لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" الكره ومشتقاتها في القرآن الكريم (ح 9)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

وردت كلمة كره ومشتقاتها في القرآن الكريم: كُرْهٌ، تَكْرَهُوا، إِكْرَاهَ، وَكَرْهًا، كَرْهًا، كَرِهْتُمُوهُنَّ، كَارِهِينَ، لَكَارِهُونَ، كَارِهُونَ، وَكَرِهُوا، تُكْرِهُ، يَكْرَهُونَ، أُكْرِهَ، مَكْرُوهًا، أَكْرَهْتَنَا، يُكْرِههُّنَّ، إِكْرَاهِهِنَّ، كَرِهُوا، وَكَرَّهَ، فَكَرِهْتُمُوهُ. جاء في معاني القرآن الكريم: طوع الطوع: الانقياد، ويضاده الكره قال عز وجل: "ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت 11)، "وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها" (ال عمران 83). كره قيل: الكره والكره واحد، نحو: الضعف والضعف، وقيل: الكره: المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، والكره: ما يناله من ذاته وهو يعافه. وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنبات، وعلى ذلك قوله: "ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال" (الرعد 15)، وقوله: "يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله" (النحل 48)، فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم.
قال الله تعالى عن كرها "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" ﴿آل عمران 83﴾ طوعا اسم، كرها اسم، طوعاً: انقياداً، طَوْعاً و كَرْهاً: فالمؤمن استسلم طوعاً و الكافر كرهاً، أيريد هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب غير دين الله وهو الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن كل مَن في السموات والأرض استسلم وانقاد وخضع لله طواعية كالمؤمنين ورغمًا عنهم عند الشدائد، حين لا ينفعهم ذلك وهم الكفار، كما خضع له سائر الكائنات، وإليه يُرجَعون يوم المعاد، فيجازي كلا بعمله، و "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" ﴿الرعد 15﴾ ولله وحده يسجد خاضعًا منقادًا كُلُّ مَن في السموات والأرض، فيسجد ويخضع له المؤمنون طوعًا واختيارًا، ويخضع له الكافرون رغمًا عنهم، لأنهم يستكبرون عن عبادته، وحالهم وفطرتهم تكذِّبهم في ذلك، وتنقاد لعظمته ظلال المخلوقات، فتتحرك بإرادته أول النهار وآخره.
من اوقات الاستجابة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" (الرعد 15) كما جاء عن ابي عبد الله عليه السلام. عن أبي جعفر عليه السلام (قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه).
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: فقوله "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ" (الصف 8) أي بالنفخ بالأفواه كما يطفأ الشمعة بالنفخة كناية عن أنهم زعموا أن نور الله وهو دينه نور ضعيف كنور الشمعة يطفأ بأدنى نفخة فرموه بالسحر وانقطاع نسبته إلى الله. وقد أخطئوا في مزعمتهم فهو نور الله الذي لا يطفأ وقد شاء أن يتمه ولو كره الكافرون والله بالغ أمره، وهو قوله "وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ" (الصف 8). قوله تعالى "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (الصف 9) الإضافة في "دِينِ الْحَق" بيانية كما قيل، والظاهر أنها في الأصل إضافة لامية بعناية لطيفة هي أن لكل من الحق والباطل دينا يقتضيه ويختص به ، وقد ارتضى الله تعالى الدين الذي للحق وهو الحق تعالى فأرسل رسوله. وإظهار شيء على غيره نصرته وتغليبه عليه ، والمراد بالدين كله كل سبيل مسلوك غير سبيل الله الذي هو الإسلام والآية في مقام تعليل قوله في الآية السابقة "وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ" (الصف 8)، والمعنى: والله متم نوره لأنه هو الذي أرسل رسوله بنوره الذي هو الهدى ودين الحق ليجعله غالبا على جميع الأديان ولو كره المشركون من أهل الأوثان. فقد كان الدين هو المبغوض عندهم دون أهل الدين إلا من جهة دينهم الحق فلم يكن في قصدهم إبادة المسلمين وإفناء جمعهم بل إطفاء نور الله وتحكيم أركان الشرك المتزلزلة المضطربة به ، ورد المؤمنين كفارا كما مر في قوله "لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً" (البقرة 109) قال تعالى "يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (الصف 8-9). وقال تعالى "فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ" (المؤمنون 14). قوله تعالى "وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى" (النحل 62) إلى آخر الآية، عود إلى نسبة المشركين إليه تعالى البنات واختيارهم لأنفسهم البنين وهم يكرهون البنات ويحبون البنين ويستحسنونهم. قوله تعالى "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" (البقرة 216) والكره بضم الكاف المشقة التي يدركها الانسان من نفسه طبعا أو غير ذلك ، والكره بفتح الكاف : المشقة التي تحمل عليه من خارج كأن يجبره إنسان آخر على فعل ما يكرهه ، قال تعالى "لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها" (النساء 19)، وقال تعالى "فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت 11)، وكون القتال المكتوب كرها للمؤمنين إما لان القتال لكونه متضمنا لفناء النفوس وتعب الابدان والمضار المالية وارتفاع الامن والرخص والرفاهية، وغير ذلك مما يستكرهه الانسان في حياته الاجتماعية لا محالة كان كرها وشاقا للمؤمنين بالطبع، فإن الله سبحانه وإن مدح المؤمنين في كتابه بما مدح، وذكر ان فيهم رجالا صادقين في إيمانهم مفلحين في سعيهم، لكنه مع ذلك عاتب طائفة منهم بما في قلوبهم من الزيغ والزلل، وهو ظاهر بالرجوع إلى الآيات النازلة في غزوة بدر وأحد والخندق وغيرها، ومعلوم ان من الجائز أن ينسب الكراهة والتثاقل إلى قوم فيهم كاره وغير كاره واكثرهم كارهون، فهذا وجه. وإما لان المؤمنين كانوا يرون ان القتال مع الكفار مع ما لهم من العدة والقوة لا يتم على صلاح الاسلام والمسلمين، وان الحزم في تأخيره حتى يتم لهم الاستعداد بزيادة النفوس وكثرة الاموال ورسوخ الاستطاعة، ولذلك كانوا يكرهون الاقدام على القتال والاستعجال في النزال، فبين تعالى أنهم مخطئون في هذا الرأي والنظر، فإن لله أمرا في هذا الامر هو بالغه، وهو العالم بحقيقة الامر وهم لا يعلمون إلا ظاهره وهذا وجه آخر. قوله تعالى "وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم" (البقرة 216)، قد مر فيما مر ان أمثال عسى ولعل في كلامه تعالى مستعمل في معنى الترجي ، وليس من الواجب قيام صفة الرجاء بنفس المتكلم بل يكفي قيامها بالمخاطب أو بمقام التخاطب ، فالله سبحانه إنما يقول : عسى ان يكون كذا لا لانه يرجوه ، تعالى عن ذلك ، بل ليرجوه المخاطب أو السامع.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" (الرعد 15). عبارة "طوعاً وكُرهاً" يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم ، وأمّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعيّة التي تسير بأمر الله إن شاؤوا وإن أبوا. و(الكُره) بضمّ الكاف تعني الكراهية في داخل الإنسان، و (كَره) بفتح الكاف ما حُمل عليه الإنسان من خارج نفسه ، وبما أنّ الأشخاص غير المؤمنين مقهورون للعوامل الخارجية وللقوانين الطبيعيّة، إستعمل القرآن (كَره) بفتح الكاف. ويحتمل في تفسير "طوعاً وكرهاً" أنّ المقصود من "طوعاً" هو التوافق والميل الفطري والطبيعي بين الإنسان والأسباب الطبيعيّة (مثل حبّ أي إنسان للحياة) والمقصود من "كَرهَاً" هو ما فُرض على الإنسان من الخارج مثل موت أحد الأشخاص بسبب المرض أو أي عامل طبيعي آخر.
عن كتاب رفع الشبهات عن الانبياء عليهم السلام للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس 99). هل حصل الاكراه من الرسول صلى الله عليه واله وسلم؟. وكيف كان نوع الاكراه؟. ولماذا لم يلتزم صلى الله عليه واله وسلم : "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 256)؟. الجواب: بسمه تعالى: لم يحصل ذلك أطلاقا ً إلا ما حصل من الحروب النبوية. والاية لا تريد بيان ذلك ولا الاحتجاج عليه وانما الذي يظهر منها: ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لمدى حرصه على أيمان الناس، كان يود لو كانت له فرصة أكراه الناس على الايمان. فهي تنفي ذلك وان يبعد النبي ذلك عن ذهنه.
جاء في صحيفة المثقف صفحة دراسات و بحوث عن دلالة كلمة شريعة في القرآن الكريم للكاتب علي جابر الفتلاوي: أن الله تعالى ترك للإنسان حرية الاختيار في معتقده وفكره ودينه، وحمّله مسؤولية فعله، لكن الرحمة الإلهية دائما ترعى الإنسان ولن تتركه لذاته، بل دائما ما يذكّرنا الله تعالى بطريق الخير ويدفعنا إليه بوسائل عديدة، منها أنّه يبشرنا بالفوز بالجنة في الآخرة، ويحذرنا من طريق الشرّ وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة، يحثنا ولا يجبرنا، يحذرنا ولا يُكرِهنا، ويبصّرنا بطريق الخير الذي يوصلنا إلى نعيم الجنة، كذلك يحذرنا من طريق الشر الذي يؤدي بنا إلى عذاب النار في الآخرة، إنه تعالى رؤوف رحيم، فأرسل الانبياء مبشّرين ومنذرين، لكنْ من غير إكراه، قال تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256) الإنسان مخير بين أن يؤمن أو يكفر، وحتى المؤمنون بالله ليسوا من لون واحد تعددت الأديان، بل تعددت المذاهب في الدين الواحد، وهذا الإختلاف سُنّة إلهية لابد وأن تتحقق بقوانينها ونتائجها، علينا أن نفهم أن الإختلاف إرادة وسنّة إلهية. الله تعالى أراد للإنسان أن يختار الشرعة والمنهاج الذي يريد من غير إجبار أو إكراه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat