معركة دار الزهراء في دقيقة واحدة؟
علي الخالدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي الخالدي

حادثة دار الزهراء عليها السلام، من الوقائع الثابتة في التاريخ الإسلامي، وليس هناك مجال لنفيها او حذفها من ذاكرة المسلمين.
عجز كثير من المدونين ومدعي البحث والتحقيق التاريخي, في محو وازاحة الحادثة من سجلات الفجائع الحاضرة في كل الازمان، وقد فشلت جميع الشكوك التي غرسوها، في الكتب القديمة وماتت وذبلت اوراق ضلالهم بين المؤلفات الحديثة، وبقيت بعض الشبهات والاطروحات الضعيفة، التي يحاولون من خلالها اللعب بعقول الاجيال الجديدة، تحت عناوين الحداثة والتجدد، وان تلك الأخبار والمعلومات باتت قديمة ولا طائل من ذكرها، مع تطورات العقل والذكاء الاصطناعي.
ان بعض هذه النظريات والرسائل التي تطرح, الغاية منها نفي فاجعة الدار, وبعضها ربما يجعل الموالي في حيرة الرد, نتيجة لقلة الحقائق التي يمتلكها, ومن تلك التداخلات:
1- أين كان علي وغيرته من هؤلاء الجبناء؟ وكيف ترد امرأة على الرجال الغرباء؟ أيعقل يقتحمون داره وهو قالع باب خيبر, وقاتل مرحب؟
2- لماذا لم يرد علي على الاعداء, إلا بعد كسر ضلع الزهراء عليها السلام؟
3- اين انصار يوم الغدير, الذي لم يمضي عليه عام؟ واين الموالون لعلي عليه السلام؟
4- لماذا تأخر دفن النبي صلى الله عليه واله؟ او لماذا لم يدفن الا بعد ثلاثة ايام من وفاته؟
5- لماذا اختار القوم اقتحام دار الزهراء عليها السلام دون غيره, وهم قد احكموا قبضتهم على المدينة كاملة؟
6- هل هناك وصية ألزمت علي من مقاتلة الأعداء؟
إن لكل معركة زمان ومكان محددين، يبدأ وينتهي بهما العراك، وللإجابة على الأسئلة اعلاه، يفترض تحديد ساحة ومساحة الصدام، وكم استغرق من الوقت، ومن هما الجيشان اللذان تقابلا به؟
إذ كما هو معلوم ان موقع الصراع في عاصمة الدولة الاسلامية, ومحور مدار رحى الامة, بجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه واله, والحدث حل بمساحة حجمه 65 متراً، وهو منزل الزهراء عليها السلام، حيث يقدره المؤرخون ب14.5 متر طولاً و4.5 متر عرضاً، وما يزال بقايا جدرانه في المدينة, ويفصله عن بيت رسول الله صلى الله عليه واله, ممر ضيق بعرض متران فقط، والذي ينتهي -الممر- بباب يطل على المسجد النبوي الشريف، إذ أغلق صلوات الله وسلامه عليه جميع الأبواب إلا باب علي، ولدار الزهراء بابان احدهما يطل على مقبرة البقيع، من الشمال، والآخر على الممر الملاصق بسكن النبي صلى الله عليه واله، والاخير يقابل دار الزهراء وله مدخلان ايضاً، أحدهما يشترك مع الممر ذاته مع بيت الزهراء والآخر جنوباً على السوق، إن فهم مداخل ومخارج خارطة موقع الحدث، سيفكك الكثير من الاستفهامات المطروحة وغيرها.
أمير المؤمنين علي عليه السلام، هو خليفة المسلمين وأميرهم، بمئات الأحاديث التي ابلغها رسول الله صلى الله عليه واله للمسلمين بمناسبات كثيرة، ولا احد في حياة النبي يمكنه الشك في ذلك او انكاره، وبهذا أصبحت المدينة المنورة على احاطة ودراية بالخلفية الموعود، ولا يمكن إحداث أي انقلاب بالمدينة وسلب السلطة وسكانها ملزمة ببيعة الغدير، لذلك عمد الإنقلابيون (عمر بن الخطاب وابي بكر) على احكام خطة استباقية لقضم الحكم قبل استشهاد النبي، وذلك بالاستعانة بالأعراب المناهضين للدين، وهم قبيلة اسلم وجهينة وغُفار، الذين قال تعالى فيهم (الأعراب أشد كفراً) الآية 97 من سورة التوبة، إذ لا يعرفون من الإسلام شيئاً، ولهم ثأر كبير مع رسول الله صلى الله عليه واله، حيث قام بطردهم وترحيلهم من المدينة المنورة، إلى البادية بسبب كفرهم ونفاقهم, وشدة عدائهم للإسلام.
استكمالاً لما تقدم من مخطط إسقاط الحكومة الإلهية، المتمثلة بعلي عليه السلام، وبينما كان رجال الإسلام المطيعين لأوامر النبوة، قد خرجوا مع جيش اسامة بن زيد لمواجهة الروم، ولم يبق في المدينة غير المنافقين والمخالفين للنبي، والرافضين لإمرة القائد الشاب الصغير "اسامة بن زيد" قد استغل المتربصون بالنبي واله، فراغ شوارع واسواق المدينة من الحرس، ليشغل الأعراب طرق المدينة وازقتها بالرعب والتخويف، بأربعة آلاف من الخيل والرجال المدججين بكل انواع السلاح ومشاعل النار وجريد النخل وعصي القصب والحجارة، وقد فرضوا حضراً للتجوال، منذ اللحظات الأولى لرحيل رسول الله صلى الله عليه واله، حتى تثبيت قيود اتفاقية السقيفة، وإعلان العصيان على القرار الإلهي الموصي بعلي عليه السلام، ولهذا لم يتمكن أي احد بالوصول لبيت النبي صلى الله عليه واله، ليكملوا الغسل والدفن والتشييع، لأن الأمة المنقلبة اغلقت جميع الممرات والسبل, نتيجة انشغالها بطقوس حفل تنصيب الانقلابي ابي بكر.
تماشياً مع مشروع الإطاحة بالنظام المحمدي، بدأت خطوة المرتدين الثانية، وهي الالتفاف على بيت الخليفة المنصب من الله سبحانه, قال تعالى في سورة النور الآية 36(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) منزل أمير المؤمنين عليه السلام، والذي ما زال منشغلاً بالحزن على رحيل نبي الرحمة، والذي منعت من دفنه وتشييعه الحركات الغوغائية - كما تقدم أعلاه- حيث سعى المُبطِلون على إحراق الدار، وقتل من فيه وتقطيع الجسد الشريف المسجى، او ارغام الخليفة علي عليه السلام، بالتنازل عن السلطة لصالح الحاكم المخالف.
أكمل المعتدون عزمهم بالغارة والسطو على بيت الرسالة ومهبط الوحي، وبدون استئذان! كسروا الباب وخرقوا الدار! بعد ان توزع المداهمون دخولهم على حملتين بثلاث مائة شقي، حملة انتهكت دار النبي من الجانب الجنوبي من جهة السوق، ليصل القتلة بسرعة للجسد الشريف، وحمل مجرمون اخرون من الجانب الشمالي حيث مقبرة البقيع لينزل السفاحون في دار فاطمة، بقيادة الزنيم عمر بن الخطاب، ومجموعة مذنبين جدد صالوا عبر الباب الاوحد للمسجد النبوي الشريف, الواصل بدار علي عليه السلام، بينما تمكن الامام علي من حماية جثمان النبي وطرد المهاجمين، من بيت رسول الله صلى الله عليه واله، هرب المغتصبون من دار الزهراء عليها السلام، بعد ان قام ثلث الغزاة من ضربها بالسياط ومؤخرة الرماح حتى اسقطوا جنينها, وسحقوا جسمها الطاهر بأرجلهم، والدفاع عن الأهل لا يحتاج اي إذنٍ، وعلي غيرته لا تسمح له ان يقف مكتوف الأيدي، وهو يرى الزهراء تضرب أمامه، وقد استمر أمير المؤمنين عليه السلام بملاحقة الأعداء، والقى القبض على قائد العصابة (عمر بن الخطاب) وطرحه أرضاً وكاد ان يقتص منه، لو لا شفاعة عبدالله بن العباس له.
حدد رسول الله صلى الله عليه وآله، مواجهة أمير المؤمنين للأعداء، بوصية قال فيها "فان وجدت عليهم أعوانا فقاتل" أي اخرج بالثورة ضد الظلم والفساد الذي لحق بالأمة، بفعل المنقلبون، بشرط حضور الاعوان "أي الجيش" وعدتهم اربعين رجل، وهذا يتطلب نفير ونهوض ومناصرة أهل المدينة، لإعادة الحق العام إلى نصابه، وبما أنه تكاسل أهل المدينة ولم يقوموا بواجبهم الشرعي تجاه وصي النبي، فإن الوصية انتفت في مبارزة علي عليه السلام، الملتفين على منبر رسول الله صلى الله زوراً وبهتاناً.
إن عملية التوغل في الدار لم تدم لأكثر من دقيقة واحدة، ولو كانت ابعد من ذلك الزمن لتمكن المحتلون من قتل فاطمة والطفلين الصغيرين الحسن والحسين عليهم السلام، الذين لم يكن لهم امكانية مجابهة ثلاث مائة غول متوحش، وعلي منشغل بتخليص الجسد الطاهر من التقطيع والتحريق، كما وعدوا قبل اجتياح الدار، وبعد ان استنفد أمير المؤمنين استنصار أهل المدينة، الذين ارغمهم الخوف القعود في بيوتهم، وعدم حصوله على العدة المطلوبة بأربعين رجلاً، اضطر على البيعة اللاشرعية لأبي بكر, للحفاظ على بقية الله من اهل بيته، سلسلة العصمة والرسالة التي يجب أن تصل الرسالة لكل البرية عبرهم.
أخيراَ عزل أمير المؤمنين عليه السلام نفسه, عن الأمة التي حاولت قتله, وانجزت اجرامها فيهم, بانتظار العدة الموصوفة, لإخذ ثار فاطمة مع حفيده المهدي عليه السلام, وهذه المرة مع رجال قلوبهم كزبر الحديد, لا تلومهم في الله لومة لائم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat