حين مطالعة سيرة ومنهج الزهراء (عليها السلام) تقف الأذهان حائرة في فهم عظمتها، وفي بعض الأحيان تتراءى للقارئ أنها مفهومة وممكن تفسيرها للوصول لمعانيها و حين البحث يأخذه صعق السهل الممتنع كلما يتعمق أكثر لفهم المحتوى ويغوص كأنها بحر لا نهاية لعمقه ،
الزهراء عليها السلام شخصية سماوية وهي ترجمان لمفاهيم القرآن الكريم بكل ما للغة الإعجازية من باطن ومعنى.
كنت أقرأ الخطبة الفدكية وأنا أتعجب من مفرداتها وطريقة الاستدلال والمعاني البلاغية محاولة بحث ما يمكن بحثه لكن كلما دخلت بكلمة فتحت لنفسي أبواب وأسئلة حتى شعرت أني بدأت أحلق في رحاب طائر أفكاري
فأرجع لنفسي وأقرأ ثانية لعلي أكتشف سرا أو رسالة تتضمنها كلماتها الرسالية
وأكثر ما أثار دهشتي هي في بداية استعدادها لألقاء الخطبة الفدكية
هذه الخطبة العظيمة بكل معانيها الكبيرة وأبعادها اللغوية والاستدلالية والقرآنية والبيانية، فالزهراء عليها السلام لديها هدف تصبو إليه ولابد من أتخاذ هذا الطريق لتحقيق غرضها.
لماذا تبدأها بأنة؟ الزهراء عليها السلام خرجت لغاية وهدف وهو إرجاع الناس لفكر محمد صل الله عليه وآله وسلم وللقران الكريم للعقائد وللفروع فهي من أصحاب الكساء والذين شملتهم إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، حين تريد التكلم والتحدث وإصدار أي فعل فهي تقصد ذلك وتريده وتؤكد عليه أيضا، كونها الحجة وأم الحجج كما قال الصادق عليه السلام نحن حجج الله وأمنا فاطمة حجة علينا.
إذًا ماذا أرادت الزهراء من هذه الأنة وكيف تجاوب الحضور معها، وماهي ردود الفعل التي أحدثتها هذه الأنة المباركة ولماذا اختارت أن تبدأ بأنة قبل الانتقال إلى الخطبة الاستدلالية عقلا وقرآنا وسنة.
وقفت متأملة، وقررت أن أبحر وقلمي مجدافي لعلي أصل إلى مرسى كلمات تستطيع تقديم بعض الإيضاح والجواب لتساؤلي.
إلى أن وصلت لبعض الاختيارات وربما هي تفسيرات فقيرة جدا حسب وجهة نظري للأمر.
١/ الزهراء عليها السلام أرادة إثارة إنسانية الإنسان فالإنسانية وحدها تستطيع فهم مقولة الزهراء عليها السلام
وهي الاستثناء حتى من الإنسان فضلا عن البشر، استهدفت أغوار النفوس لتحي ما يمكن إحياءه من خصائص الإنسانية كالرأفة والرحمة واللطف والتعاطف لتكون معها تواصل ليتحقق الإنصات المطلوب وهذا فن ومهارة للتأثير بهم.
٢/إرادت بهذه الأنة إيقاظ الضمير من سباته لأن الغفلة وحب الشهوات والتكاسل والرضوخ أخذت مأخذها مع القوم وهذا يجعل الفرد تابعا معطلا للبهِ، فأحياء الضمير يدفع الفرد إلى طرق الخيرات والصواب.
٣/ استثارة الفطرة لأن نداء الإيمان منها، إنها سلام الله عليها تريد التطهير لهم من دنس ما ذهبوا إليه، بأنتها أحدثت ثورة بكاء والبكاء يجلي الشوائب
عن الفطرة ويفعل فعله كما الاستغفار، إرادة إرجاعهم إلى نور الهداية ومنطلقة من الفطرة.
هل انتهيت لا، ما زال التساؤل مطروحا، هنالك شي ما أكيد أرادته الزهراء عليها السلام شيء لا يخطر على فكر البشر تريده هي سعت للوصول إليه وهو مرتبط بجوانب تنمية الذات، أقول ذلك وأنا متأكدة أن أنينها ليس فقط صوت أو شكوى المتوجعة.
نعم هي متوجعة ومتألمة ليس جسما فقط وإنما وجع نبوة رسالة أبيها محمد صل الله عليه وآله وسلم ووجع إمامة وخلافة وصيه وزوجها أمير المؤمنين، ومع ذلك فإنها سلام الله عليها إرادة وفعلت كل ما بوسعها لانتشال الناس إلى الكمال من خلال إرجاعهم لتكاليفهم ومسؤولياتهم تجاه وصية نبيهم ومساندة إمامهم فهي صرحت ووضحت بكل المعاني وبكل اللغات المنطوقة وغير المنطوقة بحركاتها وأنينها وسكناتها.
فهي قد سدت فجوة في الأمة الإسلامية بخروجها واحتجاجها نعم لقد اذخرها الله لهذا الأمر العظيم ليتم بوجودها مشروع النبوة والإمام، إذ دورها كان تتميما للغرض الإلهي، ففاطمة نور العرش وبنورها يهتدي المؤمنون كما روي عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ العَرْشِ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فَقَذَفَه فَأَصَابَنِي ثُلُثُ النُّورِ وَأَصَابَ فَاطِمَةَ ثُلُثُ النُّورِ وَأَصَابَ عَلِيّاً وَأَهْلَ بَيْتِهِ ثُلُثُ النُّورِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى إِلَى وَلايَةِ آلِ محمّد وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ ضَلَّ عَنْ وَلايَةِ آلِ محمّد»1
إذًا تلك هي أنة فدكية.
1 (الخصال، الصدوق، ج1، ص187 - 188.)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat