قراءة جديدة في فرضية (الغدر والخذلان) الأموية
حسين المياحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسين المياحي

يكفي الباحث مراجعة سريعة للتاريخ، ليعثر على صورة أموية واضحة المعالم، أنتجتها مصانع المؤرخين، ثلم تلقفها غالبية الشيعة من بعدهم لأسباب عديدة، وروج لها أتباع بني أمية حتى يومنا هذا.
فقد نقل الطبري عن أبي مخنف، عن مجالد بن سعيد، ، أن مسلماً تفرق عنه أصحابه "ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان. والتفت فإذا هو لا يحس أحداً يدله على الطريق، ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو. فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها" تاريخ الطبري٤: ٢٧٧.
وقال قبل ذلك في الرواية ذاتها نقلاً عن أبي مخنف قال:
"حدثني المجالد بن سعيد، أن المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها، فتقول: انصرف، الناس يكفونك. ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر، انصرف.
وهي رواية تختصر قصة خالدة استمر تداولها بين الناس، فأصبحت كالمقدس الذي لا يجوز مناقشته.
هذه الرواية انتشرت بين الناس كالنار في الهشيم، ودخلت في مصادر الشيعة ومنابرهم وأشعارهم، ولا زلنا نجترها حتى يومنا هذا، بل رتبنا عليها آثاراً، وأقنعنا أنفسنا أننا حقاً (أهل غدر وخذلان) كأسلافنا، وراح بعضهم يكرر القول: القوم أبناء القوم.
لم يسأل الشيعة أنفسهم: من هو مجالد بن سعيد؟ وعمّن أخذ هذه الرواية؟
مجالد بن سعيد من رواة الخط الأموي، وكثيراً ما يروي أمثال هذه الروايات عن الشعبي، وما أدراك ما الشعبي!
أضف إلى ذلك أن مجالد ضعفه جمهور أهل السنة، ولم يعتمدوا رواياته، فضلاً عن كون الرواية مرسلة، تنتهي عند مجالد، الذي توفي سنة ١٤٤ للهجرة، ولم يكن حاضراً تلك الأحداث.
كما أن الكثير من منابر الشيعة وقرّاء العزاء والرواديد والشعراء لم يسألوا أنفسهم: هل تخاذل عن مسلم أعلام الأنصار، ممن كانوا معه في الكوفة، ومنهم: حبيب بن مظاهر، وأبو ثمامة الصائدي، وعابس بن شبيب الشاكري، ومسلم بن عوسجة، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وعبد الله الأرحبي، وعمرو بن خالد الصيداوي، وأمثالهم؟
هؤلاء جميعاً استشهدوا مع الحسين (ع) وكانوا قبل ذلك قد بايعوا مسلماً، وكانوا معه في الكوفة حتى استشهاده، فهل تركوا سيدهم وحده وخذلوه كسائر الناس، بحيث لم يجد من يدله على الطريق؟
وما هذه الشجاعة الأسطورية التي نزلت عليهم فجأة فقاتلوا دون الحسين ع حتى الموت؟
وإن كانوا كذلك: فماذا نصنع بقول الحسين (ع): "اللهم إنك تعلم أني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت خيراً من أهل بيتي..."
مقاتل الطالبيين: ٧٤.
الطبري٤: ٣١٧. واللفظ للأول.
بقيت هذه الأسئلة طيّ الكتمان، وضاعت في صخب الترويج لأساطير المؤرخين، وتخيلات الشعراء، وبعض قرّاء العزاء، حتى يومنا هذا، وتربّت أجيال الشيعة على كذبة كذبها الأمويون، وصدّقها خصومهم، وهو من أعجب العجب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat