مقالات في مناقب المرتضى 13. لقب ساقي الحوض
حامد كماش آل حسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حامد كماش آل حسين

مقدمة:
لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.
ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.
• قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)
• وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)
ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:
1. لقب «أمير المؤمنين».
2. لقب «قائد الغر المحجلين».
3. لقب «يعسوب الدين».
4. لقب «أبو تراب».
5. لقب «إمام المتقين».
6. منقبة «وليد الكعبة».
7. لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».
8. منقبة «قسيم الجنة والنار».
9. منقبة «أول من أسلم».
10. لقب «الصديق».
11. لقب «الفاروق».
12. لقب «سيف الله المسلول».
واليوم نتكلم عن لقب «ساقي الحوض»:
تمهيد:
لابد من الإشارة الى أنه أحياناً بدل «ساقي الحوض» يطلق عليه بــ«ساقي الكوثر» نسبة الى اسم الحوض.
ومن المعلوم ان الحوض هو أحد مواقف يوم القيامة، والإيمان به واجب، كالإيمان بـالصراط والجنة والنار، وقد ورد في الروايات مواصفات عديدة عن الحوض وأنه مما أُعطي لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وان الذي يتولى السقاية عليه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب «عليه السلام» حيث يسقي منه محبيه ومواليه ويذود عنه اعدائه والمنافقين، كما في الروايات والأحاديث التي سوف نذكرها لاحقاً.
كما ان الذود عن الحوض من قبل أمير المؤمنين «عليه السلام» ثابتة لأنه لابد للمسلم من الورود على حوض رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فأما ان يسقى منه أو يذاد عنه لإرتدادهم.
وحوض نبينا «صلى الله عليه وآله وسلم» هو مكرمة ومنة عظيمة على نبينا «صلى الله عليه وآله وسلم» ليواصل المؤمنون به الشرب الحسي كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي من الإهتداء والإقتداء به «صلى الله عليه وآله» وبأهل بيته «عليهم السلام»، ولا يشرب ذلك الشرب الحسي في عرصات القيامة إلا من شرب الشرب المعنوي في الدنيا وإلا فانه يذاد عنه ويطرد، لأنه أعرض عن الإهتداء والإقتداء بمن اصطفاه الله لتبليغ رسالته في الحياة الدنيا وبمن اوصى باتباعهم من بعده، فيجازى بطرده في الآخرة عن الشرب منه.
• روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» عن آبائه «عليهم السلام»، قال: ((قال رسول الله «صلى الله عليه واله»: من أراد أن يتخلص من هول يوم القيامة فليتول وليي، وليتبع وصيي، وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب، فإنه صاحب حوضي يذوذ عنه أعداءه، يسقي أوليائه، فمن لم يسق منه لم يزل عطشاناً ولم يرو أبداً ومن سقي منه شربة لم يشق ولم يظمأ ابداً)).(3)
ومن خلال تتبع الروايات نجد أن الإنحراف عن نهج رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلم» والابتعاد عن المفاهيم والقيم الإسلامية المعبر عنه بالارتداد والرجوع على الأعقاب والتقهقر، قد عم عدداً كبيراً من الصحابة الذين صحبوا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» صحبة ليست بالقصيرة، وقد عبر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» عن كثرتهم في حديث الحوض، بالقول:
((بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هَلُمَّ، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم، قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم))(4).
وقد فسر إبن الأثير لفظة الارتداد التي وردت في احاديث الحوض، فقال:
• ((وفي حديث القيامة والحوض: «فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقري» أي متخلفين عن بعض الواجبات، ولم يرد ردة الكفر، ولهذا قيده بأعقابهم، لأنه لم يرتد أحد من الصحابة بعده، وإنما ارتد قوم من جفاة الاعراب)).(5)
وعليه فيكون المراد بارتداد الناس في احاديث الحوض بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» هو انهم رجعوا عن أهم الواجبات الدينية المنوطه بهم وهي مبايعة الإمام علي «عليه السلام» بإمرة المؤمنين وخلافة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بلا فصل بحسب النصوص الكثيرة التي اشار لها رسول الله «صلى الله عليه وآله» واوصاهم بها.
وهكذا يثبت ان ولاية أمير المؤمنين «عليه السلام» وخلافته الكبرى من الواجبات المهمة وان تاركها يذاد عن الحوض من قبل الإمام علي «عليه السلام» كما جاء في أحاديث الحوض الكثيرة واقراراً لوصية رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» حيث قال:
• ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)).(6)
معنى الحوض في اللغة والاصطلاح:
• المعنى اللغوي للحوض:
الحوض في اللغة يطلق ويراد به: مجمع الماء، وجمعه: حياض وأحواض.
- قال الليث:
((الحوض معروف، والجمع: الحياض والأحواض، والفعل: التحويض، وأستحوض الماء: أي اتخذ لنفسه حوضاً)).(7)
- قال الجواهري:
((الحوض: واحد الحياض والأحواض، وحضت أحوض: اتخذت حوضاً، وأستحوض الماء: أجتمع، والمحوَّض «بالتشديد»: شيء كالحوض، يجعل للنخلة تشرب منه، ومنه قولهم: أنا احوض ذلك الأمر، أي أدور حوله، مثل: أحوط)).(8)
• الحوض في الاصطلاح:
يقصد به ما جاء الخبر به، من أن لنبينا محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» حوضاً، ترد عليه أمته يوم القيامة، جعله الله إكراماً لنبينا «صلى الله عليه وآله وسلم» وغياثاً لمن آمن به واتبع وصيته في التمسك بالثقلين وتعاليم الإسلام.
وقد ثبت الحوض بالنصوص الصحيحة والصريحة المتواترة في السنة النبوية الشريفة، واعتقد بصحته وثبوته جميع المسلمين.
ولم يرد في القرآن الكريم التصريح بالحوض، إلا أن من العلماء من جعل الحوض بمعنى الكوثر، ثم أستدل لإثبات الحوض بسورة الكوثر، تغليباً لأسم الكوثر على أسم الحوض.
ونكتفي بهذا التعريف الموجز للحوض وأما مواضيع:
• هل ان الحوض هو حوض واحد أم ان للأنبياء الآخرين أيضاً احواض أخرى.
• وذكر أقوال العلماء في الحوض وما ورد عنهم من نصوص.
• وما ورد من روايات ونصوص تحدد مسافة هذا الحوض.
• كذلك الاختلاف بين الروايات في تحديد مسافة هذا الحوض.
• وكذلك الحديث عن صفات الحوض ومزاياه.
• وأنه متى يرد المؤمنون الحوض وأنه:
- هل يردون الحوض حين خروجهم من القبور عطاشاً فيشربون منه.
- أم أنهم يردون الحوض ويشربون منه بعد أن يتجاوزوا الصراط.
- أم يردون الحوض بعد نصب الميزان.
- أم يردون الحوض قبل فصل القضاء أو بعده.
وغير ذلك من المواضيع التي تتعلق ببحوث الحوض فنتركه للكتب المعنية والمختصصة في ذلك ...
الأحاديث:
1. روي عن جابر قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: ((يا علي انه يحل لك في المسجد ما يحل لي وانك مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي والذي نفسي بيده انك تذود عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الأجرب عن الماء بعصاً لك من عوسج كأني انظر إلى مقامك من حوضي)).(9)
2. روي عن الإمام علي «عليه السلام» قال: ((لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» رايات الكفار والمنافقين كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها)).(10)
3. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» انه قال لعلي: ((والذي نفسي بيده إنك لذواد عن حوضي يوم القيامة تذود كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصا معك من عوسج، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي)).(11)
4. ((... عن علي بن أبي طلحة، قال: «حججنا فمررنا على الحسن بن علي «عليه السلام» بالمدينة ومعنا معاوية بن خديج، فقيل للحسن «عليه السلام»: ان هذا معاوية بن خديج الساب لعلي.
فقال: عليّ به، فاتي به.
فقال: أنت الساب لعلي؟
فقال: ما فعلت.
فقال: واللَّه ان لقيته «وما احسبك تلقاه يوم القيامة» لتجده قائماً على حوض رسول اللَّه «صلى الله عليه وآله وسلم» يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصا من عوسج، حدثنيه الصادق المصدق وقد خاب من افترى»(12))).(13)
5. روي ان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قال لعلي «عليه السلام»: ((والذي نبأ محمداً وأكرمه إنك لذائد عن حوضي، تذود عنه رجالاً، كما يذاد البعير الصادي عن الماء، بيدك عصا من عوسج كأني أنظر الى مقامك من حوضي)).(14)
6. روي عن الإمام علي «عليه السلام» قال: ((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لأقمعن بيدي هاتين عن الحوض أعداءنا ولأوردن أحباءنا)).(15)
7. روي عن أبي ذر الغفاري قال: ((قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «ترد على الحوض راية أمير المؤمنين وإمام الغر المحجلين، فأقوم فآخذ بيده فيبيض وجهه ووجوه اصحابه وأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي، فيقولون: تتبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه، فأقول: ردوا رواء مرويين، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها أبداً، وجه امامهم كالشمس الطالعة ووجوههم كالقمر ليلة البدر او كأضوأ نجم في السماء»)).
قال الكنجي معلقاً:
((وفي هذا الخبر بشارة ونذارة من النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أما البشارة فلمن آمن بالله عز وجل ورسوله وأحب أهل بيته، وأما النذارة فلمن كفر بالله ورسوله، وأبغض أهل بيته، وقال ما لا يليق بهم ورأى رأي الخوارج أو رأي النواصب، وهو بشارة لمن أحب أهل بيته فانه يرد الحوض ويشرب منه ولا يظمأ أبداً وهو عنوان دخول الجنة، ومن منع من ورود الحوض لا يزال في ظمأ وذلك عنوان دوام العطش وحرمان دخول جنة المأوى، واما الثقلان فأحدهما كتاب الله عز وجل، والآخر عترة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وأهل بيته وهما أجل الوسائل واكرم الشفعاء عند الله))(16)
فائدة:
في ذكر عقيدتنا «الشيعة» في الحوض:
• يقول الشيخ الصدوق:
((إعتقادنا في الحوض أنه حق، وأن عرضه ما بين أيلة وصنعاء(17)، وهو حوض النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، وأن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، وأن الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» يسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وقال النبي «صلى الله عليه وآله»: ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا على الحوض، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأنادي: يا رب، أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).(18)
شبهات وردود:
قال ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية»:
((وما يتوهمه بعض العوام بل هو مشهور بين كثير منهم، أن علياً هو الساقي على الحوض فليس له أصل ولم يجيء من طريق مرضي يعتمد عليه، والذي ثبت أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» هو الذي يسقي الناس)).(19)
الجواب:
افترى الرجل بقوله إن هذا وهم من رأي العوام فحسب، وكذلك أفك الرجل في حكمه البان بقوله «فليس له أصل ولم يجيء من طريق مرضي يعتمد عليه».
حيث ان هناك الكثير الأحاديث كلها تثبت ان الحديث قد جاء بطريق مرضي يعتمد عليه والذي يدل على ذلك ان الكثير من الحفاظ الأثبات اخرجوه مخبتين أليه.
على ان إنكار أبن كثير ليس غريباً فهو معروف بمعاداته لأهل البيت «عليهم السلام»، حتى أنه ما ان تروى فضيلة لأهل البيت «عليهم السلام» وفي مقدمتهم الإمام علي «عليه السلام» إلا وطعن فيها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، أنه أنكر:
1. أنكر حديث المؤاخاة: ((قال: ذكر أبن أسحاق وغيره من أهل السير والمغازي إن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» آخى بينه(20) وبين نفسه وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة لا يصح شيء منها لضعف أسانيدها وركة بعض متونها)).(21)
2. أنكر حديث الطير: ((قال: وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه)).(22)(23)
3. أنكر: حديث أول من أسلم الإمام علي «عليه السلام»: ((قال: وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه)).(24)
4. أنكر: الآيات النازلة في الإمام علي «عليه السلام»: ((قال: ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصيته)).(25)
5. أنكر: حديث البراءة: ((قال: وفيه نكارة من جهة أمره برد «الصديق»(26)، فإن «الصديق» لم يرجع بل كان هو أمير الحج)).(27)
6. أنكر: حديث لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي: ((قال: هذه اللفظة منكرة ، والأجلح(28) شيعي»)).(29)
نكتفي بهذا القدر، فكل هذه المناقب والفضائل أنكرها ابن كثير بدون سبب علمي يعتمد عليه.
ولكن في المقابل نراه يثبت ويعزو الى الشيعة كذباً ان منهم من زعم:
((إن الأبل البخاتي إنما نبتت لها الأسنمه من ذلك اليوم،(30) لتستر عوراتهن من قبلهن ودبرهن)).(31)
هذه نماذج يسيرة من جنايات أبن كثير على العلم وودائع الإسلام وتمويه على الحقائق.
فاذا كان أبن كثير ينكر كل هذه الحقائق وغيرها فليس غريباً ان ينكر هذا الحديث الذي نحن بصدده ... ومن يحمل فكراً أموياً فان هذا هو شأنه وهذا هو ديدنه.(32)
ولابد لنا ان نذكر شيئاً من تعامل الدولتين الأموية والعباسية مع احاديث الحوض وكذلك موقف ائمة المذاهب وتعاملهم مع احاديث الحوض لكي تكون لدينا فكرة لرد هذه الشبهة وغيرها:
محاولات التكذيب بأحاديث الحوض:
حوض النبي «صلى الله عليه وآله» أو حوض الكوثر، قضية كبيرة يوم القيامة، فهو عين الحياة في أرض المحشر، يصب ماؤها من نهرين من أنهار الجنة، وكل الخلائق يحتاجون إلى الشرب منه، لأنه لا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا بأن يشرب منهن والشربة منه تروي الإنسان رياً أبدياً، فلا يظمأ بعدها أبداً، ويبدو أنها تؤثر على التركيب الفيزيائي لبدن الإنسان، فتجعله صالحاً للحياة في الجنة، وقد خص الله به سيد المرسلين «صلى الله عليه وآله»، وجعل أمره بيده ويد أهل بيته الطاهرين، فلا يشرب أحد منه إلا ببطاقة منهم.
كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» في آخر سنة من عمره الشريف ركز على العقيدة بالحوض، خاصة في خطب حجة البلاغ «الوداع»، وربطه بوصيته بالقرآن وأهل بيته الطاهرين، وأكد على أن من لا يطيع وصيته فيهم يمنعه الله تعالى من ورود الحوض والشرب منه، وبالتالي من دخول الجنة، وأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» أن أكثر أصحابه سوف يطردون عن الحوض، ولا يسمح لهم بالشرب منه، فأحاديث الحوض تتضمن إذن:
• بيان مقام أهل البيت الطاهرين، والأمر باتباعهم، وأنهم ومحبيهم الواردون على الحوض، والساقون عليه.
• كما تتضمن ذم مبغضيهم ومخالفيهم، وأنهم مطرودون عن الحوض، ممنوعون من الورود عليه والشرب منه، حتى لو كانوا صحابة.
ومن الطبيعي أن ينزعج المنافقون والحاسدون لبني هاشم عموماً وأهل البيت خصوصاً من هذا التأكيد النبوي، ولا بد أنهم كانوا يسخرون من عقيدة (حوض محمد وأهل بيته).
ولا نحتاج إلى تتبع سخريتهم في زمن النبي «صلى الله عليه وآله»، ولكنا نراها ظاهرة عند ورثتهم من الحكام الكبار في العهد الأموي، مثل عبيد الله بن زياد، الذي كان الحاكم المطلق للعراق وإيران وما وراءها، والذي يبدو أنه كان يعمل لحذف عقيدة الحوض من الإسلام، ولكن المؤمنين وقفوا في وجهه:
فقد ذكر الحاكم في المستدرك:
((... عن أنس قال دخلت على عبيد الله بن زياد وهم يتراجعون في ذكر الحوض، قال، فقال جاءكم أنس، قال: يا أنس ما تقول في الحوض؟
قال قلت: ما حسبت أني أعيش حتى أرى مثلكم يمترون في الحوض، لقد تركت بعدي عجائز ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها أن يوردها حوض محمد «صلى الله عليه وآله».
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله عن حميد شاهد صحيح على شرطهما...)).(33)
وهناك غيرها من الروايات في هذا المعنى لا حاجة لذكرها، وقد يدافع النواصب عن هذه الروايات بأنها تتحدث عن حالة شخصية في ابن زياد، وليس عن اتجاه عند الخلافة الأموية وأنصارها.
ولكن يرد عليه انها ليست حالة شخصية، فهذا عمر بن عبد العزيز الحاكم الأموي، وهو في مطلع القرن الثاني، أراد أن يتثبت من صحة أحاديث الحوض، أو يقنع بها بني أمية وأجواءهم في العاصمة! أو يواصل ما عمله الأمويون، فأرسل إلى المدينة في إحضار صحابي كبير السن، لكي يسمع منه مباشرة حديث الحوض.
فقد روى البيهقي في شعب الإيمان:
((عن شعبة، أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا أبو عتبة، عن محمد بن المهاجر، عن عباس بن سالم اللخمي، أن ابن عبد العزيز بعث إلى أبي سلام الحبشي، وحمل على البريد حتى قدم عليه، فقال: إني بعثت إليك أشافهك حديث ثوبان في الحوض.
فقال أبو سلام: سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: حوضي من عدن أبين إلى عمان البلقاء، أكوازه مثل عدد نجوم السماء، ماؤه أحلى من العسل، أشد بياضاً من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول من يرد علي فقراء أمتي.
فقال عمر: يا رسول الله من هم؟
قال: هم الشعث الرؤوس، الدنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد)).(34)
ندم أئمة المذاهب على تدوين أحاديث الحوض:
أن حساسية الدولة من أحاديث الحوض امتدت إلى زمن العباسيين، بسبب أن هذه الأحاديث تتضمن ذم الصحابة.
- فقد أعلن الإمام مالك ندمه على تدوين حديث الحوض في كتابه الموطأ، الذي دونه بأمر المنصور العباسي ليكون الكتاب الرسمي الإلزامي للمسلمين.
- وكان الإمام الشافعي يظهر تأسفه أيضاً لتدوين مالك لهذه الأحاديث، ولو كانت صحيحة.
قال الصديق المغربي في فتح الملك العلي:
((حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث، وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلا حديث الحوض، ووددنا أنه لم يذكره ...)).(35)
ولكن ندم مالك، والشافعي، والدولة العباسية لم ينفع، لأن حديث الحوض دخل في كتاب الدولة الرسمي، وصار شاهداً لأحاديث الحوض الأخرى التي سمعها الناس ورووها ودونوها، بل صار ندمهم شاهداً تاريخياً قوياً على صحة صدور هذه الأحاديث النبوية الخطيرة، وتأكيد خط أهل البيت «عليهم السلام» ومكانتهم في الإسلام.
وإذا لاحظنا أن البخاري ومسلماً قد ألفا صحيحيهما في عصر المتوكل العباسي وبعده، وأن بغض المتوكل لعلي وأهل البيت النبوي كان مشهوراً، فينبغي أن نشكرهما لأنهما رويا شيئاً من حديث الحوض الذي فيه إزراء على الصحابة حسب تعبير الشافعي، ولا نكلفهما أن يرويا أن علياً «عليه السلام» هو الساقي على حوض النبي «صلى الله عليه وآله» وأنه يذود عنه الكفار والصحابة المطرودين.
والنتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر:
أن موقف السلطة الأموية والعباسية لم يمنع من روايتها، ولكنه سبب أن يقلل الرواة منها ويتحاشوا ما كان شديداً على الصحابة، حيث نرى أن البخاري ومسلماً لم يرويا حديث أنس مع ابن زياد، وغيره مما هو صحيح على شرطهما، وبذلك يصح أن تقدر أن ما روته مصادرهم من أحاديث طرد الصحابة الخائنين عن الحوض، ليس إلا جزءاً قليلاً منها،
على أن عدداً من المصادر بدلت كلمة أصحابي بكلمة: أمتي، أو بكلمة: الناس.
وتحاشت صحاحهم رواية الأحاديث التي تربط حوض الكوثر بأهل البيت النبوي ومحبيهم، وتجعلهم المؤمنين المقبولين، والغر المحجلين، الذين يوافون النبي على حوضه، ويردون منه ويدخلون الجنة، فإن المتأمل فيها في مصادر إخواننا السنيين يصل إلى قناعة بأن أحاديثها كانت تتضمن أن أهل بيته معه في المحشر والجنة، بدليل بقاء ذكرهم وتسميتهم في عدد منها، وأنها كانت تتضمن بيان المصير الأسود لأكثر الصحابة، وأنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الأحاديث التي تنص على أنه لا يرد منهم الحوض ولا ينجو إلا مثل همل النعم، وهمل النعم هي النعاج المفردة الخارجة عن القطيع، وهو يعني أن أكثرية قطيع الصحابة لا ينجو.
وبهذا نعرف الصعوبة في المهمة التي عهدت بها الخلافة القرشية إلى علماء الحديث، أو تبرعوا هم بها، بتدوين صحاح ترضى عنها وتتبنى نشرها، فلا بد أنهم وقفوا طويلاً أمام مشكلة تدوين أحاديث القيامة والآخرة، لأنها تعطي أهل البيت «عليه السلام» مقاماً إلى جنب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولأنها تذم الصحابة وتخبر عن هلاك أكثرهم.
ولا شك أن الذين ألفوا بعد مالك بن أنس واجهوا نفس مشكلته، وخافوا أن يقعوا في نفس (مزلق) التشيع الذي وقع فيه، لذا رأوا أنهم مجبرون على أن اتباع الأسس التالية:
• أولاً: أن يختاروا الأحاديث التي ليس فيها ذكر لأهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله» وهي قليلة جداً جداً.
• ثانياً: أن يجردوا الأحاديث من ذكر مقام أهل البيت النبوي مهما أمكن.
• ثالثاً: أن يستبدلوا أسماء أهل البيت «عليه السلام» والكلمات التي استعملها النبي «صلى الله عليه وآله» في التعبير عنهم بكلمات عن الأمة والصحابة.
• رابعا: أن يتحاشوا الأحاديث التي فيها ذم الصحابة، أو يحذفوا منها الذم أو يوجهوه إلى آخرين.
• خامسا: أن يدونوا الأحاديث الموضوعة في فضل الصحابة، خاصة خلفاء السقيفة الثلاثة، لكي تقابل الأحاديث في فضائل أهل البيت النبوي.
وتفصيل هذا الموضوع يخرجنا عن موضوعنا، فنكتفي بذلك وبذلك يتبين لنا ان قول ابن كثير بأن ساقي الحوض هو النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وليس الإمام علي «عليه السلام» هي محاولة منه لصرف فضيلة للإمام علي «عليه السلام» ثابتة وذلك باتباعه نقطة او عدة نقاط التي ذكرناها اعلاه عند التعامل مع احاديث فضائل اهل البيت «عليهم السلام» كي لا يندموا كما ندم مالك وكي لا يضعوا انفسهم في مقابلة السلطان ...(36)
الشواهد الشعرية:
لقد نظم الشعراء في شعرهم فضيلة لقب الإمام علي «عليه السلام» بـــ«ساقي الحوض»، مما يدل على شيوع هذا اللقب بين المسلمين واشتهاره واختصاص الامام علي «عليه السلام» به شأنه شأن الكثير من ألقاب ومناقب وفضائل الإمام علي «عليه السلام»، رغم محاولة البعض ممن اعماهم البغض والحقد من مؤرخي السلطة والسلطان ان يزيفوا الحقائق، والنماذج الشعرية في ذلك كثيرة لا يسع المجال لذكر الكثير منها، ولكننا نذكر ما يفي بالغرض، منها:
1. السيد الحميري:
علي هو الهادي الإمام الـــــذي بـــه ... أنار لنا من دينــــنا كــــل مظــــلــــم
علي ولي الحــــوض والـذائد الـــذي ... يذبب عن أرجــــاءه كــــل مــجــــرم
2. العبدي الكوفي:
أنت فلك النجاة فينا وما زلـت ... صراطاً الى الهدى مستقيماً
وعليك الورود تسقي من الحوض ... ومن شئت ينثني محروماً
3. ابن العرندس:
أيـقـتـل ظمآناً حـسـين بكــــــــــــــــــــــــــــــــــــربلا ... وفـي كـل عضو مـن أنامله بحر
ووالده الساقي على الحوض في غد ... وفـاطـمـة مـاء الفرات لها مهر
4. ابن حماد العبدي:
والحــــــوض حوضك فيـــــــه ماء بارد ... فــــي البعث تسقي من تشاء وتمنع
ولـك المفاتـح أنت تسكن ذا لظى ... يصــــــلى وهذا فـــــي الجنان يمتع
وقال أيضاً:
وقـــــضى فرضه أداء وعــــــــادت ... لغـــــروب وكـــــورت تـــــكـــويرا
وأبــــوهم يروي على الحوض من ... والاهـــــم ويرد عـــــنه الكــــفورا
5. ابو محمد الصوري:
فكـــــأني بهم يودون لو أن الخوالي ... مـــــن الليـــــالي الـــبـــــــواقـــــي
ليـــــتوبـــــوا إذا يـــذادون عن أكرم ... حـــــوض عـــــليه أكـــــرم ســـاق
وإذا مـــــا التـــــقوا تقـــاسمت النار ... عـــــلياً بالعـــــدل يـــــوم التــــلاق
ونختم هذا المقال:
بذكر مقطع من احدى زيارات الإمام علي «عليه السلام» حيث ورد هذا اللقب في كثير من الزيارات ومنها على سبيل المثال لا الحصر الزيارة المطلقة السابعة التي ذكرها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان، ننقل منها موضع الشاهد:
((...السلام على أسد الله في الوغى، السلام على من شرفت به مكة ومنى، السلام على صاحب الحوض وحامل اللواء، السلام على خامس أهل العباء، السلام على البائت على فراش النبي ومفديه بنفسه من الأعداء، السلام على قالع باب خيبر والداحي به في الفضاء،...))
رزقنا الله في الدنيا زيارة أمير المؤمنين وفي الآخرة شفاعته، ... والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.
(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.
(3). بحار الأنوار للمجلسي ج8 ص19.
(4). صحيح البخاري ج8 ص151.
(5). النهاية في غريب الحديث ج2 ص214 ، ونقل إبن منظور هذه العبارة بعينها في لسان العرب ج3 ص173.
(6). صحيح الترمذي الرقم: 3788 ،خلاصة حكم المحدث الألباني: صحيح
(7). تهذيب اللغة للأزهري ج5 ص158.
(8). مختار الصحاح للجوهري ج3 ص1072 ، وانظر: النهاية لإبن الأثير ج1 ص461 ، أساس البلاغة للزمخشري ص99.
(9). ينابيع المودة للقندوزي ص51.
(10). فضائل الصحابة لابن حنبل ج2 ص677 ، المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص225.
(11). تاريخ دمشق ج42 ص140 ، المناقب للخوارزمي ص109.
(12). وفي لفظ: «أنت السباب علياً «عليه السلام» عند ابن آكلة الأكباد؟! أما لئن وردت عليه الحوض وما أراك ترده لتجدنه مشمراً حاسراً ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها، قول الصادق المصدوق أبي القاسم «صلى الله عليه و آله وسلم»
(13). المعجم الكبير للطبراني ج٣ ص82 ، المستدرك على الصحيحين ج3 ص148.
(14). مناقب ابن شهرآشوب ج2 ص163، مناقب الخوارزمي ص60.
(115). مناقب ابن شهرآشوب ج2 ص162.
(16). كفاية الطالب للكنجي ص76 ، مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص131 مع فرق.
(17). أيلة: «بالفتح»، مدينة على ساحل بحر القلزم، والصنعاء: موضعان، أحدهما باليمن، واخرى بدمشق.
(18). الاعتقادات للشيخ المفيد ص65.
(19). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص392.
(20). يعني الإمام علي «عليه السلام».
(21). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص223.
(22). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص353.
(23). يقول الشيخ عبد الحسين الأميني في كتاب الغدير ج3 ص219: « هذا قلب طبع الله عليه وإلا فما وجه ذلك النظر بعد تمام شرايط الصحة فيه، وليس من البدع أن يكون أي أحد من الناس أحب الخلق إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وليس لأحد حق النقد ولا الاعتراض عليه فكيف بمثل أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي لا تنكر سابقته وفضائله ..».
(24). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص334.
(25). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص357.
(26). لقد ذكرنا في مقال سابق ان لقب الصديق هو من القاب الإمام علي «عليه السلام» بنص الأحاديث الصحيحة الصادرة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وان لقب الصديق انتحل لأبي بكر بدون دليل كما انتحل رفيقه عمر لقب الفاروق ولقب أمير المؤمنين وانتحل عثمان لقب ذي النورين وانتحل خالد بن الوليد لقب سيف الله المسلول وانتحل ابو عبيدة لقب الأمين وووووو الحديث يطول.
(27). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص356.
(28). راوي الحديث
(29). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص343.
(30). يقصد يوم سبي عقائل بيت الوحي بعد معركة كربلاء.
(31). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص196.
(32). راجع ما تقدم: الغدير ج3 ص219.
(33). المستدرك للحاكم ج1 ص78.
(34). شعب الإيمان للبيقهي ج8 ص243.
(35). فتح الملك العلي للصديق المغربي ص151.
(37). راجع: العقائد الإسلامية إعداد مركز المصطفى للدراسات الإسلامية ج4 ص150
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat