن النبي أنه قال (ان للقرآن ظاهرا وباطنا ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن) ويروون عن علي أنه قال (ما من آية قرآنية. إلا ولها ظاهر وباطن. وحد ومطلع) ويروى هذا البيان عن (سهل التستري)، من المفسرين الصوفيين. وأنه أضاف. فالظاهر التلاوة. والباطن الفهم. والحد حلالها وحرامها. والمطلع إشراف القلب على المراد به فقها عن الله عز وجل.. قيل له ما الباطن؟ قال: فهمه. ويروون عن الإمام الصادق أنه قال (إن في كتاب الله أمورا أربعة. العبارات والإشارات، والحقائق واللطائف. فالعبارات للعوام. والإشارات للخواص. واللطائف للأولياء. والحقائق لأنبياء الله) والمتتبع لتفسيرات الإمام الصادق وأجوبته على المسائل يجدها تنبع من من بحر عميق في فهم القرآن واللسان العربي، أمكنه أن يكشف للناس بين الفينة والفينة ما فيه من شمول وما بينه وبين السنة من صلة الأصل بفرعه. وبذلك قدر الإمام أن يفسر القرآن بالقرآن ففي بيته نزل وأن يجد للحديث الواحد أصولا عدة، في آيات متفرقة، بمجرد أن يدلي إليه سائل بسؤال. وهو منهج سيتتابع عليه عظماء الأئمة من أهل السنة. وفي طليعتهم أحمد بن حنبل. إليك مثلا - بين نظائر تجل عن الحصر لاستعمال اللسان العربي في التفسير: يقول زرارة للإمام الصادق: من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟ ويجيب الإمام: لمكان الباء في قوله تعالى "وامسحوا برءوسكم" (المائدة 6). يقصد أن الباء للبعضية. ولقد تتابع على هذا التفسير الأئمة في اللغة والفقه. جاء في المصباح المنير في مادة (بعض) أن الباء (في قوله تعالى "وامسحوا برءوسكم" (المائدة 6) للتبعيض. ونص على مجيئها للبعض ابن قتيبة. وأبو على الفارسي وابن جنى. وذهب إلى مجئ الباء بمعنى البعض الشافعي وهو من أئمة اللسان. وقال بمقتضاه أحمد وأبو حنيفة) ومن استعمال ظاهر اللسان العربي تفسير "الكوثر" بأنه الذرية الكثيرة. في قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" (الكوثر 1). فهي صيغة مبالغة من الكثرة يؤيد ذلك الآية التي تجئ فيما بعد "إن شانئك هو الأبتر" (الكوثر 3) والأبتر من لا عقب له. وبهذا ساغ تفسير الشيعة بأن الكوثر هو الذرية. وقد رزق الله النبي الذرية الكثيرة من فاطمة. فهي الكوثر المقصود. والآخرون يقولون إن الكوثر نهر في الجنة. وغيرهم يؤولونه بأنه النبوة. ولقد أسلفنا طائفة من تفسيرات الامام، كالخوف من عدم العدل بين النساء، والإنفاق من رزق الله، ورؤية الله جل شأنه، وقتل النفس بإخراجها من الهدى إلى الضلال، والتفسيرات التي جعلت أبا حنيفة يقول عن آية "وما نقموا إلا أن أعناهم الله ورسوله من فضله" (التوبة 74) لكأني ما قرأتها قط في كتاب الله ولا سمعتها الا في هذا الموقف. وهي جميعا صادرة عن فهم دقيق للسان العربي الذي نزل به القرآن. وما من تفسير ثبت عن إمام عن أهل البيت إلا تلقته العقول بالقبول، لأنه لا يغاير النص من القرآن والسنة. وإنما يشرحهما في نورانية باهرة، في حين أن المعتزلة يؤولون ليخضعوا المعنى لأصولهم الخمسة. وهذا خلاف عظيم بين المؤولين وبين الإمام جعفر والشيعة الامامية.
يستمر عبد الحليم الجندي في كتابه الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن خلاف الشيعة مع السنة قائلا: 9 - البداء: و مفهومه الشائع: الظهور بعد الخفاء: نسب إلى الشيعة القول بأن الله يبدو له فيغير ما قرره لظهور طارئ. وأطلقوا على ذلك لفظ البداء. والشيعة الإمامية لا تقول شيئا بهذا المعنى - بل تعتقد أن الله عالم بكل شئ. وعلمه أزلي بما كان وما يكون. يقول الإمام الصادق (ما بدا لله في شئ إلا كان في علمه قبل أن يبدو له) وسأله منصور بن حازم. هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله بالأمس؟ قال (لا من قال هذا فقد أخزاه الله) قال منصور: ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال (بلى قبل أن يخلق الخلق) و يروى عنه قوله (إن الله لم يبد له عن جهل). فجميع الكائنات الممكنة، قبل أن تخلق، قدرها الله تعالى وكتبها بمشيئته وإرادته في اللوح المحفوظ. والله تعالى يقول "يمحو الله ما يشاء ويثبت" (الرعد 39) وكل ما يتعلق به القضاء، و التقدير، لا بد له من تعلق الإرادة والمشيئة به. وما لا يكون قضاؤه وتقديره حتميا مما هو مورد المحو والإثبات تتعلق المشيئة بمحوه وإثباته. وقد يكون وجوده، وتكوينه بإرادة الله تعالى، منوطا أي مشروطا، بتحقق أمر آخر. فيكون قد جرى في علمه تعالى أن يوجد إذا حصل ما اقتضت المصلحة، التي يعلمها الله، أن تكون شرطا. والله تعالى يقول (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) ويقول: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" (الاعراف 96). وروى أحمد في المسند أن النبي قال (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر). وعن أبي سعيد أن النبي قال (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب لدعوته أو يصرف عنه من السوء مثلها أو يدخر له من الأجر مثلها. قالوا: يا رسول الله إذن نكثر. قال: الله أكثر). ومن القضاء علم مخزون لا يطلع الله عليه أحدا. فلا بداء فيه. وقضاء أخبر به ملائكته ورسله. فهذا أيضا لا بداء فيه. وقضاء معبر عنه بلوح المحو والإثبات. وفي هذا القسم يرد قول الشيعة بالبداء "يمحو الله ما يشاء ويثبت" (الرعد 39). والشهرستاني ينفى عن الإمام جعفر ما ينسب إليه من أقوال في الغيبة والبداء بمعنى تغيير إرادة الله.
وعن عن خلاف الشيعة مع السنة حول الرجعة يقول المؤلف الجندي: 10 - الرجعة: القول " برجعة " " المهدى " المنتظر ليس مجمعا عليه، كما أخذ بعض أهل السنة، ببعض أنباء الغيب وحوادث المستقبل وأشراط الساعة. مثل نزول عيسى من السماء، وظهور الدجال الذي يظهر قبل الإمام بقليل فيقتله الإمام، وخروج السفياني الذي يخرج من الوادي اليابس حتى ينزل بدمشق، فذلك اختراع لحساب بنى أمية ضد بنى مروان. ومن قبلهم وجد (القحطاني) المنتظر رجل في قحطان يسوق العرب بعصاه بل ادعى عبد الرحمن بن الأشعث أنه القحطاني المنتظر. بل إن سعيد بن المسيب علامة التابعين يعتبر عمر بن عبد العزيز المهدى المنتظر (للمدينة). وقد سمى العباسيون لهم مهديا (الخليفة المهدى بن المنصور). وأبو جعفر المنصور يقول عن محمد النفس الزكية (هذا مهدينا أهل البيت). ولقد سمى الكثيرون من يتولونهم بالمهدي. فأتباع محمد بن الحنفية لقبوه بالمهدي. وابن صرد يلقب الحسين بالمهدي. وأشياع المختار الثقفي لقبوه بالمهدي. بل إن كثرة الزيدية يقولون إن كل واحد من الأئمة مهدي. فزيد مهدي. وابنه يحيى مهدي. ومحمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) مهدي. وكل فاطمي شجاع عالم زاهد يدعو إلى الحق بالجهاد فهو لدى الزيدية إمام (مهدي) ومن الناس من ينتظر عودة من يسمونهم كذلك. وفي مسند أحمد بن حنبل: سمعت عليا يقول قال رسول الله (لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله عز وجل رجلا منا يملؤها عدلا كما ملئت جورا). ويقول بعض الشيعة إن عقيدة البعث أصل مجمع عليه، وإنه عندما يؤخذ القول بالرجعة على أنها بعث فلا وجه لنفى العدالة عمن يفهمها كذلك. يقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الشيعة): من يستغرب الرجعة يكون بمثابة من يستغرب البعث فيقول "من يحيى العظام وهي رميم" (يس 78) فيقال: "قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" (يس 79)، وينهى بحثه في هذا الصدد بقوله: على كل حال. فالرجعة ليست من الأصول التي يجب الاعتقاد بها. وإما اعتقادنا بها كان تبعا للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت الذين ندين بعصمتهم من الكذب. وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا بها ولا يمتنع وقوعها. ولقد رددت كتب السنن الكلام في المهدى وظهوره. ومنها سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ولم يرد ذكره في صحيحي البخاري ومسلم. وتكلم البعض في أسناد الأحاديث المروية في السنن. وفي الوقت ذاته نجد السيوطي في كتابه (العرف الوردي في أخبار المهدى).
وعن العلم والحكمة يقول عبد الحليم الجندي: سأل الإمام عن قوله تعالى "ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا" (البقرة 269) فيقول: (الحكمة هي المعرفة والتفقه في الدين). ولما جمع للحكمة المعرفة والتفقه في الدين كان يعلم الناس أن الفقه وحده ليس الحكمة وإنما هو درجة فيها. وهو القائل (تفقهوا في الدين فإن من لم يتفقه منكم فهو أعرابي). ولما جعل مطلق المعرفة بعض الحكمة فتح الباب لكل أنواع العلوم. فليست المعرفة قاصرة على العلم الديني. فهذا ينفيه نصه على التفقه في الدين معها. وإنما قصد الإمام العلم عموما. ومنه العلوم التطبيقية والفلسفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كان لها في مجالس الإمام الصادق مكان، هو أول مكان تلقاه في حلقة إمام للدين في مدارس الإسلام. كمكان جابر بن حيان. وهذه التفرقة بين ألوان المعرفة يوجبها المنهج العلمي على الدارسين. وهذا الجمع لشتى العلوم إيذان بتطبيق المنهج الإسلامي في فنون العلم العالمي كما سنرى بعد. وللمنهج بعد شعار من حب رسول الله، و تقدير أصحابه "محمد رسول الله والذين معه" (الفتح 29). فلا يقبل العلم من رجل، أو يقبل العلم على رجل، قصر إيمانه عن صيانتهم. بهذه النزاهة الفعلية والفكرية، وبالإخلاص للمعرفة. والتزام قيم الإسلام، استعمل الإمام الصادق " العقل " أصلا من الأصول، إلى جوار القرآن والسنة والإجماع. والنص على العقل واستعماله مستمد من القران الذي طالما خاطب فطرة البشر " لتعتبر " بما تدركه الحواس من آيات الله، وتتدبرها، وتستصحبها، لترى آلاءه على عباده. وتشهد تقديره وتدبيره. فتقنعهم بوجوده ووحدانيته وقدرته، فتصبح الدليل ما بعده دليل. وكما استعمل (الصادق) العقل، استعمل الحرية، التي منحها القرآن للإنسان: لا يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين، ولا يستعمل في جدالهم إلا التي هي أحسن. ولا في وعظهم إلا الموعظة الحسنة. حتى ثبوت الألوهية لا يرضاه الله بإكراه. والعقل لا يعمل إلا حرا. وإذا أكره تعطل أو انحرف. والجدال بعنف تعسف. و للعقل كرامة. والكرامة هي الحرية. والاعتبار بالآثار والأشياء المحيطة بالناس، بالمشاهدة والاستخلاص، ثم الحرية والأمانة في التفكير والتقدير. أي النزاهة الفكرية. هما صميم المنهج. وهو لا يتجلى في الدلالة على الله جل ثناؤه. إليك مثلا من زنديق تحداه بقوله: كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟ - قال الصادق: (رأته القلوب بنور الإيمان. وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان. وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف. ثم الرسل وآياتها. والكتب ومحكماتها. واقتصر العلماء على ما رأوه من عظمته دون رؤيته). طلب واحد من تلاميذه بيانا عن قول أبى شاكر الديصاني رئيس الطائفة الديصانية وهي طائفة ملحدة تنعم بحرية العقيدة في بلدان الإسلام إن في القرآن ما يدل على أن الإله ليس واحدا. ففيه "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" (الزخرف 84) فأجاب الإمام بقوله: قل له ما اسمك في الكوفة فيقول فلان. فقل له ما اسمك في البصرة فيقول فلان. فقل له فكذلك: ربنا في السماء إله وفي الأرض إله وفي البحار إله وفي كل مكان إله.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat