العجوز الشيعية ( شطيطة )
د . دينا عبد الساده رسن المالكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . دينا عبد الساده رسن المالكي

القصة تبدأ في عهد الامام جعفر الصادق (عليه السلام ) و بالتحديد في نيسابور ، حيث المتعارف عليه ان المحبين والموالين والشيعة في كل عام يجمعون الاموال والثياب والنفائس ويعطوها الى شخص امين، في وقت كثر فيه الكذابون، فاحتار اهل نيسابور في من الذي يحمل تلك الاموال؟ فتم اختيار رجل يدعى بأبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري، الذي اخذ على عاتقه جمع الاموال؛ فكانت حصيلتها: "في السنة من مال وثياب ، وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار ، والدراهم خمسين ألف درهم ، والثياب ألفي شقة ، وأثواب مقاربات ومرتفعات" (1)
فجات امرأة عجوز تحمل مالا قليلا درهم صحيح، فيه درهم ودانقان ، وشقة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم ، وقالت ما يستحق علي في مالي غير هذا ، فادفعه إلى مولاي ، فقال: يا امرأة استحي من أبي عبد الله عليه السلام أن أحمل إليه درهما وشقة بطانة . فقالت : " ألا تفعل ! إن الله لا يستحي من الحق ، هذا الذي يستحق ، فاحمل يا فلان فلئن ألقى الله عز وجل وما له قبلي حق قل أم كثر ، أحب إلي من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمد حق. (2)
اخذ ابي جعفر الدرهم ، وطرحه في كيس ، فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلؤي ، وطرح الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوبا لأخوين بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل ، وجاءت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل ، وكان سبعين ورقة ، وكل مسألة تحتها بياض ، وقد أخذوا كل ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة ، وختموا على كل حزام بخاتم ، وقالوا : تحمل هذا الجزء معك ، وتمضي إلى الامام ، فتدفع الجزء إليه ، وتبيته عنده ليلة ، وعد عليه وخذه منه ، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر منها ختمه وانظر الجواب ،
فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الامام ، فادفعه إليه وإلا فرد أموالنا علينا (3)
فخرج هذا الرجل النيسابوري وذهب الى العراق لزيارة قبر امير المؤمنيين (عليه السلام ) فوجد رجل كبير بعمر سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وقد تشنج وجهه ، متزرا ببرد ، متشحا بآخر ، وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام ، وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين (عليه السلام )، فسألت من حضر عنده ، فقالوا : أبو حمزة الثمالي . فسلمت عليه ، وجلست إليه ، فسألني عن أمري ، فعرفته الحال ، ففرح بي وجذبني إليه ، وقبل بين عيني وبشره بخير وفي هذا الوقت جاء رجل ينعى الامام جعفر الصادق (عليه السلام ) فانقطع ظهري نصفين ، وقلت لنفسي :إلى أين أمضي ؟ ! فقال له أبو حمزة : إلى من أوصى ؟ قال : إلى ثلاثة ، أولهم أبو جعفر المنصور ، وإلى ابنه عبد الله ، وإلى ابنه موسى ، فضحك أبو حمزة ، والتفت إلي وقال : لا تغتم فقد عرفت فقلت : وكيف أيها الشيخ ؟ !
فقال : أما وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الامام ، وأما وصيته إلى ابنه الأكبر والأصغر فقد بين عن عوار الأكبر ، ونص على الأصغر . فقلت : وما فقه ذلك ؟ فقال : قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " الإمامة في أكبر ولدك يا علي ، ما لم يكن ذا عاهة " فلما رأيناه قد أوصى إلى الأكبر والأصغر ، علمنا أنه قد بين عن عوار كبيره ، ونص على صغيره ، فسر إلى موسى ، فإنه صاحب الامر .
قال أبو جعفر :( فودعت أمير المؤمنين ، وودعت أبا حمزة ، وسرت إلى المدينة ، وجعلت رحلي في بعض الخانات ، وقصدت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وزرته ، وصليت ، ثم خرجت وسألت أهل المدينة : إلى من أوصى جعفر بن محمد ؟ فقالوا : إلى ابنه الأفطح عبد الله ( فلم يقتنع من امامته ) .... جئت إلى ضريح النبي ( صلى الله عليه وآله )فانكببت على قبره ، وشكوت خيبة سفري ، وقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي ؟ إلى اليهود ، أم إلى النصارى ، أم إلى المجوس ؟ إلى أين يا رسول الله ؟ فما زلت أبكي وأستغيث به ، فإذا أنا بإنسان يحركني ، فرفعت رأسي من فوق القبر ، فرأيت عبدا " أسود عليه قميص خلق ، وعلى رأسه عمامة خلق فقال لي : يا أبا جعفر النيسابوري ، يقول لك مولاك موسى بن جعفر عليهما السلام : " لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى ،
ولا إلى المجوس ... إلي ، فأنا حجة الله ، قد أجبتك عما في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به ، وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان ، الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلؤي ، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين " .
قال : فطار عقلي ، وجئت إلى رحلي ، ففتحت وأخذت الجزو والكيس والرزمة ، فجئت إليه فوجدته في دار خراب ، وبابه مهجور ما عليه أحد ، وإذا بذلك الغلام قائم على الباب ، فلما رآني دخل بين يدي ، ودخلت معه ، فإذا بسيدنا عليه السلام وقال : " لا تقنط ، ولم تفزع ؟ لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى والمجوس ، أنا حجة الله ووليه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جري أمري ؟ ! .
قال : فأزاد ذلك في بصيرتي ، وتحققت أمره . ثم قال لي : " هات الكيس " فدفعته إليه ، فحله وأدخل يده فيه ، وأخرج منه درهم شطيطة ، وقال لي : هذا درهمها ؟ " فقلت : نعم . فأخذ الرزمة وحلها وأخرج وقال لي : هذا درهمها ؟ " فقلت : نعم . فأخذ الرزمة وحلها وأخرج منها شقة قطن مقصورة ، طولها خمسة وعشرون ذراعا " وقال لي : " إقرأ عليها السلام كثيرا " ، وقل لها : قد جعلت شقتك في أكفاني ، وبعثت إليك بهذه من أكفاننا ، من قطن قريتنا صريا ، قرية فاطمة عليها السلام ، وبذر قطن ، كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها ، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد الله عليه السلام وقصارة يده لكفنه فاجعليها في كفنك " .
ثم قال : " يا معتب جئني بكيس نفقة مؤناتنا " فجاء به ، فطرح درهما فيه ، وأخرج منه أربعين درهما ، وقال : " إقرأها مني السلام ، وقل لها : " ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ، ووصول هذا الكفن ، وهذه الدراهم ، فانفقي منها ستة عشر درهما ، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك ، وما يلزم عليك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ، فإذا رأيتني فاكتم ، فإن ذلك أبقى لنفسك ، وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا ؟ قبل أن تجئ بدراهمهم كما أوصوك ، فإنك رسول " .
فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحا " ، ففككت من وسطها واحدا " فوجدت تحتها : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت لله عز وجل لأعتقن كل مملوك كان في ملكي قديما . وكان له جماعة من المماليك ؟ حته الجواب من موسى بن جعفر عليهما السلام : " من كان في ملكه قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى : * ( حتى عاد كالعرجون القديم ) * ( وكان بين العرجون القديم والعرجون الجديد في النخلة ) ستة أشهر " ، وفككت الاخر ، فوجدت فيه : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : [ والله ] أتصدق بمال كثير ، بما يتصدق .
ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس ، وشطيطة من جملتهم ، فسلموا على ، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى ، ودفعت إليها الشقة والدراهم ، وكادت تنشق مرارتها من الفرح ، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلا حاسد أو متأسف على منزلتها ودفعت الجزء إليهم ، ففتحوا الخواتيم ، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم .
وأقامت شطيطة تسعه عشر يوما ، وماتت رحمها الله ، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها ، فرأيت أبا الحسن عليه السلام على نجيب ، فنزل عنه وأخذ بخطامه ، ووقف يصل عليها مع القوم ، وحضر نزولها ، إلى قبرها ونثر في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية ، وقال : " عرف أصحابك وأقرأهم عني السلام ، وقل لهم : إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم ، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الاعمال لتعينونا على خلاصكم ،
وفك رقابكم من النار " .
......
1) ينظر : ابي حمزة الطوسي (ت: 560ه) ، الثاقب في المناقب ،تح : نبيل رضا علوان مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، ط2 (قم المقدسة–1412)ص439 .
2) ابي الحمزة الطوسي ، الثاقب في المناقب ، ص 439 .
3) ابي الحمزة الطوسي ، الثاقب في المناقب ، ص 440 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat