..ترجع معاناتنا نحن البشر في هذه الحياة، وفي قسمٍ كبيرٍ منها، إلى ما نقوم به أنفسُنا تجاه بعضنا البعض؛ فالبشر وعلى طول تاريخهم هم صانعو الأسلحة الفتّاكة وكلّ أدوات التعذيب وإزهاق الأرواح، وهم الساعون في سباق التسلّح، والمبتكرون للقنابل النوويّة والهيدروجينيّة، فكيف يمكن تحميل الإله الخالق مقتل طفلة دهسها شابٌ مخمور؟ أو مقتل شاب يوم زفافه جرّاء رصاصة طائشة أطلقها عابث بإرادته؟ البشر أحرار ومختارون لِما يفعلون، يتصرّفون كما يرغبون ويشتهون، وبطوع إرادتهم يخالفون القوانين الأخلاقيّة والإلهيّة الضابطة للسلوك الإنساني. وحين يفعلون كلّ ذلك بإرادتهم، ويتسبّبون بالكوارث والمِحَن والآلام، فلا معنى لأن نلوم الإله على تداعيات سلوكنا الطائش، ومخالفتنا للأنظمة والقوانين!
هل يفترض أن يسلبنا الإله الحرية والقدرة على الاختيار حتى يمنع حدوث الشرور والجرائم الناتجة عن أفعالنا؟ مؤكّد أنه لن يكون إلهاً حينئذٍ، ولا معنى لأن يخلقنا مسلوبي الإرادة والاختيار، وما لا معنى له يظل بلا معنى حتى لو كان محور الحديث فيه عن الإله الخالق!
نعم البشر عاطفيّون بالطبع، وحين يخوضون تجارب ومعاناة قاسية يرتفع فوران العاطفة لأعلى المستويات، فلا تنفعهم حجة عقليّة، أو يجدون صعوبة في تقبّلها والإذعان لها! مَن مِنّا لا تخطر في باله أُمنية أن يتدخل الإله الخالق في إنقاذ عزيز يخصّه ولو بمعجزة إذا داهمه خطر؟ ومَن مِنّا لا يجول في باله سؤال: لماذا لم يُنزل الإله صاعقةً على رأس المجرم الذي اغتصب الطفلة البريئة؟ ولماذا لا يتدخّل الإله ويعبث بقلب وعقل الطاغية المستبد منتهك الحُرمات؟ لكن هذه الأُمنيات والأسئلة عاطفيّة تغفل عن مجال المعجزة، وعن طبيعة التدخّل الإلهي في الكون الذي يكون عبر القوانين النافذة فيه، وعن أنّنا أحرار مسؤولون عن سعادتنا وتعاستنا!
وما أكثر الناس الذين لا يعترفون بالإله الخالق، ولا بتعاليمه وقت الرخاء، وينساقون خلف كلِّ ما يشتهونه ويفعلون كلّ ما يرغبون به، فإذا وقعت الواقعة نتيجة سلوكهم الرديء، اعترفوا بالإله الخالق عبر تحميله مسؤوليّة ما يحصل من عدوان وسوء تدبير لأفعالهم، لكنه اعتراف المعترض المنكر لا المؤمن المُقر!
وظيفة الإنسان أن يكافح ويجابه المظالم، وأن يقف بوجه الاستبداد والأنظمة الطاغوتيّة، وأن يُشيع القيم الأخلاقيّة والإلهيّة ويطبقهما في الحياة. وقد توعّد الإله الخالق الظلمة والمستكبرين والمفسدين في الأرض بالعقاب والخلود في جهنّم. لكن الغريب أن يأتي أصحاب النزعة الإنسانيّة والعاطفيّة ليستشكلّوا على هذه العقوبة، ويرونها منافيةً للرحمة الإلهيّة!
✍🏻 مازن المطوري
📚 سؤال الإله، ص ١٤٩- ١٥٠.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat