أما آن لهذه البدع أن يتخلّص منها المسلمون؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

بدعتان جاءت في تراثنا الروائي، يجب على المسلمين الذين اعتقدوا صحّتها تركها اليوم قبل الغد، تنقية للسنّة النبوية من الشوائب التي علقت بها، وإنقاذا لكل مسلم اعتبرهما من صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو منها بريء لا تمتّ إليه في تأسيسها بتلك الصورة بصلة، البدعة الأولى هي صلاة الضحى، والتي لا يزال قسم من المسلمين يعتبرها من العبادات المأثورة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صلاة الأوابين هي صلاة تؤدى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وقيل بعد مضي ربع النهار، وصلاة الضحى أحد أنواع صلاة النفل وحكمها أنها سنة مؤكدة عند الجمهور، خلافًا للقول بأنها مندوبة في مذهب أبي حنيفة، وأقلها ركعتان، وأوسطها أربع ركعات، وأفضلها ثمان ركعات، وأكثرها اثنتى عشرة ركعة.(1) أثبتوا توهّما منهم أن النبي صلى الضحى ثماني ركعات فهي سنّة مؤكدة عندهم، بينما هي صلاة صلاها رسول الله عند فتح مكة شكرا لله على منّه الكبير، عن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرته أن رسول الله صلى عام الفتح ثماني ركعات ملتحفا بثوب واحد. (2)وذكر تلك الصلاة الطبراني فعدها ركعتين فقط وليست صلاة بوقت مخصوص، وهو وقت عمل وضرب في الأرض بحثا عن الرزق، ولا مجال لغير ذلك من العبادات، وليس النبي ولا دينه ممن يضيق على المسلمين في طلب الرزق بتخصيص وقت حساس من نهارهم للصلاة التي اطلقوا عليها صلاة الضحى، ناهيك أن هناك نصّ واضح وصريح ينفي أنّ رسول الله لم يصلى هذه الصلاة أبدا، عن عائشة قالت : (ما رأيت رسول الله يصلي سبحة الضحى قط. ) (3) وطالما أن النبي لم يصلي الضحى قط فمن أين جاء بها هؤلاء.
ومع وجود هاذين النصّين الصريحين، النصّ الأول عن أمّ هانئ أن رسول الله صلى يوم فتح مكة ثماني ركعات، بدت مخصوصة بالحادثة، وليست مخصوصة بذلك الوقت من النهار، دون أن تسمّيها باسم الضحى، وعليه فخلاصة القول بالنسبة لصلاة الضحى، أن وقتها لا يناسب أيّ مسلم كادح طالب قوت يومه، وإنّ صلاة كالضحى من شأنها أن تعطّل الكدح من أجل لقمة العيش، فتبيّن أن هذه الصلاة بدعة إسما وتوقيتا وعدد ركعات إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وإن كانت صلاة.
أمّا البدعة الثانية فهي صلاة التراويح، التي تقام في شهر رمضان كل ليلة، وقد فعلها النبي من دون عزيمة، ومع أنّ أتباع مالك نقلوا: أن رسول الله كان يُرغّب في قيام شهر رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، وكان يقول: (من قام رمضان ايمنا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه.) فتوفّي رسول الله والأمر على ذلك وأبو بكر وصدر من خلافة عمر. (4)
يبدو ان منهج هؤلاء القوم التحريف واسقاط ما دونه الحفاظ ففي رواية مسلم أن من اجتمعوا على باب النبي وارتفعت أصواتهم بندائه، فلما لم يخرج إليهم حصبوا بابه، وهذه عيّنة جاءت في هذه الرواية بيّنت سوء أدب هؤلاء الصحابة إزاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
عن زيد بن ثابت قال : احتجر رسول الله حجيرة بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله يصلي فيها، قال فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله عنهم، قال فلم يخرج اليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج اليهم رسول الله مغضبا، فقال: مازال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فان خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. (5)
وقد علق النووي بالقول: والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها، واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفردا في بيته أم في جماعة في المسجد؟ فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم، الأفضل صلاتها جماعة كما فعلها عمر بن الخطاب والصحابة، واستمر عمل المسلمين عليها، لأنها من الشعائر الظاهرة، وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم، فأشبه صلاة العيد، وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم، الأفضل فرادى في البيت، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته الا المكتوبة. وقال النووي تعقيبا على ما في الرواية من قول: فتوفي رسول الله وكان الأمر على ذلك في خلافة ابي بكر، وصدرا من خلافة عمر، معناه استمر الأمر هذه المدّة، على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفردا، حتى انقضى صدرا من خلافة عمر، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب، فصلى بهم جماعة. (6)
ليس هذا فقط بل إنه علّق عليها بالقول: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوّله(7)
وقد حاول الإمام علي عليه السلام عندما تسلّم الحكم تصحيح نافلة شهر رمضان، واعادتها كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تُصلّى فرادى وفي البيوت، أولى من المساجد، فلم يستجيبوا له، كما دوّن ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي: و قد روي أن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) لما اجتمعوا إليه بالكوفة، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان ـ أي التراويح ـ ، زجرهم وعرّفهم أن ذلك خلاف السنة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم، وقدموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السَّلام، فدخل عليهم المسجد، و معه الدرّة، فلما رأوه، تبادروا الأبواب وصاحوا: واعمراه. (8)
هذا المقال تذكير بأنّ بدعا دخلت حياتنا وأصبح المسلمون يؤدّونها دون علم بمنشئها، اعتبروها سننا نبويّة يستحبّ أداءها كما جاءت ضمن تقاليد موروثة، رغم وضوح متعلّقات نصوصها واعترافات من ابتدعها، ومع ذلك فقد بقيت معمولا بها، ولو عرف المسلمون أنها ليست من السنّة، في أدائها على صيغتها التي وصلت إلينا في شيء لتركوها، فلا النبي ودينه جاؤوا بصلاة الضحى، لتعطّل المسلمين على مشاغلهم في أول اليوم، ولا التراويح من قيام الليل، لم يأمر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمّته بعزيمة، غير أنّ الذين جاؤوا يصلون بصلاته لا فقه لهم، ولا أدب يمتلكون، بحصبهم بابه بالحصباء ليخرج إليهم، فهل آن الأوان لاستبعاد البدع التي لصقت سنن الإسلام؟
المراجع
1 – صلاة الضحى وفضلها وأفضل وقت أوصى رسول الله بأدائها فيه
https://www.elbalad.news/4000501
2 – شرح الزرقاني على موطأ مالك ج1ص304 باب صلاة الضحى رقم 93ح355
3 – شرح الزرقاني على موطأ مالك ج1ص304 باب صلاة الضحى رقم 93ح357 ص 306/307
3 – موطأ مالك كتاب الصلاة باب صلاة الضحى ج1ص218ح417
4 – رواه مالك في الموطأ في كتاب رمضان الحديث2 والبخاري في كتاب صلاة التراويح باب 1 ومسلم في كتاب صلاة المسافرين المدوّنة الكبرى ج1ص287/ مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها . صحيح مسلم شرح النووي ج5ص35/36/37 ح174
5 – مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد ج2ص188ح781
6 – صحيح مسلم بشرح النووي ج5ص36
7 – جامع احاديث البخاري كتاب صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان ج3ص45ح2010/ موطا مالك كتاب الصلاة باب ما جاء في قيام رمضان ج1ص171ح301
8 – شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد ج 12 ص 283
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat