الوعي السياسي والحرب الناعمة
زينب محمد ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زينب محمد ياسين

م.م. زينب محمد ياسين عبد القادر / جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية.
الوعي السياسي هو مستوى الفهم والإدراك الذي يمتلكه الأفراد والمجتمعات بشأن القضايا السياسية والنظام السياسي الذي يعيشون فيه، ويشمل فهم الهياكل، العمليات السياسية، القوانين، المؤسسات...الخ وأثرها على حياة السكان والشعوب بما يساهم في اتخاذ القرارات الصائبة لتعزيز قوة وكيان ووزن الدولة في سياستها الداخلية والخارجية.
اليوم وفي ظل ما يحاك حول الأمم والدول سيما العربية والنامية منها وهي تمتلك من الموارد والطاقة ،ما جعلها تقع تحت مطامع معظم الدول الصناعية ذات النهجي التوسعي منها للاستيلاء واستغلال ونهب مقدرات هذه الشعوب مستخدمة شتى الأدوات والوسائل الخشنة (الصلبة) منها والناعمة، ومن المعلوم أن لكل عصر متطلباته وحاجاته ومن ثم أدواته الذي يتغيربالتطورالعلمي، وعليه فإن القرن الحادي والعشرين (قرن التقنيات)، وبعد امتلاك العديد من الدول أدوات التطور والتكنولوجيا والردع العسكري خاصة النووية منها؛ أصبح أسلوب الحرب الناعمة الأكثر شيوعا في التعاملات السياسية وغير السياسية، والحرب الناعمة في أبسط مفهوم لها تعني بأنها: استراتيجية تعتمد على استخدام وسائل غير عسكرية وتكتيكات غير مباشرة لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية، يتم تنفيذها عن طريق التأثير على العقول والقلوب والمؤسسات في المجتمعات المستهدفة، وذلك بالاستفادة من الضعف والثغرات في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي بذلك تختلف عن الحروب التقليدية التي تعتمد على القوة العسكرية والتدمير المباشر. وقد تكون أدوات الحرب الناعمة غير مرئية لكل الناس ولنا في التاريخ أمثلة على ذلك؛ حيث ان معظم الناس لم ينتبهوا الى فعل الفئران الناعمة فأنهار السد (سد مأرب) في (575) م الشهيرة التي لاتزال آثارها شاخصة الى يومنا هذه في دولة اليمن جنوب الجزيرة العربية. ومن أهم أدوات الحرب الناعمة:
1. الأدوات الثقافية: أي استخدام العناصر والمراكز الثقافية التي تشكل قيمة كبيرة في نقل المعرفة والتأثير على المجتمعات كالجامعات مثلا، فعندما أسس الجامعة الأمريكية في لبنان (1886) م قال مؤسس هذه الجامعة: من هنا نخرّج حكام الشرق!
2. بث الشائعات: يتم عن طريق نشر معلومات غير مؤكدة وتحريف الحقائق كما فعل بني أمية مع علي عليه السلام عندما بثوا الشائعات بأن علي عليه السلام لا يصلي.
3. تعزيز السخط: أي الاستياء من فئة معينة من الأشخاص أو مجتمع معين واستخدام أسلوب (التعميم). ومثال على ذلك اتهام كل مقاومة للتواجد الأجنبي بأنه إرهاب.
4. ضرب القيم الأخلاقية: يأتي في العديد من السياقات كأن تكون ضرب الأسرة والتعليم والسياسة والقيادة، كما يحصل عندما يقول البعض: أن نعيش مثل سويسرا بغض النظر عن دينهم وأخلاقهم وتحويل المجتمع الى مجتمع الكماليات وليس مجتمع الكمالات، نذكر بهذا الصدد، ان بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقا، عندما رأى وجبات الهمبركر في دول الاتحاد السوفيتي قال: هذا الاتحاد بدأ نهايته فقد احتلت الجغرافية من دون جيوش.
5. تشويه المفاهيم: أي ضرب المجتمع بأدوات داخلية من خلال التنكربمظاهر يتقبلها المجتمع ولا ينفر منها، لتحريف جوهر الممارسة مع الإبقاء على شكلها الظاهري، ومن صورها ما جرى عند بناء (مسجد ضرار) من قبل المنافقين في صدر الإسلام، لضرب الإسلام تحت غطاء المساجد، ومن الأمثلة الأخرى في زماننا، عرس الدجيل (2006) م، اذ حدث جريمة في مسجد يحمل اسم الصحابي بلال رضوان الله عليه، وتحول مفهوم المسجد من الجامع بين المسلمين الى دكات لذبح الناس.
بات الوعي السياسي مهما أكثر من أي وقت مضى؛ نظرا لطبيعة الصراع الذي نعيشه، حيث تتشابك القوى وتتصارع فيما بينها مستخدمة شتى الأدوات التضليلية والناعمة للتأثير على الرأي العام العالمي وتسويغ توجهاتها من أجل الهيمنة والسيطرة ونهب ثروات الشعوب تحت شعارات براقة كالديمقراطية والحرية والمساواة والتطور والحداثة، ومن أجل التصدي لتبعات الحرب الناعمة، ينبغي التسلح بالوعي السياسي والعمل في الميدان الفكري والثقافي والمعرفي وتحصين المجتمع بترسانة البصيرة السياسية وبناء سواتر فكرية يضمن مقاومة جسد الأمة للغزو الناعم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat