مقالات في مناقب المرتضى 22 : منقبة «المبيت على فراش النبي ليلة الهجرة»
حامد كماش آل حسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حامد كماش آل حسين

مقدمة:
لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.
ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.
· قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)
· وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)
ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:
1. لقب «أمير المؤمنين».
2. لقب «قائد الغر المحجلين».
3. لقب «يعسوب الدين».
4. لقب «أبو تراب».
5. لقب «إمام المتقين».
6. منقبة «وليد الكعبة».
7. لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».
8. منقبة «قسيم الجنة والنار».
9. منقبة «أول من أسلم».
10. لقب «الصديق».
11. لقب «الفاروق».
12. لقب «سيف الله المسلول».
13. لقب «ساقي الحوض».
14. لقب «ذي النورين».
15. لقب «باب مدينة العلم».
16. لقب «صاحب بيعة الغدير».
17. لقب «حامل لواء الحمد».
18. منقبة «علي مع الحق والحق مع علي».
19. منقبة «ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق».
20. لقب «سيد الثقلين».
21. منقبة «إن الإمام علي بمنزلة الكعبة يؤتى ولا يأتي»:
واليوم نتكلم عن منقبة «المبيت على فراش النبي ليلة الهجرة»:
تمهيد:
يحمل شهر ربيع الأول بين أيامه ولياليه جملة من الأحداث التاريخية التي مرت بها الإمة الإسلامية، ومن هذه الأحداث مبيت الإمام علي «عليه السلام» في فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وذلك في ليلة اليوم الأول من شهر ربيع الأول من سنة 13 للبعثة النبوية المباركة، والتي تعد صورة من صور الشجاعة والفداء لأمير المؤمنين علي «عليه السلام»، حيث لم يحدثنا التاريخ بقصة فداء أروع منها، فالملأ من قريش مُجمِعون على قتل النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في فراشه، وعلم النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بذلك وأخبر علياً، وأمره بالمبيت في فراشه، فقال له الإمام علي «عليه السلام»: أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟
قال: نعم.
فاستبشر الإمام علي «عليه السلام» وانفرجت أسارير وجهه ابتهاجاً بسلامة النبي، وتقدم إلى فراشه مطمئن النفس ثابت الجَنان ونام فيه متَّشحاً ببرده اليماني.
باتَ الإمام علي «عليه السلام» تلك الليلة في فراش النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» موطناً نفسه على القتل، وجاءت رجال من قريش لتنفيذ المؤامرة، فلما أرادوا أن يضعوا اسيافهم فيه، وهم لا يشكون أنه محمد «صلى الله عليه وآله وسلم»، ثار الإمام علي «عليه السلام» في وجوههم، فانهزموا منه فتركوه وتفرقوا في البحث عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم».
لقد كان مبيت امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب «عليه السلام» على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» خذلاناً سافراً لقريش المعتدية، فقد خابت آمالهم وفشلت خططهم في اغتيال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وكان فيها إرغام الشيطان وعلو شأن الإيمان، ولم يكن أي عمل نظيراً للمبيت في الثواب والقيمة، كيف وقد باهى الله بهذه التضحية ملائكته.
والآن لنقرأ حديث المبيت كما تذكره كتب الحديث والتاريخ والروايات من الفريقين لكي نقف على عظمة هذه المنقبة حتى باهى الله بهذه التضحية ملائكته.
حديث المبيت:
نذكر هنا حديث الهجرة والمبيت على ما ورد في كتب الفريقين بعضها يكمل بعض وقد ينفرد احدهما بذكر ما لم يذكره الآخر ومحاولة ترتيبها.(3)
))اجتمعت قريش في دار الندوة واتفقوا على أن يقتلوا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فاختاروا عشرة أو خمسة عشر رجلاً من كل قبيلة من قريش «وكانوا عشر أو خمس عشرة قبيلة أو أكثر» ليبِيتوا (4) النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بضربة واحدة من سيوفهم، فيتفرق دمه بين القبائل فلا تستطيع بني هاشم الطلب بدمه ومعاداة كل القبائل، فأخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» الامام علي «عليه السلام» بمكر قريش وأمره أن يتغشى ببرده الحضرمي (5) وينام في فراشه:
- فقال الامام علي «عليه السلام»: أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله.
- قال: نعم.
فتبسم الامام علي «عليه السلام» ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً لله.
فنام على فراشه واشتمل ببرده الحضرمي وخرج النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في فحمة العشاء والرصد قد أطافوا بداره ينتظرون وهو يقرأ «وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون»(6)، وذهب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى الغار.
وقالوا: إن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين «عليه السلام» نائم(7) فخاطبه وهو يحسبه نبي الله، فقال له الإمام علي «عليه السلام»: إن نبي الله انطلق نحو بئر ميمونة(8) فأدركه.(9)
قالوا: وجعل المشركون يرمون الامام علي «عليه السلام» بالحجارة كما كانوا يرمون رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وهو يتضور (10) وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، فهجموا عليه.
فلما بصر بهم الامام علي «عليه السلام» قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه يقدمهم خالد بن الوليد وثب له الامام علي «عليه السلام» فختله(11) وهمز(12) يده فجعل خالد يقمص(13) قماص البكر(14) ويرغو(15) رغاء الجمل وأخذ من يده السيف وشد عليهم بسيف خالد فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى خارج الدار وتبَصروه فإذا هو علي، قالوا: وإنك لعلي؟
قال: أنا علي.
قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك ؟
قال: لا علم لي به.(16)
فأسرعوا إلى قومهم فأخبروهم، فهبت قريش لتدارك الأمر قبل فوات الأوان وأذكوا العيون وركبوا في طلب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وكان في الغار وواصلوا اقتفاء أثره إلى قرب باب الغار فوجدوا العنكبوت قد نسجت على بابه وباضت في مدخله حمامة وحشية وغطته أغصان شجرة(17) فرجعوا عنه.
وأمهل أمير المؤمنين «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى الليلة التالية، فانطلق ليلاً هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا الغار على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأمر الرسول الأعظم هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين.
فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين ترتحلهما إلى يثرب.
فقال: إني لا آخذهما، ولا أحدهما إلا بالثمن.
قال: فهي لك بذلك.
فأمر علياً «عليه السلام» فأقبضه الثمن.(18)
ثم أوصاه «صلى الله عليه وآله وسلم» بحفظ ذمته وأداء أماناته وكانت قريش ومن يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم، وأمره أن ينادي صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً من كان له قبل محمد أمانة فليأت، فلنؤد إليه أمانته.
وقال «صلى الله عليه وآله وسلم»، لعلي «عليه السلام» آنئذٍ، أي بعد أن ذهب الطلب عنه «صلى الله عليه وآله وسلم»: إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه، حتى تقدم علي فأد أمانتي على أعين الناس ظاهراً ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما.(19)
فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الامام علي «عليه السلام» ان يبتاع رواحل له وللفواطم(20) من أزمع الهجرة من بني هاشم.(21)
وقال أمير المؤمنين «عليه السلام» يذكر مبيته على الفراش ومقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
..... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحــجْرِ
محمد لما خــاف أن يمكــــــــــــــــــروا به
..... فوقّاه ربي ذو الجـــــــــــــلال من المــــكر
وبت أراعيهم متى يأســرونني
..... وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبات رســـــــــــول الله في الغــــــــــــــــــــار آمناً
..... هناك وفي حفــظ الإله وفي ســــــــــــتر
أقـــــــــام ثلاثاً ثم زمـــت قلائص قلائص
..... يفرين الحـــصا أيما يفــــري)).(22)
الى هنا تنتهي قصة مبيت الإمام علي «عليه السلام» على فراش النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وسوف نكمل قصة هجرة الإمام علي «عليه السلام» الى المدينة في المقالة اللاحقة عند الكلام عن منقبه ان الإمام علي «عليه السلام» هو الوحيد الذي هاجر علانية.
الأحاديث:
1. ينقل «الثعلبي» في تفسيره في شأن نزول الآية: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد»(23):
((لما عزم النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» على الهجرة إلى المدينة، ترك عليَّ بن أبي طالب «عليه السلام» في مكة ليؤدّي الديون التي عليه والأمانات إلى اهلها، وأمرهُ ليلة خرج إلى الغار وقد احاط المشركون بالدار، أن ينام في فراشه «صلى الله عليه و آله» وقال له: اتشح ببردي الأخضر، ونم على فراشي فانّه لا يصل منهم إليك مكروه إن شاء اللَّه، ففعل ذلك علي «عليه السلام» فأوحى اللَّه تعالى إلى جبرئيل وميكائيل إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة فأوحى اللَّه تعالى إليهما: أَفلا كنتما مثل علي؟ آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوَّه، فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي بخ بخ من مثلك يا علي بن أبي طالب يباهي اللَّه تبارك وتعالى بك الملائكة فأنزل اللَّه على رسوله «صلى الله عليه و آله» وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي «عليه السلام»: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد»)).(24)
2. ((عن عبد اللَّه بن عباس قال: «أنام رسول اللَّه «صلى الله عليه وآله» علياً على فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبو بكر يطلب رسول اللَّه فأخبره علي أنّه قد انطلق، فأتبعه أبو بكر وباتت قريش تنظر علياً وجعلوا يرمونه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي، فقالوا : أين محمّد؟ قال: لا علم لي به، فقالوا: قد أنكرنا تضورك كنّا نرمي محمّداً فلا يتضور وأنت تتضور، وفيه نزلت هذه الآية: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد»)).(25)
3. ((لما أراد النبي «صلى الله عليه وآله» الهجرة، خلف عليَّ بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج من الغار وقد أحاط به المشركون بالدار أن ينام على فراشه وقال: إِتَّشِحْ ببردي الحضرمي .....
وبعدها نقل قصة ليلة المبيت وما أوحى اللَّه إلى جبرائيل وميكائيل .. ثم قال:
فأنزل اللَّه عزّ وجلّ على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد»)).(26)
4. ((عن أنس: لما توجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الغار ومعه أبو بكر أمر النبي «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» أن ينام على فراشه ويتوشح ببردته، فبات علي «عليه السلام» موطنا نفسه على القتل، وجاءت رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكون أنه محمد «صلى الله عليه وآله»، فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه، فلما أيقظوه ورأوه علياً «عليه السلام» تركوه وتفرقوا في طلب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأنزل الله عز وجل: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)).(27)
5. ((أجمعت قريش على قتل رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» ، وقالوا: ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات أبو طالب، فأجمعوا جميعاً على أن يأتوا من كل قبيلة بغلام نهد(28)، فيجتمعوا عليه، فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فلا يكون لبني هاشم قوة بمعاداة جميع قريش.
فلما بلغ رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أنهم أجمعوا على أن يأتوه في الليلة التي اتعدوا فيها خرج رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لما اختلط الظلام ومعه أبو بكر، وإن الله عز وجل أوحى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل أني قضيت على أحدكما بالموت فأيكما يواسي صاحبه ؟
فاختار الحياة كلاهما، فأوحى الله إليهما: هلا كنتما كعلي بن طالب، آخيت بينه وبين محمد، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر، فاختار علي الموت، وآثر محمداً بالبقاء، وقام في مضجعه، اهبطا فاحفظاه من عدوه.
فهبط جبريل وميكائيل، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوه ويصرفان عنه الحجارة، وجبريل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سماوات.
وخلف علياً على فراشه لرد الودائع التي كانت عنده، وصار إلى الغار فكمن فيه، وأتت قريش فراشه فوجدوا علياً، فقالوا: أين ابن عمك ؟ قال: قلتم له: اخرج عنا، فخرج عنكم ، فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه)).(29)
6. ((عن ابن عباس: اجتمع المشركون في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأتى جبرئيل «عليه السلام» رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأخبره الخبر، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فلما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» المبيت أمر علياً «عليه السلام» أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات علي «عليه السلام» وتغشى ببرد أخضر حضرمي كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» ينام فيه، وجعل السيف إلى جنبه فلما اجتمع أولئك النفر من قريش يطوفون ويرصدونه ويريدون قتله، فخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهم جلوس على الباب، عددهم خمسة وعشرون رجلاً، فأخذ حفنة من البطحاء(30)، ثم جعل يذرها على رؤوسهم، وهو يقرأ «يس * والقرءان الحكيم» حتى بلغ «فأغشيناهم فهم لا يبصرون».(31)
فقال لهم قائل: ما تنظرون قد والله خبتم وخسرتم، والله لقد مر بكم وما منكم رجل إلا وقد جعل على رأسه تراباً، فقالوا: والله ما أبصرناه، قال: فأنزل الله عز وجل «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين»(32))).(33)
7. عن ابن عباس في قوله تعالى: «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك»:
((تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق «يريدون النبي «صلى الله عليه وآله»» وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك، فبات علي على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» تلك الليلة، وخرج النبي «صلى الله عليه وآله» حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي «صلى الله عليه وآله»، فلما أصبحوا ثابوا إليه، فلما رأوه علياً رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا ؟
قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال)).(34)
8. ((إن قريشاً لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي «صلى الله عليه وآله» حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار «دار الندوة» وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي «صلى الله عليه وآله» وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها، فيمضي دمه هدراً.
فهبط جبرئيل «عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه وآله» فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى «عليه السلام» لوجهه، واضطجعت في مضجعه وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي «صلى الله عليه وآله»، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس)).(35)
9. عن عائشة وابن عباس وعائشة بنت قدامة وعلي «عليه السلام» وسراقة بن جعشم – دخل حديث بعضهم في حديث بعض – :
((أتى جبريل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأخبره الخبر «أي اجتماع قريش على قتل رسول الله «صلى الله عليه وآله»» وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة ... وأمر علياً أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه علي وتغشى برداً أحمر حضرمياً كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» ينام فيه، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير(36) الباب ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش، فخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهم جلوس على الباب، فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذرها على رؤوسهم ويتلو: «يس * والقرآن الحكيم»(37) حتى بلغ : «وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون»(38) ومضى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال قائل لهم: ما تنتظرون ، قالوا : محمداً، قال: خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب، قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وهم: أبو جهل والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وابن الغيطلة وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وأبو لهب، وأبي بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، فلما أصبحوا قام علي عن الفراش، فسألوه عن رسول الله «صلى الله عليه وآله، فقال: لا علم لي به)).(39)
10. عن ابن عباس: ((.. شرى علي نفسه ولبس ثوب النبي «صلى الله عليه وآله» ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقد كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» ألبسه بردة، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي «صلى الله عليه وآله»، فجعلوا يرمون علياً ويرونه النبي «صلى الله عليه وآله» وقد لبس بردة، وجعل علي «عليه السلام» يتضور(40)، فإذا هو علي فقالوا: إنك للئيم، إنك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور، ولقد استنكرناه منك)).(41)
11. عن ابن عباس: ((شرى علي نفسه، لبس ثوب النبي «صلى الله عليه وآله» ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، فقال: يا نبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله «صلى الله عليه وآله» قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل علي يرمى بالحجارة – كما كان يرمى نبي الله – وهو يتضور، قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه، حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك)).(42)
12. عن أبي رافع: ((إن علياً كان يجهز النبي «صلى الله عليه وآله» حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل، للنبي «صلى الله عليه وآله» ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط، وخلفه النبي «صلى الله عليه وآله»، فخرج إليه أهله، فخرج، وأمره أن يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: إن قريشاً لن يفقدوني ما رأوك، فاضطجع علي على فراشه، فكانت قريش تنظر إلى فراش النبي «صلى الله عليه وآله» فيرون عليه رجلاً يظنونه النبي «صلى الله عليه وآله»، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه علياً، فقالوا: لو خرج محمد خرج بعلي معه، فحبسهم الله عز وجل بذلك عن طلب النبي «صلى الله عليه وآله» حين رأوا علياً ولم يفقدوا النبي «صلى الله عليه وآله»، وأمر النبي «صلى الله عليه وآله» علياً أن يلحقه بالمدينة، فخرج علي في طلبه بعدما أخرج إليه أهله، يمشي من الليل ويكمن من النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» قدومه قال: ادعوا لي علياً قيل: يا رسول الل ، لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبي «صلى الله عليه وآله»، فلما رآه النبي «صلى الله عليه وآله» اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دما ، فتفل النبي «صلى الله عليه وآله» في يديه ثم مسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما علي حتى استشهد)).(43)
13. عن مجاهد: فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الغار، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: وأين أنتِ من عليّ بن أبي طالب حيث نام في مكانه وهو يرى أنّه يقتل فسكتت ولم تُحِرْ جواباً.(44)
14. عن أم هانئ بنت أبي طالب: ((لما أمر الله تعالى نبيه «صلى الله عليه وآله» بالهجرة وأنام علياً «عليه السلام» في فراشه ووشحه ببرد له حضرمي، ثم خرج فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة من تراب فذرها على رؤوسهم، فلم يشعر به أحد منهم، ودخل علي بيتي، فلما أصبح أقبل علي وقال: أبشري يا أم هانئ، فهذا جبرئيل «عليه السلام» يخبرني أن الله عز وجل قد أنجى عليا من عدوه .
قالت: وخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله» مع جناح الصبح إلى غار ثور، وكان فيه ثلاثاً، حتى سكن عنه الطلب، ثم أرسل إلى علي «عليه السلام» وأمره بأمره وأداء أمانته)).(45)
في رحاب آية الشراء:
آية الشراء هي قوله تعالى: ((ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)).(46)
روى كثير من علماء العامة نزولها في أمير المؤمنين «عليه السلام» ليلة المبيت في فراش النبي «صلى الله عليه و آله وسلم» عند الهجرة:
1. قال الفخر الرازي:
((في سبب النزول روايات،.... «والرواية الثالثة»: نزلت في علي بن أبي طالب، بات على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» ليلة خروجه إلى الغار، ويروى أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل «عليه السلام» عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب؟ يباهي الله بك الملائكة، ونزلت الآية)).(47)
2. قال أبو حيان الأندلسي:
((وقيل: نزلت في علي «عليه السلام» حين خلفه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع، وأمره بمبيته على فراشه ليلة خرج مهاجراً «صلى الله عليه وآله وسلم»)).(48)
3. قال الآلوسي:
((وقال الإمامية وبعض منا: إنها نزلت في علي «كرم الله تعالى وجهه» حين استخلفه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» على فراشه بمكة لما خرج إلى الغار)).(49)
4. قال القرطبي:
((وقيل: نزلت في علي «عليه السلام» حين تركه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» على فراشه ليلة خرج إلى الغار، على ما يأتي بيانه في براءة إن شاء الله)).(50)
5. قال الشيخ سليمان القندوزي:
((قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيكما يؤثر أخاه عمره، فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: أني آخيت بين علي وليي وبين محمد نبيي، فآثر علي حياته للنبي، فرقد على فراش النبي يقيه بمهجته، اهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه، فهبطا فجلس جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، والله عز وجل يباهي بك الملائكة، فأنزل الله الآية)).(51)
6. قال الإسكافي:
((وقد روى المفسرون كلهم، أن قوله تعالى: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغآء مرضات الله»، نزلت في علي «عليه السلام» ليلة المبيت على الفراش)).(52)
من دلالات المبيت:
من معاني ومعطيات مبيت الإمام علي «عليه السلام» في فراش النبي الاكرم «صلى الله عليه وآله وسلم»:
1. إن مبيت الإمام علي «عليه السلام» ليلة الهجرة في فراش النبي «صلى الله عليه وآله» بمثابة إعلان عن نضج شخصية الإمام علي «عليه السلام» الرسالية، وأهليته في أن يمثل شخصية الرسول الذي يعهد اليه في كل أمر مستصعب وخطب جليل ودعوة مهمة.
2. كانت عملية التمويه على قريش بارتداء الإمام علي «عليه السلام» رداء رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومبيته في فراشه ربطاً لصلة القرابة بالعلاقة المبدئية، وتأكيدا لمبدأ أن نفس الإمام علي «عليه السلام» هي نفس الرسول «صلى الله عليه وآله»، وخصوصاً حين أتم مهامه الاخرى التي تصرف فيها الإمام بالامور المالية والاجتماعية الخاصة بالرسول «صلى الله عليه وآله».
3. إن ثبات الإمام علي «عليه السلام» ثلاثة أيام في مكة كان تأكيداً لشجاعته حين أعلن الإمام بكل جرأة وثقة موقفه المبدئي بأنه ثابت على خطى الرسول، وقد نفذ أوامره وأنجز مهامه بهدوء ودقة تامة، ثم هجرته العلنية أمام أنظار قريش.
4. تجلت في عملية المبيت بعض الجوانب العظيمة من شخصية الإمام علي «عليه السلام» والتي أوجزت حقيقة شجاعة الإمام وقوته النفسية والبدنية ونضوجه الذهني ووعيه الرسالي واستيعابه للأوامر الآلهية.
5. إن الدين والإسلام يستحق أبلغ التضحيات، وأعظم وأثمن ما عند الإنسان وهي حياته، وأولاده وكل غال ونفيس، ولذا ورد قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة).(53)
6. أن موقف أمير المؤمنين «عليه السلام» في فدائه النبي «صلى الله عليه وآله» بحياته ووجوده يعطي تحرره من قيود الدنيا وعبوديتها، فإن المانع الذي يحول دون التضحية بالنفس حب الدنيا والتعلق بها، وقد أعطى الإمام علي «عليه السلام» بمبادرته للمبيت في فراشه أنه متحرر من كباح الدنيا ومفاتنها.
7. أن على المؤمن أن يكون على استعداد دائم للقاء الله تعالى، إذ لعله في أي لحظة يدعى للقائه، فلا بد وأن يكون مستعداً للوفادة عليه.
8. يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب وهو من علماء اهل السنة:
(هذا الذي كان من علي في ليلة الهجرة، إذا نظر إليه في مجرى الأحداث التي عرضت للإمام علي في حياته بعد تلك الليلة، فإنه يرفع لعيني الناظر إمارات واضحة، وإشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن عارضاً بالإضافة إلى علي، بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها، فلنا أن نسأل: أكان لإلباس الرسول «صلى الله عليه وآله» شخصيته لعلي تلك الليلة ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وبين علي أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟!
وهل لنا أن نستشف من ذلك: أنه إذا غاب شخص الرسول كان علياً هو الشخصية المهيأة لأن تخلف، وتمثل شخصه، وتقوم مقامه؟!
وأحسب أن أحداً قبلنا لم ينظر إلى هذا الحدث نظرتنا هذه إليه، ولم يقف عنده وقفتنا تلك حتى شيعة علي).(54)
شبهات وردود:
نص الشبهة:
اورد الحلبي في السيرة النبوية شبهة عقائدية وتاريخية حول مبيت الإمام علي «عليه السلام» في فراش النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ليلة هجرته من مكة إلى المدينة، فقال:
((... وأيضاً قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة والآية المذكورة في سورة البقرة وهي مدنية باتفاق، وقد قيل إنها نزلت في صهيب، لما هاجر النبي «صلى الله عليه وآله»، كما تقدم لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي ما ذكر، وعليه فيكون فداؤه للنبي «صلى الله عليه وآله» واضحاً ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي «عليه السلام» وفي حق المصطفى «صلى الله عليه وآله» وفي حق صهيب بمعنى اشترى نفسه بماله ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لان الحكم يكون للغالب)).(55)
الجـــــــــــــــواب:
دائماً عند نقل الأحاديث المرتبطة بالفضائل العلوية نجد أن إنكار فضائل الإمام علي «عليه السلام» والسعي لمحوها من صفحات التاريخ وأذهان الناس ولبواعث مختلفة وأسباب متنوعة هو دأب أعداء الحق على مر التاريخ، وهذه النغمة التي يعزف عليها الحلبي ليس جديدة، فقد كان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى (255ه) ممن عزف على وتر هذه النغمة اللا موزونة بشأن هذه الفضيلة العظيمة وحاول أن ينكر فضيلة المبيت على فراش النبي «صلى الله عليه وآله»، ويسعى إلى تقليل وهجها الباهر المتألق بزعمه وظنه الباطل، فقد قال في رسالته الصغيرة المسماة بالعثمانية:
((لم يكن له في ذلك كبير طاعة، لأن الناقلين نقلوا أنه «صلى الله عليه وآله» قال له: نم، فلن يخلص إليك شيء تكرهه)).(56)
وكذلك ممن عزف على هذه النغمة ابن تيمية الذي لم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً في تقليل شأن فضائل الإمام علي «عليه السلام» وآل الله، فعطف على ما سبق قوله:
((وأيضاً فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال: «اتشح ببردي هذا الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه»، فوعده وهو الصادق أنه لا يخلص إليه مكروه، وكان طمأنينته بوعد الرسول «صلى الله عليه وآله»)).(57)
وهنا لابد من الرد بشكل سريع قبل تحليل كلام الحلبي بشكل مفصل وذكر مابه من شبهات لا تصح:
1. إن الآية الكريمة : (ومن الناس من يشرى ...) كما ذكرت مصادرها الكثيرة في نزلت في الإمام علي «عليه السلام» والتي ذكرنا قسم منها، لتدل على عظمة هذه الحادثة، وهذا ما لا يدع مجالاً للشك والترديد وهكذا أطلق الله تعالى على عمل الإمام «عليه السلام» تعبير (شراء النفس)، ودعا الملائكة لملاحظة هذا الإيثار الرائع، بيد أن الحلبي ومن سبقه الجاحظ، وابن تيمية اجتهدا في مقابل النص، ولم يعدا ذلك (شراء نفس)، وأنكرا كونه فضيلة، بذريعة واهية تتلخص في أن الإمام علي «عليه السلام» كان يعلم أنه لا يصل إليه مكروه.
2. إن الكلام الذي تشبث به هؤلاء وهو قوله: (إنهم لن يصلوا إليك بشيء تكرهه) لم يرد في معظم المصادر التاريخية المهمة التي يشار إليها بالبنان، كما لم يرد في المصادر الشيعية، وسنذكر في النقطة التالية أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال له هذا القول بعد المبيت، وبعدما أوصاه بأداء الأمانات في الغار، وهكذا يستقيم كلام الإسكافي المعتزلي ويصمد شامخاً، إذ قال في نقد كلام الجاحظ:
(هذا هو الكذب الصراح، والتحريف والإدخال في الرواية ما ليس منها .....).(58)
3. والحقيقة أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال هذا الكلام وأمر الإمام علي «عليه السلام» بأداء الأمانات في إحدى ليالي إقامته في الغار، بعد حادثة المبيت، ونقل الشيخ الطوسي هذا القسم من الحادثة بالشكل الآتي:
(فأمر «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام»، فأقبضه الثمن، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ... وقال: «... إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه ...»).(59)
4. في ضوء بعض المعلومات التاريخية: لما هجم المشركون على الدار صباحاً، ورأوا الإمام علي «عليه السلام» في الفراش، وأيسوا من مؤامرتهم المشؤومة، اصطدموا بالإمام علي «عليه السلام»، وقبل ذلك رموه بالحجارة غير مرة:
- قال الإسكافي: (ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقع الاتفاق على أنه ضرب ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتى تضور، وأنهم قالوا له: رأينا تضورك، فإنا كنا نرمي محمدا ولا يتضور).(60)
- وقال الطبري: (فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم تركوه).(61)
فإذا كان عدم وصول المكروه إليه بوعد من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل مبيته في فراش النبي «صلى الله عليه وآله» لكان ينبغي عدم وصول شيء من الضرر والأذى إليه أصلاً!
وقد أشار الإمام علي «عليه السلام» في كلام له إلى هذا الاصطدام وقال: (وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه).(62)
وأوضح من ذلك كله شعر لطيف للإمام علي «عليه السلام» نفسه في وصف هذه الفضيلة الرفيعة سبق وان ذكرناه في بداية الحديث عن هذه المنقبة والفضيلة وأوله:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا
..... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر(63)
فنلاحظ ان الإمام علي عليه السلام» في هذه الأبيات يصرح بمبيته في فراش النبي «صلى الله عليه وآله»، واستعداده للقتل، والأسر، وتفانيه في سبيل المحافظة على حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله».
والآن مع الحلبي:
هذه الأسطر القليلة التي تضمنت كلام الحلبي احتوت على مجموعة شبهات وأباطيل في آن واحد وإن كان محور الكلام يدور حول مبيت الإمام علي «عليه السلام» في فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وسيتم الجواب على هذه الشبهات بما يناسبها من ردود وكالآتي:
المسألة الأولى:
رد شبهة، حصول الطمأنينة للإمام علي «عليه السلام» بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم»:
ويرد عليه:
لقد أراد الحلبي أن يذم فمدح، إذ إن حصول الطمأنينة للإمام علي «عليه السلام» لا يتحقق ذلك إلا بإيمانه الراسخ برسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، ولو كان في قلبه مقدار ذرة من الشك والعياذ بالله لما حصلت له الطمأنينة، وهو الصديق حقاً، إلا إننا نفرق بين الطمأنينة التي قصدها الحلبي في عدم حصول الضرر عليه، وبين الطمأنينة التي نؤمن بها وهي سلامة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في هذا المبيت في فراشه، والتغطي ببرده الأخضر كي يعتقد القوم أنه «صلى الله عليه وآله» ما زال في فراشه نائماً.
نعم: لقد كان أمير المؤمنين علي «عليه السلام» مطمئناً، ولكن ليس من عدم حصول المكروه، وإنما كان اطمئنانه بسلامة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولذا قدم نفسه لأجل تحقيق هذه السلامة.
ولذا نراه يسأل رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بعد أن ذكر له أن القوم يمكرون به وهم عازمون على قتله كما أخبره جبرائيل وهو محتاج إلى أن ينام علي «عليه السلام» في مكانه فكان أول ما سأل عنه علي «عليه السلام» بعد أن سمع هذا الكلام ان قال: «أو تسلم في مبيتي هناك»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «نعم»، فتبسم علي «عليه السلام» ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً.(64)
فهذا هو الاطمئنان الذي خالج قلب أمير المؤمنين «عليه السلام» ولذا فداه بنفسه.
المسألة الثانية:
رد شبهة قول الحلبي: (فلم يكن فيه فداء بالنفس)، بمعنى: أن تصديق الإمام علي «عليه السلام» بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (لم يصلك مكروه) جعله ينام في مكانه ومن ثم لم يكن فيه فداء بالنفس:
ويرد عليه:
أنه فضلاً عما مر في الفقرة السابقة يضاف هنا ما يأتي:
أ. لم يقدم الحلبي دليلاً واحداً على أن تصديق الإمام علي «عليه السلام» بكلام رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان خاصاً بهذه الجملة تحديداً، ولا نعلم كيف توصل إلى معرفة ما يدور في نفس أمير المؤمنين «عليه السلام» في تلك اللحظات التي لم يكن لهما فيها شريك غير الله سبحانه وتعالى.
ب.لم يذكر الحلبي حينما أطلق هذه الشبهة الوقت الذي أخبر به رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» بأنه «لن يخلص إليك شيء تكرهه» أكان في أول كلامه مع علي «عليه السلام» أم في آخره.
فإن كان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أخبر علياً «عليه السلام» في ليلة المبيت في أول كلامه كأن قال له: «لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فنم في مكاني وقد أخبرني جبرئيل بأنهم يريدون قتلي» فهذا يحتاج إلى بينة يلزم من الحلبي تقديمها كي نصدقه بأن الإمام علي «عليه السلام» أول ما سمع من النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بأنه لن يصله مكروه، ولذا كان مطمئنا لأنه عرف ان نفسه لن يصيبها مكروه، وبما ان الحلبي لم يقدم بينة على ذلك فقوله ساقط، وفيه افتراء على الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» لأنه نسب إليه ما لم يكن واقعاً.
وإن كان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قد أخبر الإمام علي «عليه السلام» بأنه يكون سالماً بعد أن أخبره بحديث جبرائيل من اجتماع القوم في دار الندوة وعزمهم على قتله وتفريق دمه بين القبائل وان جبرائيل طلب منه ان لا ينام هذه الليلة بفراشه وان يخرج من الدار، وإن القوم قد أحاطوا بدار خديجة فيلزم أن يكون علي في فراشه كي يتمكن من خداعهم فيخرج من دار خديجة مهاجراً، فهذا عين الفداء والتضحية لأنه قبل بفداء النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قبل أن يسمع من رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بأنه لن يصله مكروه.
فضلاً عن ذلك فإن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله وسلم» بعد أن عرض على الإمام علي «عليه السلام» ذلك احتاج أن يسمع رأيه، ويرى قبوله أو رفضه، فالإمام علي «عليه السلام» هنا مخير وليس مجبراً على المبيت، فان قبل الإمام علي «عليه السلام»، ان ينام لزم من النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أن يكافئه، أو على الأقل يبين له ما سيحدث له، وان كان جواب الإمام علي «عليه السلام» الرفض، فهل ينفع عندئذ قول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «لن يخلص إليك شيء تكرهه».
وهل سيكون للاطمئنان بسلامة النفس وجود، أو أي أثر.
وعليه: إن كان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قد ابتدأ القول بالاطمئنان قبل أن يخبر الإمام علي «عليه السلام» بما يجري عليه فهذا مخالف للخلق النبوي، لأن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لا يزج بأحد في الهلاك والقتل وتحمل ضربات السيوف قبل ان يسمع منه رأياً، فمن يدري لعله يرفض، وعندها لا ينفع تطمين النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بشيء، وإن كان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قد أخبر الإمام علي «عليه السلام» (بأنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم)، كان بعد قبول الإمام علي «عليه السلام»، العرض في أن ينام في فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لأنه فيه سلامة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فحينها يكون الإمام قد قدم نفسه فداء لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وآثر حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» على حياته، وبذلك يندفع زيف قول الحلبي (لم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة).
فضلا عن أن هناك من الروايات ما يدل على أن النبي الأكرم قد أخبر الإمام علي «عليه السلام» (بأنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم)، كان بعد أن أخبره بسلامته من المشركين وسيتمكن من الهجرة إلى المدينة، عندها سجد الإمام علي «عليه السلام» لله شكراً وبعد أن رأى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» منه هذا الصنيع والشكر لله قام فأخبره (بأنه لن يصله منهم شيء يكرهه):
1. فأما ابن إسحاق ومن جاء بعده فقد روى الحادثة بلفظ: (فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» مكانهم قال للإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»: «نم على فراشي وتسبح ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه».
وهنا: كان تطمين النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» للإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» منه النوم في مكانه وبعد اخباره بما ينتظره خلف الباب.(65)
2. وأما الشيخ الطوسي فقد روى عن عمار بن ياسر وأبي رافع قائلاً: (فلما أخبره جبرائيل بأمر الله في ذلك ووحيه، وما عزم له من الهجرة، دعا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الإمام علي «عليه السلام» وقال له: «يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا، يخبرني أن قريشاً اجتمعوا على المكر بي وقتلي، وإنه أوحى إلي ربي عز وجل أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وإنه أمرني أن آمرك بالبيت على ضجاعي، أو قال: مضجعي، فيخفى بمبيتك عليه أثري فما أنت قائل، وما صانع». فقال الإمام علي «عليه السلام»: «أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله».
قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «نعم»، تبسم علي «عليه السلام» ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، شكراً بما أنبأه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» من سلامته، وكان الإمام علي «عليه السلام» أول من سجد لله شكراً، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، فلما رفع رأسه قال له: «امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك، واقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله»، قال: وإن القي عليك شبه مني، أو قال: شبهي، قال: إن بمعنى نعم، قال: «فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا بن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبراً صبراً، فإن رحمة الله قريب من المحسنين»).(66)
المسألة الثالثة:
رد شبهة: (إن الآية المذكورة في سورة البقرة هي مدنية باتفاق):
ويرد عليه:
لم يفتأ هؤلاء الذين لديهم مشكلة قلبية مع الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» أن يعمدوا إلى التدليس في الروايات والحيلة في تقديم الأقوال لغرض تضليل المسلمين ودفعهم عن معرفة فضائل الإمام علي «عليه السلام» وكأنهم أرادوا حجب نور الشمس بالمنخل.
فهنا يعمد الحلبي إلى تقديم إشكاله بالاحتيال على الآية المباركة فيقول (الآية في سورة البقرة وهي مدنية باتفاق) فيوهم القارئ بأن الضمير في «هي» يعود للآية لأنه ابتدأ بها وليس للسورة فيجعلها في الحكم نفسه من حيث تحديد مكان نزولها، ثم يؤكد الاحتيال على القارئ فيقول باتفاق، أي: باتفاق أهل الاختصاص بعلوم القرآن، مما يجعل القارئ مطمئناً بأن الآية لا علاقة لها بعلي بن أبي طالب «عليه السلام» لأنها مدنية وليلة المبيت وقعت في مكة وفي دار خديجة «عليها السلام»، وهذه الحيلة واهية، لأنها مخالفة للمنهج العلمي فضلاً عن الأخلاقي وذلك لما يأتي:
أ. أما كون سورة البقرة مدنية فهذا لا خلاف فيه، ولكن نحن بصدد الحديث من آية الشراء التي نزلت في ليلة المبيت والفداء والتضحية ولسنا في صدد الحديث عن سورة البقرة وحكمها من المدني والمكي، ولذا كان من الأمانة العلمية إن وجدت الحديث عن حكم الآية وليس السورة.
ب.وأما ما اتفق عليه أهل الاختصاص في علوم القرآن كالزركشي والسيوطي فقد نقلاً عن أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتابه التنبيه على فضل علوم القرآن، أنه قال:
((من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطاً وانتهاء، وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك، ثم ما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة في أهل المدينة، وما نزل بالمدينة في أهل مكة، ثم ما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، ثم ما نزل بالجحفة، وما نزل ببيت المقدس، وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، ثم ما نزل ليلاً، وما نزل نهاراً، وما نزل مشيعاً، وما نزل مفرداً، ثم الآيات المدنيات في السورة المكية، والآيات المكية في السور المدنية، ثم ما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدينة إلى مكة، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة، ثم ما نزل مجملاً، وما نزل مفسراً، وما نزل مرموزاً، ثم ما اختلفوا فيه، فقال بعضهم: مدني، هذه خمسة وعشرون وجهاً، من لم يعرفها ولم يميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى).(67)
ولا أدري كيف استحل الحلبي الكلام فجعل الآية في حكم المدني وقد نزلت قبل وصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، بل كيف استحل التدليس والتضليل.
ج. قال السيوطي: (إعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة:
- أشهرها: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار، أخرج عثمان بن أبي سعيد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلم قال: «ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل ان يبلغ النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» المدينة فهو من المكي، وما نزل على النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني».
- الثاني: ان المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة.
- الثالث: أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة).(68)
والسؤال المطروح: أعلم الحلبي هذه الأوجه أم أنه كان يجهلها، فان علمها فلماذا يخالف المنهج العلمي ويتبع هواه، ولم يخش الله، وان لم يعلمها فلماذا ينطق بما لا يعلم ويتدخل بما ليس له أهلاً، فضلا عن تضليل القراء.
إذن: فآية الشراء مكية حسبما جاء به أهل الاختصاص من تلك الأوجه في النزول، وإن كانت في ضمن سورة مدنية، وهذا خلاف ما يدعيه الحلبي ظلماً وزوراً.
المسألة الرابعة:
رد شبهة: (إن الآية نزلت في صهيب):
يرد عليه:
أما هذه الشبهة التي نطق بها الحلبي، أي: إن آية الشراء نزلت في صهيب فلقد تتبعها العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، فقال:
((لقد رووا: انه لما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثاً إلى صهيب فوجده يصلي، فكره أن يقطع صلاته، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب إلى بيت أبي بكر، فسأل عن أخويه: النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وأبي بكر، فأخبروه بما جرى، فأراد الهجرة وحده،
ولكن المشركين لم يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله، فلما اجتمع مع النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في قباء قال «صلى الله عليه وآله وسلم»: ربح صهيب ربح صهيب، أو ربح البيع، فأنزل الله: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله الخ».
وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور للسيوطي وغيره ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر: أن الآية نزلت لما أخذ المشركون صهيباً ليعذبوه، فقال لهم: اني شيخ كبير لا يضر أمنكم كنت، أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني، ففعلوا.
ورواية أخرى تذكر القضية بنحو يشبه ما جرى لأمير المؤمنين حين هجرته، وتهديده إياهم ورجوعهم عنه، ولكنها قصة لا تصح:
1. لأن إرسال النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أبا بكر إلى صهيب ثلاث مرات في ظرف كهذا غير معقول، لاسيما وهم يدعون: أن قريشاً كانت تطلب أبا بكر كما تطلب النبي، وجعلت مئة ناقة لمن يأتي به، وان كنا نعتقد بعدم صحة ذلك.
ولكن قريشاً ولا شك إنما كانت تهتم في أن تستدل على النبي من خلال أبي بكر، أضف إلى ما تقدم: أن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يخبر أحداً بهجرته تلك الليلة، بل يروون: أنه «صلى الله عليه وآله وسلم» انما صادف أبا بكر، وهو في طريقه إلى الغار.
2. إن كلامه معه وهو في الصلاة، واخباره بالامر، لا يوجب قطع صلاة صهيب، إذ باستطاعته أن يلقي إليه الكلام ويرجع دون أن يقطع عليه صلاته، كما أنه يمكن أن ينتظره دقيقة أو دقيقتين حتى يفرغ من صلاته، فيخبره بما يريد، ويمكن أيضا أن يوصي أهل بيته أن يبلغوه الرسالة التي يريد ابلاغها إلا إذا كان لم يثق بهم، إلا أن يدعى: أن أبا بكر كان بحيث لا يدري كيف يتصرف، أو أنه كان يرى حرمة إلقاء الكلام ليسمعه المصلي، وكلاهما غير محتمل في حقه، أو لا يرضى محبوه بنسبته إليه على الأقل، وباقي الفروض الآنفة تبقى على حالها، هذا إضافة إلى هذه الصدفة النادرة فإنه يأتيه مرتين أو ثلاثا، وهو لا يزال يصلي.
3. لماذا يهتم النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بصهيب خاصة، ويترك من سواه من ضعفاء المؤمنين، الذين كانت قريش تمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب والأذى، فلا يرسل إليهم، ولو مرة واحدة، ولا نقول ثلاث مرات.
وهل هذا ينسجم مع ما نعرفه من عدل النبي «صلى الله عليه وآله»، وعطفه الشديد على أمته.
4. إلا أن يقال: لعل غير صهيب كان مراقباً من المشركين، أو أن صهيباً كان أشد بلاء من غيره، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا دليل عليها، ولا شاهد لها.
5. اننا نجد بعض الروايات تقول: إن أبا بكر وليس النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» هو الذي قال لصهيب: ربح البيع يا صهيب وذلك في قضية أخرى لا ربط لها بحديث الغار والبعض يذكر القضية، ولكنه لا يذكر نزول الآية فيه.
6. إن الآية إنما تمتدح من يبذل نفسه في مرضاة الله، لا أنه يبذل المال في مرضاته، ورواية صهيب ناظرة إلى الثاني لا الأول.
7. قد قلنا آنفا: إن صهيباً لم يكن الوحيد الذي بذل ماله في سبيل دينه، فلماذا اختص هذا الوسام به دونهم.
8. انهم يذكرون: أنه لم يتخلف مع النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علياً وأبا بكر.
9. إن الرواية القائلة: إن صهيباً كان شيخاً كبيراً لا يضر المشركين، أكان معهم أم مع غيرهم، لا تصح، لأن صهيباً قد توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين وعمره سبعون سنة، فعمره يكون حين الهجرة واحداً أو اثنين وثلاثين سنة، فهو قد كان في عنفوان شبابه، لا كما تريد أن تدعيه هذه الرواية المفتعلة، هذا كله، عدا تناقضات روايات صهيب، وعدا أن عدداً منها لا يذكر نزول الآية في حقه.
كما أنها عموماً إما مروية عن صهيب نفسه، أو عن تابعي لم يدرك عهد النبي، كعكرمة، وابن المسيب، وابن جريح، وليس هناك سوى رواية واحدة وردت عن ابن عباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فقط، ويجب أن يعلم: أن صهيباً كان من أعوان الهيئة الحاكمة بعد النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، وممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين، وكان يعادي أهل البيت «عليهم السلام».
فلعل المقصود هو مكافأته على مواقفه تلك، بمنحه هذه الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين «عليه السلام»، فيكون هؤلاء قد أصابوا عصفورين بحجر واحد حينما يزين لهم شيطانهم أن عليا يخسر وخصومه يربحون)).(69)
اضافة الى ما أورده السيد العلامة:
1. إن الآية ان كانت قد نزلت في صهيب وإنها من الآيات المدنية فهذا يدل على انها لم تكن نازلة في صهيب، لان الحادثة وقعت في مكة فكيف تكون في صهيب.
وعليه: أما أنها مدنية كما أدعى الحلبي وهي بهذا تكون غير مخصوصة بصهيب وان قوله انها نزلت في صهيب كذب وافتراء، وأما أنها مكية وقد ادعى الحلبي بأنها مدنية وهذا كذب أيضاً.
2. إن الحلبي قد تراجع عن نفي الآية عن أمير المؤمنين علي «عليه السلام» كما تراجع عن نزولها في صهيب وهذا تعثر في المنهج فضلاً عن فقدانه عند الحلبي، بل أريد من ذلك بث الشبهات في الأذهان وحينها تحتاج إلى ازالة، ان لم يتناقلها الناس فيما بينهم ويثقفون أبناءهم عليها، ولذلك: تراجع عن ادعائه، فقال: «لكنه في الإمتاع لم يذكر انه «صلى الله عليه وآله وسلم» قال لعلي ما ذكر، وعليه: فيكون فداؤه بنفسه واضحاً».
3. وفي تراجعه عن كونها نزلت في صهيب انه قال: «ولا مانع من تكرر نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم» وفي حق صهيب».
ونسى ان يأتي بدليل يثبت تكرار نزولها في الثلاثة، فضلاً عن أن الآية تتحدث عن عقد يتكون من أربعة أركان:
أ. البائع.
ب.الثمن.
ج. المثمن.
د. المشتري.
فإن كان العقد الذي نصت عليه الآية يخص رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» كأن يكون البائع رسول الله فما هو المثمن، أي: الشيء الذي باعه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وما هو الثمن الذي كان مقابل هذا الشيء الذي باعه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، ومن هو المشتري، فهل كان خروجه من مكة تنطبق عليه هذه الأركان، فهذا ما لم يقل به أحد.
وان كان العقد يخص صهيب على أنه هو البائع فان المثمن المال الذي قدمه للمشركين، وان الثمن سلامته من الصلب، وان المشتري هم المشركون، وهذا خلاف نص الآية المباركة.
وان كان العقد مع الإمام علي «عليه السلام» بكونه البائع وإن المشتري هو الله سبحانه، فان المثمن هو النفس حينماً قدمها للقتل وهو نائم على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله» وبه يتحقق الطرف الأول من العقد أي البائع والشيء الذي يعرضه للبيع وهو قوله تعالى: (من يشري نفسه).(70)
أي: بائع يبيع نفسه فان الثمن هو مرضاته سبحانه وتعالى، ولأن المشتري هو الله تعالى وهو المتكفل بالشريعة فحق على الله ان يكرم من يتقرب إليه بسلامة حبيبه المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم»، وان تحقق سلامة الحبيب أرجى عند المحب من سلامة البعيد عن المحب كصهيب، وهكذا كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، كما دلت عليه سيرته العطرة فضلاً عما نطقت به النصوص المتظافرة منها:
1. قال «عليه السلام»: (إني والله لم أخالف رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قط، ولم أعصه في أمر قط، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وترعد منها الفرائص، بقوة أكرمني الله بها، فله الحمد).(71)
2. وقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: (ما رددت على الله كلمة قط، ولا خالفت النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في شيء أفديه في المواطن كلها بنفسي، ولقد جليت الكرب العظيم عن وجه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» نجدة أعطانيها ربي).(72)
3. وقال الإمام علي «عليه السلام»: (لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» إني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال وتتأخر فيها الأقدام، نجدة مني أكرمني الله بها»).(73)
فكان نومه «عليه السلام» على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» واحد من تلك المواطن العديدة التي وقى فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، بنفسه فخلدها رب العزة في محكم كتابه تتلى آناء الليل وأطراف النهار ولو كره الكافرون.
فكيف لا يجتهد أهل الضلال بإخفاء أحداث هذه الليلة التي جمعت الولادة الجديدة للنبوة، وتحطيم رموز الوثنية، وتكسير صنم قريش.(74)
الشواهد الشعرية:
1. السيد الحميري:
وســرى بمكة حين بات مبيته ... ومضى بروعة خائف مترقب
خير البرية هــاربا من شرها ... باللــيل مكتتماً ولم يستصحب
باتوا وبات على الفراش ملفعا ... فيرون أن محمدا لم يذهـــــب
حتى إذا طلـع الشميط كأنه ... في الليل صفحة خد أدهم مغرب
ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت ... غير الذي طلـبت أكف الخيب
فــوقاه بادرة الحتوف بنفسه ... حذرا عليه من العدو المجلب
حتى تغيب عنهم في مدخـل ... صلى الإله علــيه من متغيب
وجزاه خير جزاء مرسل أمة ... أدى رســالته ولم يتهيب
فتراجعـوا لما رأوه وعاينوا ... أسد الإله مجـالداً في منهب
2. ديك الجن:
ومن كعلي فدى المصطفى ... بنفس ونام فما يحــــفل
عشية جاءت قـــريش له ... وقد هاجر المصطفى المرسل
وطافوا على فـــــــرشه ينظرون ... من يتقــدم إذ يقتل
فلما بدا الصبح قام الوصي ... فأقبل كل له يعــذل
3. عبد المحسن الصوري:
وأيكم نام في فرشه ... وأنتم لمهجته طالبونا
4. هاشم الكعبي:
ومواقف لك دون احمد جاوزت ... بمقامك التعريف والتحديدا
فعلى الفراش مبيت ليلك والعدي ... تهدي إليك بوارقا ورعودا
فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما ... يهدي القراع لسمعك التغريدا
فكفيت ليلته وقمت معارضا ... بالنفس لا فشلا ولا رعديدا
واستصبحوا فرأوا دوين مرادهم ... جبلا أشم وفارسا صنديدا
رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى ... أو ما دروا كنز الهدى مرصودا
5. السيد محسن الأمين:
وما زلت للمـــــــــــــختار ردءا وناصراً ... صبياً وكهلاً ما استمر به العمر
ففي ليلة الغار التي شاعر ذكــــــرها ... وكان لجمع من قريش بها مكر
أباتك خير الخلق فوق فــراشه ... تقيه الردى ما مسك الخوف والذعر
إلى غار ثور قد مضى مع صاحب ... له وهم جـاثون بالباب لم يدروا
بقوا يرقبون الفــــــجر كي يفتكوا به ... وقد خابت الآمال مذ طلع الفجر
رأوا نائما في برده متلــفعاً ... وظنوا النبي المصطفى فيه فاغتروا
من الباب إســراعا إليك تواثبوا ... فلما رأوا ليث الشري دونهم فروا
قبضت بكف العزم ساعد خالد ... فأبدى قماصا مثلما تقمص البكر
لك الفخر يوم الغار دون مشارك ... وفي كل مسعاة لك الفخر والذكر
6. ابو القاسم الزاهي:
فــــــدى النــــبي المصطفى بنفسه ... إذ ضيقـت أعداؤه أنفــاسه
بــــــات عـــــــلى فرش النبي آمنا ... والليل قــــد طافت به أحراسه
حتـى إذا ما هجم القوم على ... مستيقــــــظ بنــــــصله أشمـــاسه
ثار إليهم فتــــــولوا مــــــزقـــــــا ... يمنعــــــهم عــــــن قــربه حماسه
7. السيد علي خان المدني:
وفراش أحمد حين هم به ... جمع الطغاة وعصبة الكفر
من بات فيه يقيه محتسبا ... من غير ما خوف ولا ذعر
8. الشيخ عبد الرضا المقري:
وفدى النبي على الفراش وإنها ... لهي المواساة التي لا تعقل
والوحي يهبط عنده وببيته ... للفصل آيات الكتاب تفصل
وختاماَ:
نسأل الله ان يرزقنا في الدنيا زيارة أمير المؤمنين وفي الآخرة شفاعته والثبات على ولاية محمد وآل محمد، ... والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبن الطاهرين.
الهوامش:
(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8 عن بعض الفضلاء ولم يسميه.
(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.
(3). الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج2 ص136.
(4). ليبيتوا: بيت العدو ، هجم ليلا فجأَةً.
(5). برده الحضرمي: البُرْدُ، كساء مخطط يلتحف به، والحضرمي منسوب إلى «حضرموت» وهي منطقة تقع شرقي اليمن.
(6). سورة يس: الآية / 9.
(7). كيف وصل أبو بكر إلى موضع رسول الله والرصد محيط بالبيت، وألم يسمع الجالسون على الباب ما دار بين الامام علي وأبي بكر والظاهر انه لم ياتي ولعله التقى به في طريقه فأخذه معه في بعض الروايات (الخرائج ج1 ص144).
(8). بئر ميمونه: منسوبة إلى ميمون بن الحضرمي، وقيل هو اخو الصحابي العلاء بن الحضرمي، حفرها بأعلى مكة في الجاهلية قال الأزرقي: كانت آخر بئر حفرت من الآبار التي حفرت في الجاهلية، وهو من أكبر آبار مكة بعد بئر زمزم، حتى أن الناس كانوا يعتمدون عليه في أمدادهم بالمياه، وعندها قبر المنصور العباسي، وقال بعض الشعراء:
يا بئر ميمون قد هيجت لي طربا ... يا ليت ميمون لم تحفر له بير
فلو تراهـــــــــــــا وقد جــــــــــاد الربيع بها ... وأنبتت من أفـــــــــــــــــــــانين وتنوير
يا بئر ميمــــــون لا أخطتك غادية ... تغدو عليك بسح غير مــبرور
(9). راجع ما تقدم في المصادر التالية: المناقب للخوارزمي ص73، المستدرك للحاكم ج3 ص133 وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه، مسند أحمد ج1 ص321، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص34، شواهد التنزيل ج1 ص99، تاريخ االطبري ج2 ص100، البرهان ج1 ص207، الفصول المهمة لابن الصباغ ص30، الخصائص للنسائي ص63، السيرة الحلبية ج2 ص35، مجمع الزوائد ج9 ص120، بحار الأنوار ج19 ص60، وفضائل الخمسة ج1 ص231، ذخائر العقبى ص87 وكفاية الطالب ص242، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، من تاريخ ابن عساكر ج1 ص186، حلية الأبرار ج1 ص144 ، الميزان ج9 ص81 ، أعيان الشيعة ج1 ص237 ، الأمالي للطوسي ص466 ومستدرك الوسائل ج5 ص155، جامع أحاديث الشيعة ج5 ص475، كشف الغمة ج2 ص30.
(10). يتضور: أي يتلوى ويتقلب.
(11). فختله: ختل الشخص، خدعه عن غفلة.
(12). همز: كلمة تدل على ضغط وعصر، ومنها همزت الشيء في كفّي.
(13). يقمص: قلق في نفور، قمصت الدابة نفرت وضربت برجليها.
(14). البَكَّرُ: الفتي من الإبل.
(15). يرغو: الرُّغاءُ، صوت ذوات الخف، رغا الجمل صَوَّتَ ، ضَجَّ.
(16). أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص82 ، بحار الأنوار ج19 ص61، أعيان الشيعة ج1 ص237 ، حلية الأبرار ج1 ص145 وج2 ص108.
(17). تاريخ الخميس ج1 ص328 ، السيرة الحلبية ج2 ص37 ، البداية والنهاية ج3 ص181 ، الدرر لابن عبد البر ص81، الجامع لأحكام القرآن ج8 ص144، المحرر الوجيز ج3 ص35 ، الشفا للقاضي عياض ج1 ص313 ، تاريخ اليعقوبي ج2 ص39 ، تفسير السمعاني ج2 ص311.
(18). بحار الأنوار ج19 ص62 ، الأمالي للطوسي ج2 ص83 ، وفاء الوفاء ج1 ص237، الدرجات الرفيعة ص411، حلية الأبرار ج1 ص146 ، الميزان ج9 ص81،كشف الغمة ج2 ص31.
(19). الأمالي للطوسي ج2 ص83 ، حلية الأبرار ج1 ص147، بحار الأنوار ج19 ص62، الميزان ج9 ص82، الدرجات الرفيعة ص411، أعيان الشيعة ج1 ص237 ، كشف الغمة ج2 ص32.
(20). هذا النص دليل: أنه لم تكن للنبي «صلى الله عليه وآله» بنت يفترض أن يهتم بشأنها سوى فاطمة «عليها السلام»، فلو كانت أم كلثوم بنتاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لكان ذكرها، وأوصى بها وأمر علياً بشراء راحلة لها لتهاجر عليها.
(21). الأمالي للطوسي ج2 ص83، حلية الأبرار ج1 ص147، بحار الأنوار ج19 ص62، الميزان ج9 ص82، الدرجات الرفيعة ص411، أعيان الشيعة ج1 ص237 ، كشف الغمة ج2 ص32، السيرة الحلبية ج2 ص205، الفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص289.
(22). كشف الغمة ج2 ص32 ، الميزان ج9 ص82، حلية الأبرار ج1 ص148 وج2 ص115، الأمالي للطوسي ج2 ص83، بحار الأنوار ج19 ص63 وج34 ص413 وج36 ص46 وج38 ص292، الدرجات الرفيعة ص411، أعيان الشيعة ج1 ص237، مناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص124، الفصول المختارة ص59 ، التعجب للكراجكي ص123، مناقب آل أبي طالب ج1 ص335، شجرة طوبى ج2 ص237، مستدرك سفينة البحار ج5 ص457 وج6 ص557، المستدرك للحاكم ج3 ص4، شواهد التنزيل ج1 ص131، الدر المنثور ج3 ص180، تفسير الآلوسي ج9 ص198، تنبيه الغافلين لابن كرامة ص26، المناقب للخوارزمي ص127، ........
(23). سورة البقرة: الآية/ 207.
(24). الغدير للشيخ الاميني ج2 ص48 وقال نقل رواية الثعلبي هذه وبنفس التفصيل كل من الغزالي في إحياء العلوم (ج 3، ص 238)، والكنجي في كفاية الطالب (ص 114)، وابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمّة» (ص33) والسبط بن الجوزي الحنفي في «تذكرة الخواص» (ص21) والشبلنجي في «نور الابصار» (ص 82).
(25). شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص100.
(26). اسد الغابة في معرفة الصحابة لأبن الأثير ج4 ص 25.
(27). الأمالي للطوسي ص447.
(28). نهد: أي شابّ قويّ ضخم ( النهاية ج5 ص135 ) .
(29). تاريخ اليعقوبي ج2 ص39 ، العمدة ص240 ، نبيه الخواطر ج1 ص173، الفضائل لابن شاذان ص81 ، المناقب لابن شهر آشوب ج2 ص65، أُسد الغابة ج4 ص98 ، إحياء علوم الدين : 3793 .
(30). هو الحصى الصغار ( لسان العرب ج2 ص413 ) .
(31). سورة يس: الآيات /(1- 9).
(32). سورة الأنفال: الآية/ 30.
(33). الأمالي للطوسي ص445 ، بحار الأنوار ج19 ص54.
(34). مسند ابن حنبل ج1 ص744 ، المصنّف لعبد الرزّاق ج 5 ص389 ، المعجم الكبير ج11 ص322 ، الدرّ المنثور ج4 ص50.
(35). الخصال للصدوق ص366.
(36). الصِّيْر : شِقّ الباب ( النهاية : 3 / 66 ) .
(37). سورة يس: الآيات/ (1-2)
(38). سورة يس: الآية/10.
(39). الطبقات الكبرى ج1 ص227.
(40). التَّضَوُّر : الصياح والتلوّي عند الضرب أو الجوع ( مجمع البحرين ج2 ص1088).
(41). المستدرك على الصحيحين ج3 ص5 ، تاريخ دمشق ج42 ص 68 ، تفسير الحبري ص242 .
(42). مسند ابن حنبل ج1 ص709 ، المستدرك على الصحيحين ج 3 ص143، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص72.
(43). تاريخ دمشق ج42 ص68 ، أُسد الغابة ج4 ص92.
(44). الأمالي للطوسي ص 447 ، المناقب لابن شهر آشوب ج2 ص57 .
(45). الأمالي للطوسي ص447.
(46). سورة البقرة: الآية / 207.
(47). التفسير الكبير للرازي ج 5 ص 223.
(48). البحر المحيطلأبو حيان ج 2 ص 118.
(49). روح المعاني للآلوسي ج2 ص97.
(50). الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج3 ص21.
(51). ينابيع المودة للقندوزي ص92.
(52). شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص262.
(53). سورة البقرة: الآية / 207.
(54). علي بن أبي طالب، لعبد الكريم الخطيب ص105.
(55). السيرة الحلبية ج2 ص192.
(56). شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج13 ص262.
(57). منهاج السنّة لإبن تيمية ج7 ص116 .
(58). شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج13 ص263.
(59). الأمالي للطوسي ص 467
(60). شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج13 ص263.
(61). تاريخ الطبري ج2 ص374 ، الكامل في التاريخ ج1 ص516 ، تاريخ الخميس ج1 ص325 ، بحار الأنوار ج19 ص39 ، الصحيح من سيرة النبي ج4 ص38 .
(62). الخصال للصدوق ج2 ص14 ، بحار الأنوار ج19 ص46
(63). المستدرك على الصحيحين ج3 ص 5 ، تذكرة الخواص ص35 ، الغدير ج2 ص48 .
(64). المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص158 ، الدر النظيم لابن حاتم العاملي ص115.
(65). السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص99 ، تفسير الثعلبي ج2 ص126.
(66). الأمالي للشيخ الطوسي ، المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص158 ، بحار الانوار للمجلسي ج19 ص61.
(67). البرهان للزركشي ج1 ص192 ، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص34.
(68). الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج1 ص34.
(69). الصحيح من سيرة النبي الأعظم للسيد جعفر مرتضى العاملي ج4 ص40.
(70). سورة البقرة: الآية/ 207.
(71). الأمالي للشيخ المفيد ص235، الأمالي للطوسي ص11.
(72). مناقب الإمام علي عليه السلام للكوفي ص556.
(73). نهج البلاغة: ج2 ص172.
(74). راجع ما تقدم: نقض شبهة الحلبي حول مبيت الإمام علي «عليه السلام» في فراش النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ليلة هجرته إلى المدينة للسيد نبيل الحسني نشر على موقع المكتبة الحسينية المقدسة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat