مقالات في مناقب المرتضى 11. لقب «الفاروق»
حامد كماش آل حسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حامد كماش آل حسين

مقدمة:
لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.
ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.
· قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)
· وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)
ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:
1. لقب «أمير المؤمنين».
2. لقب «قائد الغر المحجلين».
3. لقب «يعسوب الدين».
4. لقب «أبو تراب».
5. لقب «إمام المتقين».
6. منقبة «وليد الكعبة».
7. لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».
8. منقبة «قسيم الجنة والنار».
9. منقبة «أول من أسلم».
10. لقب «الصديق».
واليوم نتكلم عن لقب «الفاروق»:
لقب الفاروق:
الفاروق هو أحد الألقاب المختصة بالإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، لقبه بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم».
ورغم أختصاص صفة الفاروق بالإمام علي «عليه السلام» إلا ان القوم نحلوها وبدون دليل الى عمر بن الخطاب حيث أدعى هؤلاء اتصاف عمر بها، وانحصار هذا الوصف به، وهذا الكلام باطل، وذلك لأن المتتبع لسيرة عمر بن الخطاب الذي وصفوه بهذه الصفة لم يجده قد فرق حقيقةً بين الحق والباطل، بل التبست الأمور عليه وخلط في ذلك، والشواهد من كتب الفريقين شيعة وسنة كثيرة تشهد بذلك، ولا تتطلب من القارئ سوى تحكيم عقله وتجرده فحينها يعرف الحقيقة ومدى بعد هذا الوصف عن عمر.
معنى الفاروق:
الفاروق لغةً: هو من يفرق الحق من الباطل(3).
ويوصف الرجل بالفاروق متى ما فرق بين الحق والباطل، علماً وعملاً، قولاً وفعلًا.
- قال ابن منظور في لسان العرب:
((الفاروق: ما فرق بين شيئين، ورجل فاروق: يفرق ما بين الحق والباطل)).(4)
- قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن:
((... وفرقت بين الشيئين فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر أو بفصل تدركه البصيرة، قال: «فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين»(5) ، «فالفارقات فرقاً»(6) يعنى الملائكة الذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم الله وعلى هذا قوله «فيها يفرق كل أمر حكيم»(7)، وقيل عمر الفاروق(8) لكونه فارقاً بين الحق والباطل...)).(9)
- قال العلامة الطريحي في مجمعِ البحرين:
((وفي حديث عليّ «عليه السلام»: «أنا الفاروق الأعظم»، الفاروق: اسم سمي به عليٌّ «عليه السلام»، وربما انتحله غيرهن ولعل المراد به الذي يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام)).(10)
- جاء في معجم جمهرة اللغة: ((كل شيء فرق بين شيئين فهو فاروق)).(11)
- قال صاحب شمس العلوم:
((الفاروق، الجذر: فرق، الوزن: فَاعُول، «الفاروق»: الرجل الذي يفرق بين الأمور، وبه سمي عمر بن الخطاب الفاروق(12): لفرقه بين الحق والباطل)).(13)
يتبين مما تقدم وما ورد في الروايات التي سنذكرها ان معنى لقب الفاروق هو الذي يفرق بين الحق والباطل، وهذا المعنى يقتضي أن يكون المسمى بهذا الاسم عارفاً للحق والباطل بكامل حدودهما، وإلا كيف يمكنه التمييز والتفريق بينهما، ولذلك ذكر في معنى الفرقان وهو « أحد أسماء القرآن والتوراة»، وكل ما فرق به بين الحق والباطل، فهو فرقان:
· قال الله تعالى: ((تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً))(14).
· وقال الله تعالى: ((ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين))(15).
وهذا يعني أن الفاروق لابد أن يكون معصوماً، إذ غير المعصوم لا يمكنه أن يميز بين الحق والباطل بصورة مطلقة بحيث يصدق عليه أنه فاروق، وهذه أحدى الدلائل على أن عمر بن الخطاب ليس هو الفاروق لأنه ليس معصوماً، بالإضافة الى انه قد وقعت منه حوادث مخالفة للكتاب والسنة وحتى أنه لم يعرف معاني بعض مفردات القرآن وحفظ سورة البقرة في «12» سنة، فقد ورد في تفسير القرطبي:
((... عن عبد الله بن عمر، قال: تعلم عمر سورة البقرة فى «12» سنة فلما ختمها نحر جزوراً ...))(16)
جهل عمر بكتاب الله:
أن عمر بن الخطاب كان يجهل كثيراً من المسائل والأحكام الدينية، وهذه الحقيقة تؤكدها الكثير من المصادر ليس الشيعية فقط بل تذكرها المصادر السنية حيث ذكر هذه الحقيقة كبار علماء السنة، حيث روى علماؤهم في كتبهم المعتبرة ومصادر المنتشرة، اعتراف عمر بن الخطاب نفسه بهذه الحقيقة، ومن المعلوم ان العلم بالمسائل الشرعية والأحكام هي شرط من شروط الإمامة والخلافة، اضافة الى انها شرط من شروط معرفة الحق ليكون فاروقاً بين الحق والباطل والجاهل بها لا يكون فاروقاً، وهناك الكثير من القصص التي وقعت لعمر تؤكد جهله بكتاب الله ومنها:
· ((... عن أنس: أن عمر قرأ على المنبر: «فأنبتنا فيها حباً ، وعنباً وقضباً ، وزيتوناً ونخلاً ، وحدائق غلباً ،ً وفاكهة وأبا»(17)، قال: كل هذا قد عرفناه فما الأب، ثم رفض عصا كانت في يده، فقال: هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا ندري ما الأبن، اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ومالم تعرفوه فكلوه إلى ربه)).(18)
· ((... عن أبي حزم بن الأسود: أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن الله تعالى يقول: «وحمله وفصاله ثلاثون شهراً»، وقال تعالى: «وفصاله في عامين»، فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين، فترك عمر رجمها، وقال: لولا علي لهلك عمر)).(19)
· ((قام عمر خطيباً، فقال: أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثني عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين! لم تمنعنا حقاً جعله الله لنا؟ والله يقول: «وآتيتم إحداهن قنطاراً»، فقال عمر كل أحد أعلم من عمر ...))(20).
والشواهد كثيرة وتحتاج مجلدات، وللمزيد منها راجع كتاب الغدير للأميني(21) حيث ذكر«100» نادرة ومسألة اخطأ فيها عمر، فمن كان هذا شأنه، فكيف يكون هو الفاروق بين الحق والباطل، وأين هو من صاحب اللقب الحقيقي الإمام علي «عليه السلام» القائل:
- ((... عن فضيل، عن محمد بن علي، قال: لما قال علي «عليه السلام» سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألونني، عن فئه تضل مائة، وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقتها وسائقتها، قام إليه رجل، فقال: أخبرني: بما في رأسي ولحيتي من طاقه شعر، فقال له علي «عليه السلام»: والله لقد حدثني خليلي أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكاً يلعنك، وإن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يغويك، وإن في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ...)).(22)
- ((... عن أبي الطفيل، قال: شهدتُ علياً وهو يخطب ويقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدَّثتُكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل ...))(23).
وعليه فإن المتتبع في السير يجد أن صفة الفاروق انفرد بها أمير المؤمنين علي «عليه السلام»، حيث أنه فرق بين ضرورة وجود خلفاء منصوص عليهم بعد النبي وبين أن تترك الأمة سدى تأخذ أحكام شريعتها من حكام عن طريق استحسانات خاطئة، ومصالح مرسلة، وسد ذرائع هاوية، وكما فرّق بين الجنة والنار، حيث الإمام علي «عليه السلام» كان هو قسيمهما، وشهدت بذلك كتب القوم وقد بينا ذلك سابقاً.(24)
الأحاديث:
1. عن الإمام الباقر «عليه السلام»: ((قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: خذوا بحجزة هذا الأنزع «يعني علياً»، فإنه الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل، من أحبه هداه الله ومن أبغضه أضله الله، ومن تخلف عنه محقه الله ...))(25).
2. ((.. عن عبد الرحمن بن سمرة قال قلت: يا رسول الله ارشدني إلى النجاة فقال: يا ابن سمرة إذا اختلفت الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فأنه إمام أمتي وخليفتي عليهم من بعدي وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل...))(26).
3. عن أبي ذر أنه قال: ((إني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل))(27).
4. عن أبي ذر قال سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول لعلي: ((انت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل وأنت يعسوب الدين))(28).
5. عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ((ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين))(29).
6. عن أبي سخيلة، قال: ((حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذر فكنا عنده ما شاء الله، فلما حان منا حفوف، قلت: يا أبا ذر، إني أرىٰ أموراً قد حدثت، وإني خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: إلزم كتاب الله عز وجل وعلي بن أبي طالب، فأشهد أني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل)).(30)
7. عن رسول الله «صلّى الله عليه وآله» قال: ((من أراد منكم النجاة بعدي، والسلامة من الفتن فليستمسك بولاية علي بن أبي طالب، فإنه الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، وهو ولي كل مسلم بعدي، من اقتدى به في الدنيا ورد عليّ حوضي، ومن خالفه لم يَرَه ولم يَرَني، فاختلج دوني وأخذ ذات الشمال إلى النار)).(31)
8. قال الإمام علي «عليه السلام»: ((أنا الصديق الأكبر، وأنا الفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام الناس، وصليت قبل صلاتهم)).(32)
9. عن ابن عباس، قال: ((صديق هذه الأمة علي بن أبي طالب «عليه السلام»، هو الأكبر، والفاروق الأعظم)).(33)
10. قال ابن شاذان والخوارزمي وغيرهم: ((من ألقاب علي بن أبي طالب «عليه السلام» الفاروق الأكبر)).(34)
الى غيرها من الأحاديث والروايات والأقوال لم نذكرها روماً للاختصار .....
ومن هنا يتضح أن لقب «الفاروق» خاص بأمير المؤمنين علي «عليه السلام»، وأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي وضعه له وأكد عليه، وعلى هذا فلا يصح إطلاق هذا اللقب على غير الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام».
الأحاديث المؤيدة:
من الأحاديث المؤيدة والمشهورة والأكثر وضوحاً والتي تثبت ان الإمام علي «عليه السلام» هو الفاروق بين الحق والباطل، وكذلك هي من الأحاديث التي تساعد في معرفة الحق والباطل من حيث أنها أحاديث تتعلق بشخصية الامام علي «عليه السلام»، فقد روي:
· ((... عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أنه قال: علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار)).(35)
· ((... عن أبي ثابت مولي أبي ذر قال: دخلت على أم سلمة، فرأيتها تبكي وتذكر علياً، وقالت: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول: علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة)).(36)
· ((... عن أم سلمة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، قال: علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)).(37)
وهذا الأحاديث تعني ان الحق كان يتبع الأمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» أينما ذهب، كما وإنه ليس الإمام علي «عليه السلام» فقط يتبع الحق، بل ان الحق كان للإمام علي «عليه السلام» كالظل الذي يرافق الانسان، فلو ان الانسان مشى وجلس ونام فان من الطبيعي ان يتبعه ظله بكل تصرفاته فهكذا كان الحق مع الإمام علي «عليه السلام» يدور معه حيثما دار.
وقد انفرد الإمام علي «عليه السلام» بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» هذا ولم يذكر هذا القول لأحد من الصحابة.
لذلك فانه بحسب هذا الحديث يعتبر الإمام علي «عليه السلام» هو الفاروق بين الحق والباطل وهو المعيار لاكتشاف حقيقة الأشياء والأشخاص وكونهم كانوا على الحق أم أنهم يمثلون الباطل، ومن يريد معرفة ذلك يستطيع بسهولة من خلال وضعهما في ميزان الامام علي «عليه السلام» عند ذلك سيكتشف حقيقة كل شيء ويعرف ان كان حقاً أم باطلاً.
وهذا الحديث كذلك يعني ويدل على العصمة، لذلك فأن من دلالات هذا الحديث أنه يدل على عصمة الإمام علي «عليه السلام»، لأن ملازمة الإمام علي «عليه السلام» مع الحق والقرآن يدل على عصمته، ولما كان القرآن والحق لا يخطئان والإمام علي «عليه السلام» عدلهما، وبذلك يكون هذا واحداً من الأدلة الدامغة على عصمة الإمام علي «عليه السلام» من الخطأ مطلقاً، وإلا كيف يكون الإمام علي «عليه السلام» مع القرآن والحق وهو غير معصوم فلابد ان يكون الإمام علي «عليه السلام» معصوم، وبالتالي يكون هو الفاروق لأن غيره لم تثبت عصمته.
· يقول الشيخ المفيد:
((وأجمعوا أن النبي «صلى الله عليه وآله»، قال: «علي مع الحق والحق مع علي، يدور حيثما دار»، وليس يجوز أن يكون من هذا وصفه يخطئ في الدين أو يشك في الأحكام)).(38)
· يقول الفخر الرازي:
((أما إن علي بن أبي طالب «عليه السلام» كان يجهر بالتسمية(39)، فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب «عليه السلام» فقد اهتدى، والدليل عليه قوله «عليه السلام»: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار»)).(40)
بالإضافة الى ذلك، فإن دلالة هذا الحديث على عصمة الإمام علي «عليه السلام» جاءت دون شرط أو قيد في مسألة الحق مع علي، بل جاء الأمر على نحو الأطلاق.(41)
لذلك كانت سيرة الإمام علي «عليه السلام» وفعله مع الحق، في جميع المجالات العلمية، والعملية، والشرعية، والعرفية، والاجتماعية، والأخلاقية، ويستحيل على الإمام أن يرتكب أي خطأ أو معصية، لأن ارتكاب المعصية والخطأ الواحد يؤدي إلى نقض أطلاق حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» في أن الحق دائماً مع علي «عليه السلام»، وبذلك يكون الفاروق حقاً هو الإمام علي «عليه السلام» لأن غيره وقع في العديد من الأخطاء.
شبهات وردود:
الشبهة (1):
سعى الكثير من المنحرفون عن الإمام علي «عليه السلام» الى سرقة الالقاب الربانية للإمام علي «عليه السلام» وخلعها على غيره، فكما أنتحلوا لقب الصديق الى ابي بكر، ولقب أمير المؤمنين الى عمر وغيرها من الألقاب الى آخرين، فزعموا هنا أيضاً ان لقب الفاروق هو لعمر بن الخطاب، ووضعوا لذلك عدة أحاديث وروايات باطلة، نذكرها مع الاستعانة بردود مركز الرصد العقائدي على هذه الروايات، ومنها:
الحديث الأول:
ما رواه أبو نعيم الأصفهاني في كتابيه حلية الأولياء، ودلائل النبوة:
(( .. عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الحميد بن صالح، عن محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: «سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: «فذكر حديث إسلامه إلى أن قال» .. فسماني رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يومئذ الفاروق، وفرق الله بين الحق والباطل ..))(42).
ويرد عليه:
هذا الحديث موضوع بلا مرية، فإنا لو غضضنا النظر عن السند ووجود محمد بن أبان بن صالح الكوفي، الذي ضعفه يحيى بن معين والبخاري والنسائي وابن حبان وغيرهم(43)، فإن في السند أيضاً إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، مولى آل عثمان بن عفان، الذي اتفقت كلمة نقاد الحديث والرجال على ضعفه وتركه.
- قال الزهري لما سمعه يرسل الأحاديث: (قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك على الله، ألا تسند حديثك؟ تحدث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة).
- وقال يحيى بن معين: (ليس بشيء، لا يكتب حديثه).
- وقال: (كذاب).
- وقال ابن خراش: (كذاب).
- وقال أحمد بن حنبل: (ما هو بأهل أن يحمل عنه ولا يروى عنه).
- وقال النسائي وأبو زرعة وأبو حاتم: (متروك الحديث).
- وقال الدارقطني: (متروك).
- وقال البخاري: (تركوه).
- وقال ابن عدي بعدما ترجمه وذكر بعض أحاديثه: (إسحاق ابن أبي فروة هذا ما ذكرت هاهنا من أخباره بالأسانيد التي ذكرت فلا يتابعه أحد على أسانيده ولا على متونه، وسائر أحاديثه مما لم أذكره تشبه هذه الأخبار التي ذكرتها، وهو بين الأمر في الضعفاء))(44).
ولهذا جعل المحدث الألباني الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة، وقال:
((منكر، أخرجه أبو نعيم في الحلية.. » ثم قال: « قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً)).(45)
الحديث الثاني:
روى ابن سعد في الطبقات الكبرى:
((.. عن أحمد بن محمد الأزرقي المكي، عن عبد الرحمن بن حسن، عن أيوب بن موسى، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: « إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحق والباطل »)).(46)
يرد عليه:
في السند أيوب بن موسى الأموي المكي، توفي سنة «132ه»(47)، وبينه وبين النبي فترة زمنية ولم يشاهده، وعليه ينبغي أن يكون قد سقط من الإسناد أكثر من اثنين، وعليه فالإسناد معضل.
يضاف لذلك:
أن في السند عبد الرحمن بن الحسن الزجاج الموصلي وقد ذكره ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل، قال:
((سألته «يعني أباه أبا حاتم» عنه، فقال: يكتب حديثه، ولا يحتج به)).(48)
ولهذا عد المحدث الألباني هذا الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة، وقال:
((ضعيف، أخرجه ابن سعد في الطبقات ...)) ثم قال: ((قلت: وهذا إسناد ضعيف ومعضل)).(49)
وقد بان لك وجه ضعفه وإعضاله، فلا اعتبار به بالمرة.
الحديث الثالث:
روى ابن سعد في الطبقات الكبرى، والطبري في تاريخه:
(( ... عن محمد بن عمر، عن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان، قال: « قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي (عليه السلام) »)).(50)
يرد عليه:
في السند محمد بن عمر هو الواقدي المعروف، ضعفه نقاد الحديث، ذكر ابن حجر العسقلاني في ترجمته في تهذيب التهذيب، قال:
((قال البخاري: الواقدي مدني سكن بغداد، متروك الحديث، تركه أحمد، وابن المبارك، وابن نمير، وإسماعيل بن زكريا، ...
وقال في موضع آخر:
- كذبه أحمد، وقال معاوية بن صالح: قال لي أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب، وقال لي يحيى بن معين: ضعيف.
- وقال مرة: ليس بشيء.
- وقال مرة: كان يقلب حديث يونس بغيره، ليس بثقة.
- وقال مرة: ليس بشيء...
- قال الشافعي فيما أسنده البيهقي: كتب الواقدي كلها كذب.
- وقال النسائي في الضعفاء: الضعفاء الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله «صلى الله عليه وآله» أربعة: الواقدي بالمدينة، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام، وذكر الرابع.
- وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه.
- وقال ابن المديني: عنده عشرون ألف حديث يعني ما لها أصل ، وقال في موضع آخر: ليس هو بموضع للرواية، وإبراهيم بن أبي يحيى كذاب وهو عندي أحسن حالا من الواقدي)).(51)
إلى غير ذلك من كلمات النقاد التي جاءت ناصة على كذبه ووضعه الحديث.
الحديث الرابع:
ذكر الواحدي في أسباب النزول، والبغوي في معالم التنزيل في تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت):
((قال الكلبي: عن أبي صالح عن ابن عباس: ... فنزلت هذه الآية وقال جبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل، فسمي الفاروق)).(52)
يرد عليه:
بغض النظر عن الواسطة بين الواحدي «ت468ه» وبين الكلبي، فإن الكلبي هو محمد بن السائب النسابة المشهور، وقد اتفقت كلمة نقاد الحديث على جرحه وضعفه:
- تركه يحيى وابن مهدي وغيره.
- وقال الدارقطني وجماعة: (متروك).
- وقال ابن حبان: (يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع منه شيئاً، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف..).
ومن شاء تفصيل حاله فليراجع الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي، والمجروحين لابن حبان، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني.
الحديث الخامس:
ما رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء، والطبراني في المعجم الكبير:
((.. عن علي بن جميل الرقي عن جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: « ما في الجنة ورقة أو قال: شجرة إلا مكتوب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين)).(53)
يرد عليه:
ذكر ابن عدي هذا الحديث ضمن الأحاديث المنكرة على ابن جميل في ترجمته، إذ قال:
((حدث بالبواطيل عن ثقات الناس، ويسرق الحديث))، ثم ساق هذا الحديث، وعلق عليه قائلا:
((وهذا لم يأت به عن جرير بهذا الإسناد غير علي بن جميل، وحلف عليه أن جرير حدثه، وقد سرقه من علي بن جميل رجل يقال له معروف بن أبي معروف البلخي، ومعروف هذا غير معروف)).
قال ابن حبان في المجروحين:
((يروي عن عيسى بن يونس وجرير، يضع الحديث وضعا، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه بحال))، ثم ساق له روايتين، إحداهما هذه الرواية، ثم علق بقوله: ((وهذان خبران باطلان موضوعان لا شك فيه، وله مثل هذا أشياء كثيرة يطول الكتاب بذكرها)).(54)
وعد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات وذكر كلامي ابن حبان وابن عدي.(55)
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: ((حديث ضعيف، في إسناده من تكلم فيه، ولا يخلو من نكارة)).(56)
الحاصل: هذا الحديث موضوع، وآفته علي بن جميل الكذاب الوضاع.
الحديث السادس:
ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن الجوزي في الموضوعات، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن محمد بن عبيد الله الحنائي، قال:
((أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الختلي، قال: حدثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي، قال: حدثنا محمد بن مجيب الصائغ، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوباً: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً)).(57)
يرد عليه:
هذا الحديث موضوع بلا شك، فإن في إسناده ثلاث رواة من الضعفاء:
أولهم: إسحاق بن إبراهيم الختلي، قال الحاكم: (ليس بالقوي)، وقال مرة: (ضعيف)، وقال الدارقطني: (ليس بالقوي).(58)
وثانيهم: عبد الرحمن بن عفان، قال يحيى بن معين: (كذاب مكذب).(59)
وثالثهم: محمد بن مجيب الصائغ، قال يحيى بن معين: (كذاب)، وقال أبو حاتم الرازي: (ذاهب الحديث)، وقال ابن عقدة: (منكر الحديث)، وذكر ابن غيلان: (أن أحمد وابن معين وأبا خيثمة ضربوا عليه)، وقال ابن عدي: (له أشياء غير محفوظة).(60)
قال ابن الجوزي بعدما أورد هذا الحديث : ((هذا حديث لا يصح عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأبو بكر الصوفي ومحمد بن مجيب كذابان، قاله يحيى بن معين)).(61)
وذكره ابن حجر في لسان الميزان في ترجمة الصوفي وقال: ((رواه الختلي في الديباج عنه، والمتهم به صاحب الترجمة)).(62)
وذكره الكناني في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة.(63)
الحاصل:
إن الأحاديث التي يرويها المخالفون في أن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» سمى عمر بن الخطاب بــ«الفاروق» هي أحاديث موضوعة، لا تصح أبداً، مروية من طرق الضعفاء والكذابين والوضاعين، كما نص على ذلك نقاد الحديث والرجال عند المخالفين.
من أطلق لقب الفاروق على عمر:
بعد أن عرفنا أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو من أطلق لقب الفاروق على الإمام علي «عليه السلام»، وبينا كذب الأحاديث الموضوعة التي تذكر ان رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي سماه بذلك، يأتي السؤال، اذن من الذي أطلق لقب الفاروق على عمر؟
تؤكد مصادر أهل السنة ان أهل الكتاب «اليهود» هم الذين لقبوا عمر بن الخطاب بلقب «الفاروق» وأن رسول «صلى الله عليه وآله وسلم» لم يلقب عمر بالفاروق:
· ففي تاريخ المدينة لابن شبه، قال:
((أخبرنا يعقوب بن ابراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان، قال: قال إبن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذكر من ذلك شيئاً)).(64)
وهذا الكلام أرسله إبن الأثير مُسلّماً به بعبارة: ((وقال إبن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق)).(65)
ومن المعلوم ان إبن شهاب الزهري:
- هو فقيه الدولة الاموية ويعتبره أهل السنة هو أعلم علماء «أهل السنة والجماعة» في زمانه.
- وهو الذي عبر عنه علماء أهل السنة بــ«الأعلم» و«الإمام» و«الحافظ» و«الفقيه» و«الحُجة» و«المتقن» ... وغير ذلك.
- وهو من التابعين الذين التقوا بمجموعة من الصحابة.
وبالتالي فإن الزهري هذا ينفي أن يكون قد ورد عن النبي «صلى الله عليه وآله» نص في تسمية عمر بن الخطاب بــ«الفاروق»، بل يقول إن الذي بلغه أن أهل الكتاب هم الذين بدؤوا بهذه التسمية، وقد رضي المسلمون «أهل السنة والجماعة» هذه التسمية وأخذوها من قول أهل الكتاب اليهود، وذكر هذا القول أيضاً الطبري في تاريخه:
· قال إبن جرير الطبري في تاريخه:
((... وكان يقال له الفاروق، وقد اختلف السلف فيمن سماه بذلك، فقال بعضهم سماه بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقال بعضهم أول من سماه بهذا الاسم أهل الكتاب)).(66)
محاولات فاشلة:
وبعد هذا فمن العجب قول صاحب متن اللغة:
- ((الفاروق: الذي يفرق بين الشيئين، لقب عمر بن الخطاب، لأنه أظهر الإسلام بمكة ففرق بين الكفر والإيمان)).(67)
ولنا هنا أن نتسائل كيف اظهر عمر إسلامه وهو الذي كان خائفاً، متخفياً في داره بعد أسلامه، فقد روي في صحيح البخاري:
((... عن عبد الله بن عمر عن أبيه «يعني عمر بن الخطاب»، قال: بينما هو في الدار خائفاً إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال: له ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك، بعد أن قالها، أمنت، فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه فكر(68) الناس)).(69)
هذا حال عمر عندما أسلم فكيف اظهر الإسلام بمكة ففرق بين الكفر والإيمان، وحتى ان حديث هجرته كانت بسرية ومتخفياً، ففي سيرة ابن هشام في هجرة عمر وقصة عياش وهشام معه:
- ((قال ابن إسحاق: ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي، حتى قدما المدينة، فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: اتعدت(70)، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب(71) من أضاة بني غفار(72)، فوق سرف(73)، وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن)).(74)
فالرواية تشير الى انهم تواعدوا بمكان يبعد عن مكة عشرة اميال وقالوا من يحبس يمضي صاحباه، اي أنهم كانوا يخافون الحبس وهذا ينافي الخروج جهراً.
أقرأ وأبكي أو أقرأ وأضحك فشر البلية ما يضحك.
شبهة (2):
أنكر البعض ان اليهود هم من أطلقوا لقب الفاروق على عمر بن الخطاب وقالوا ان ما ذكره ابن شبه في تاريخ المدينة:
((قال اخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا ان اهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا ان رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذكر من ذلك شيئاً))(75)، هي من الروايات الضعيفة التي لا يحتج بها.(76)
الجواب:
سند الرواية:
لابد أولاً من ذكر سند الروايه وننقلها كما ذكرها ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى:
((قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» ذكر من ذلك شيئاً))(77).
ورواة السند المذكور كلهم ثقات:
· فيعقوب بن ابراهيم:
- قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال:
((9798 - يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري - فثقة مشهور مكثر، مات سنة ثمان ومائتين)).(78)
- وفي الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي قال:
((6384 - يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري أبو يوسف، عن أبيه، وشعبة، وعنه أحمد، وعبد، حجة ورع، مات 208هـ)).(79)
· وابراهيم بن سعد:
- قال عنه ابن حاتم الرازي في الجرح والتعديل:
((283 - إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف روى عن أبيه وعن الزهري روى عنه أبو داود الطيالسي وابناه يعقوب وسعد، وأبو الوليد وأبو عمر الحوضي وسليمان بن داود الهاشمي وأحمد بن حنبل سمعت أبي يقول ذلك.
حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال، قال أبي: إبراهيم بن سعد أحاديثه مستقيمة.
حدثنا عبد الرحمن أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلى قال، قال أبي: إبراهيم بن سعه ثقة.
حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: قلت ليحيى بن معين: إبراهيم بن سعد ؟ قال ليس به بأس.
حدثنا عبد الرحمن قال كتب إلى يعقوب بن إسحاق نا عثمان بن سعيد الدارمي. قال قلت ليحيى بن معين: إبراهيم بن سعد أحب إليك في الزهري أو ليث بن سعد ؟ فقال كلاهما ثقتان، قال أبو محمد سمعت أبي يقول : إبراهيم بن سعد ثقة)).(80)
· وصالح بن كيسان:
- قال عنه الذهبي في الكاشف:
((2358 - صالح بن كيسان المدني، رأى ابن عمر وسمع عروة والزهري وعنه ابن عيينة وإبراهيم بن سعد والداروردي، ثقة، جامع للفقه والحديث والمروءة، قال أحمد: هو أكبر الزهري بخ بخ))(81)
· وابن شهاب الزهري:
- قال عنه في تذكرة الحفاظ «نذكر نص ماذكره رغم طوله»:
((... الزهري اعلم الحفاظ، أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، القرشي، الزهري، المدني، الامام، ولد سنة خمسين، وحدث عن ابن عمر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، ومحمود بن الربيع، وسعيد ابن المسيب، وأبي امامة بن سهل، وطبقتهم من صغار الصحابة وكبار التابعين، وعنه عقيل ويونس والزبيدي وصالح بن كيسان ومعمر وشعيب ابن أبي حمزة والأوزاعي والليث ومالك وابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وأمم سواهم.
قال أبو داود: حديثه الفان ومائتان، النصف منها مسند.
وقال معمر: سمع الزهري من ابن عمر حديثين.
قال الزهري: جالست ابن المسيب ثمان سنين.
قال أبو الزناد: كنا نطوف مع الزهري على علماء ومعه الألواح والصحف يكتب كلما سمع.
وروى أبو صالح عن الليث قال: ما رأيت عالماً قط أجمع من الزهري، يحدث في الترغيب فتقول لا يحسن إلا هذا، وان حدث عن العرب والأنساب قلت لا يحسن إلا هذا، وان حدث عن القرآن والسنة فكذلك، ..... الخ كلامه الطويل الذي تضمن مدح الزهري وعلمه ومكانته)).(82)
النتيجة:
اذن الرواية التي ذكرها ابن سعد في الطبقات رواية صحيحة.
ثم انه حتى لو لم تكن الروايات المذكورة صحيحة فهي كافية في رد استدلالكم بان عمر صاحب فضيلة ولقب يدل على عدالته وبالتالي تبنون على صحة منهجه واتجاهه لان الاحتمال الذي يتولد من تلك الروايات ولو قلنا بضعفها يبطل الاستدلال الذي تقيمونه على احقية عمر ومنهجه لان ذلك يحتاج الى دليل يقيني قطعي والاحتمال المذكور يبطله.(83)
الشواهد الشعرية:
لقد نظم الشعراء وذكروا في شعرهم لقب «الفاروق» للإمام علي «عليه السلام»، مما يدل على شيوع هذه اللقب بين المسلمين واشتهاره واختصاص الامام علي «عليه السلام» به شأنه شأن الكثير من ألقاب ومناقب وفضائل الإمام علي «عليه السلام»، والنماذج الشعرية في ذلك كثيرة لا يسع المجال لذكر الكثير منها، ولكننا نذكر ما يفي بالغرض، منها:
1. السيد الحميري:
ذكــرت إمرأً فـر عن مرحب ... فـــــرار الحـــمار مـــن القـــسـور
فـــأنـــكر ذاك جليـس لـكم ... زنـــيم أخـــو خـــلــــــق أعور
لحـــاني بحـــب إمــام الـــهــــــدى ... وفـــاروق أمـــتـــنـــا الأكــــــبــــــر
سأحـــلق لحيــــــتـــه إنــهـــا ... شـــهـود عـــلـــى الزور والمنكر
2. ابو محمد العوني:
قال في قصيدته المعروفة بالمذهبة:
وهـــــو فريق بلســـــان الأرمن ... فــاروقه الحــــق لكل مؤمن
تعرفه أعـلامهم في الزمن ... فاسأل به إن كنت ممن يعتني
تحقيــقه مـــــن كان أرمنيا
3. ابن حماد العبدي:
أخـــــذ الإله عـــــلى البــــرية كلها ... عـــــهدا لـــــه يــوم (الغدير) وثيقا
وغــــداة واخى المصطفى أصحـــابه ... جعــل الـوصي لــه أخا وشقيقا
فرق الضلال عن الهدى فرقى إلى ..... أن جــــاوز الجــــــوزاء والعــيوقا
ودعـــــاه أمـــــــــلاك السماء بأمـــــر من ..... أوحـــــى إليهـــم حــيدر الفاروقا
4. ابو القاسم الزاهي:
دع الشنـــاعات أيـــها الخدعه ..... واركـن إلى الحق وأغد متبعه
مـــــن وحــــــــــــد الله أولا وأبــــــى ..... إلا النـــــبي الأمـــــــــــــــي واتـــبعه
من قال فـيه النبي: كان مع ..... الحـق علي والحـــــــق كان معه
5. ابو محمد المنصور بالله:
أحــــــاط بالتــــــوراة والانجـــيل ..... وبالــــــزبور يــــــا ذوي التفـــضيل
عـلماً وبالــقرآن ذي التـــــنزيل ..... فـــــي قــــــوله المصدق المقبول
بل أيهم قال له: الحق معه ..... وهـو مع الحق الذي قد شرعه
ونختم هذا المقال:
بذكر مقطع من احدى زيارات الإمام علي «عليه السلام» حيث ورد هذا اللقب في كثير من الزيارات ومنها على سبيل المثال لا الحصر الزيارة التي وردت عند زيارة أمير المؤمنين «عليه السلام» ليلة المبعث وفي يوم المبعث، وهي الزيارة الثالثة من الزيارات الثلاث المخصومة لأمير المؤمنين «عليه السلام» ذكرها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان، ننقل منها موضع الشاهد:
((... السلام عليك ايها الوصي التقي، السلام عليك ايها الرضي الزكي، السلام عليك ايها البدر المضيء، السلام عليك ايها الصديق الاكبر، السلام عليك ايها الفاروق الاعظم، السلام عليك ايها السراج المنير، ...))
رزقنا الله في الدنيا زيارة أمير المؤمنين وفي الآخرة شفاعته، ... والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.
(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.
(3). معجم المعاني، مادة «فرق».
(4). لسان العرب لأبن منظور مادة «فرق».
(5). سوة المائدة: الآية/ 25.
(6). سورة المرسلات: الآية/ 4.
(7). سورة الدخان: الآية/ 4.
(8). سيتبين لنا لاحقاً عدم صحة هذا الأدعاء.
(9). مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهانى ص377.
(10). مجمع البحرين للطريحي ج5 ص226.
(11). معجم جمهرة لأبن دريد ج2 ص1206.
(12). تكرار هذا الأدعاء والذي سنبين كذبه يذكرنا بقول جوزيف غوبلز بوق الإعلام النازي في عهد هتلر: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس».
(13). شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميري توفي 573ه.
(14). سورة الفرقان: الآية /1.
(15). سورة الأنبياء: الآية/ 48.
(16). تفسير القرطبي ج1 ص34 ، وراجع: سيرة عمر لابن الجوزي ص165 ، شرح لابن أبي الحديد ج3 ص111 ، الدر المنثور للسيوطي ج1 ص21.
(17). سورة عبس: الآيات/ «27 - 28 - 29 - 30 – 31».
(18). الدر المنثور للسيوطي ج8 ص421، وراجع: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج2 ص514، كنز العمال للمتقي الهندي ج2 ص328.
(19). تفسير الرازي ج7 ص484، مناقب الخوارزمي ص57، الدر المنثور للسيوطي ج1 ص288 ، كنز العمال للمتقي الهندي ج3 ص96.
(20). تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص357، شرح صحيح البخاري للقسطلاني ج8 ص57.
(21). للأطلاع على بعض تلك المسائل، راجع: كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب للشيخ للأميني ج6 ص84 حيث ذكر«100» نادرة ومسألة اخطأ فيها عمر.
(22). شرح نهج البلاغة ج2 ص286.
(23). فتح الباري شرح صحيح البخاري لأبن حجر العسقلاني ج8 ص459، الاتقان للسيوطي ج4 ص233 ، تفسير عبد الرزاق الصنعاني ج2 ص241 ، الاصابة في معرفة الصحابة لأبن حجر ج4 ص467.
(24). راجع: مقالنا رقم«8»: من مناقب وألقاب الإمام علي «عليه السلام» 8. قسيم الجنة النار، المنشور على موقع براثا في 18 / 11/ 2021.
(25). بصائر الدرجات للصفار ص74، الإمامة والتبصرة لوالد الشيخ الصدوق ص111، بشارة المصطفى للطبري ص327.
(26). الأمالي للشيخ الصدوق ص78.
(27). الأمالي للشيخ الصدوق ص274.
(28). ذخائر العقبى ص56.
(29). أسد الغابة ج6 ص265 ، الاستيعاب ج4٤ ص307 ، الإصابة ج7 ص294 ، بشارة المصطفى ص152، المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص91.
(30). فضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» لابن عقدة الكوفي ص19 ، تاريخ دمشق لأبن كثير ج23 ص32 ، كنز العمال ج11 ص612 ، مجمع الزوائد ج9 ص124.
(31). اليقين لابن طاووس ص497.
(32). سنن ابن ماجة ج1 ص44 ، تاريخ الطبري ج2 ص310 ، فرائد السمطين ج1 ص248 ، المستدرك للحاكم ج3 ص111 ، ميزان الاعتدال ج3 ص101 ؛ خصائص النسائي ص29.
(33). نهج الإيمان ص513 ، اللوامع النورانية ص434، شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد المعتزلي ج1 ص30.
(34). الفضائل لابن شاذان ص174 ، المناقب للخوارزمي ص40 ، تنبيه الغافلين ص146 ، معجم الآداب في مجمع الألقاب ج2 ص486 ، مناقب آل أبي طالب ج3 ص329 ، العسل المصفى ج2 ص371.
(35). الفصول المختارة ص135 ، إعلام الورى ج1١ ص316، الفضائل لابن شاذان ص123 ، صحيح الترمذي ج3 ص166 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص312.
(36). تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص322 ، تاريخ دمشق لإبن عساكر ج42 ص449.
(37). ربيع الأبرار للزمخشري ج1 ص828 ، فرائد السمطين للحمويني ج1 ص177 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص134.
(38). الفصول المختارة للشيخ المفيد ص339.
(39). يجهر بالتسمية: يعني يجهر بالبسملة «بسم الله الرحمن الرحيم».
(40). تفسير الرازي ج1 ص207.
(41). الإمامة وأهل البيت «عليه السلام» للسيد محمد باقر الحكيم ص225.
(42). حلية الأولياء ج1 ص40، ودلائل النبوة ج1 ص241 وكلاهما لأبو نعيم الأصفهاني.
(43). ينظر الكامل في الضعفاء لابن عدي ج6 ص128 ت1631.
(44). ينظر ماتقدم: الكامل في الضعفاء ج1 ص326 ت152، تهذيب التهذيب ج1 ص210 ت449.
(45). سلسلة الأحاديث الضعيفة ج14 ص72.
(46). الطبقات الكبرى لأبن سعد ج3 ص270.
(47). تهذيب التهذيب ج1 ص361.
(48). الجرح والتعديل ج5 ص227.
(49). سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني ج7 ص63.
(50). الطبقات الكبرى لبن سعد ج3 ص270، تاريخ الطبري ج3 ص267.
(51). تهذيب التهذيب لأبن حجر العسقلاني ج9 ص334 وما بعده.
(52). أسباب النزول للواحدي ص107، معالم التنزيل للبغوي ج1 ص446.
(53). الكامل في الضعفاء لأبن عدي ج5 ص215، المعجم الكبير للطبراني ج11 ص63.
(54). المجروحين لأبن حبان ج2 ص116.
(55). الموضوعات لأبن الجوزي ج1 ص336.
(56). البداية والنهاية لأبن كثير ج7 ص231.
(57). تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج10 ص263، الموضوعات لأبن الجوزي ج1 ص337، تاريخ دمشق لأبن عساكر ج39 ص51.
(58). انظر: ميزان الاعتدال ج1 ص180.
(59). انظر: لسان الميزان ج3 ص424.
(60). انظر: تهذيب التهذيب ج9 ص379، ميزان الاعتدال ج4 ص24.
(61). الموضوعات لأبن الجوزي ج1 ص337.
(62). لسان الميزان لأبن حجر ج3 ص424.
(63). تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة للكناني ص351.
(64). تاريخ المدينة لأبن شبه ج2 ص662، الطبقات الكبرى لأبن سعد ج3 ص270.
(65). أسد الغابة في معرفة الصحابة لأبن الأثير ج4 ص57.
(66). تاريخ الطبري ج4 ص195.
(67). معجم متن اللغة لأحمد رضا، مادة «فرق».
(68). فكرّ الناس: «بتشديد الراء» أي رجعوا.
(69). صحيح البخاري ج4 ص242.
(70). اتعدت: اتَّعَدَ القوم، بمعنى وَعَدَ بعضهم بعضاً، أي أنهم تواعدوا على مكان معين.
(71). التناضب: جمع قلة للتنضبة شجرة برية معروفة، ضرب من الشجر تألفه الحرباء.
(72). أضاة بني غفار: هي الغدير يجمع من ماء المطر، موضع على عشرة أميال من مكة، وغفار: قبيلة من كنانة.
(73). سرف: موضع على ستة أميال من مكة.
(74). سيرة ابن هشام ج2 ص85 ، وصححها ابن حجر في الاصابة ج3 ص602 ، وصححها الهيثمي في مجمع الزوائد ج6 ص61.
(75). تاريخ المدينة لأبن شبه ج2 ص662.
(76). سؤال طرحه احد الأشخاص على مركز الأبحاث العقائدية.
(77). الطبقات الكبرى لأبن سعد ج3 ص270.
(78). ميزان الاعتدال للذهبي ج4 ص448.
(79). الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج2 ص393.
(80). ابن حاتم في الجرح والتعديل لأبن حاتم ج2 ص101.
(81). الكاشف للذهبي ج1 ص498.
(82). تذكرة الحفاظ ج1ص108.
(83). من اجابة مركز الأبحاث العقائدية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat