عند دراسة ثورة الحسين دراسة يقينية متأملة في حيثياتها الفكرية تدرك أنها ثورة روحية وليست عسكرية، سعت لإيقاظ إرادة الأمة وتحريك عزيمتها وبعثها من سباتها فكان للحسين عليه السلام ذلك، وتحققت أهدافه وهو المنتصر، وقد أصبح الشرارة وانطلقت الثورات تنادي يا حسين بدءًا من ثورة التوابين، وثورة المختار، وثورة زيد بن علي وثورة العلويين وثورة الحسين بن علي صاحب وقعة فخ.
شهيد فخ هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو عبد الله، وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قتل المنصور العباسي أباها وأخاها وزوجها وعمومتها وبنيهم أيام النفس الزكية.
هناك روابط متينة بين ثورة الحسين عليه السلام في كربلاء ووقعة فخ ليس من حيث الأسماء وإنما الوقائع أيضا، وشخصية الحسين من الشخصيات التي تميزت بالانتماء المجيد هو من أشراف الطالبيين، والفترة التي عاشها في حكم الهادي العباسي الذي لا يختلف عن يزيد الأموي من حيث القسوة وعطش الدماء، وممارسة القمع والإرهاب معهم، مما اضطرهم إلى إعلان الثورة عليه حيثما توفرت الفرصة لذلك.
لم يركز الهادي العباسي على الشخصيات الرئيسية فقط بل مارس القسوة على الانتماء العلوي ومارس عليهم شتى أنواع التعذيب من إرهاب وتهديد وخوف وقطع الأرزاق من أجل تجويعهم وعوائلهم، والناس تلجأ إلى الحسين فخ لتشتكي جور الطغاة.
فقرر الحسين الثورة، وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة (169 ه)، وبايعه الناس على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، والدعوة إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية، وجهاد العدو.
واستولى الحسين على المدينة فاستخلف عليها دينار الخزاعي، وخرج قاصداً مكة ومعه زهاء ثلاثمائة من أهله ومواليه وأصحابه، فلما صاروا بفخ بلده في ضواحي مكة تلقتهم الجيوش العباسية، في يوم التروية سنة (169 ه)، وكان القتال شديداً، فانهزم من كان معه، وصبر لهم الحسين محتسباً حتى قتل مع جماعة من أهله، وحملوا رؤوسهم إلى الهادي العباسي مع جمع من الأسرى فأمر بهم فضربت أعناقهم.
وذكر الرواة أنه حين جاء الجند بالرؤوس إلى عرش السلطة، تقدم موسى بن جعفر عليهما السلام فقيل له: «هذا رأس الحسين. قال: نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى واللّه مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله، فلم يجبه أحد بشيء».
واقترف العباسيون أبّان هذه الحرب جرائم تشابهت مع جرائم الأمويين في كربلاء، فقد رفعوا رؤوس العلويين على الرماح، وطافوا بأسراهم في الأقطار وهم مقيدون بالسلاسل، ثم أجهزوا عليهم فقتلوهم صبراً وصلبوهم، وتركوا شهداء أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله مجزرين تسفي عليهم الريح مبالغة منهم في التشفّي والانتقام.
ذكر المؤرخون: بقي قتلاهم ثلاثة أيام دون أن توارى في الثرى حتى أكلتها الحيوانات الضارية والطيور الجارحة، ولهذا يقال: لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ.
وروى أبو نصر البخاري عن أبي جعفر الجواد عليه السلام أنه قال: «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ».
ونجا من تلك المعركة الدموية إدريس بن عبد الله بن الحسين، ذهب إلى مصر ثم إلى المغرب أسس فيها عام 172هـ الدولة الإدريسية التي سميت باسمه وتعتبر ثاني دولة إسلامية مستقلة عن الخلافة العباسية وقد التفت من حوله القبائل العربية البربر وغيرهم من تلك البلدان بعد أن عرفوه أنه من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
هيأ هارون العباسي جيشا جرارا للقضاء على الدولة ومؤسسها فكان القدر أسرع من مرتزقة هارون، توفى إدريس إلى رحمة ربه باعتباره راية من رايات الحسين وثورة الطف العظيمة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat