علي الاكبر أول شهيد لآل البيت في واقعة الطف (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

نشرت الحلقة الاولى من المقال قبل سنة.
ان الحسين عليه السلام رمى الدم بيده الشريفة ثلاث مرات الى الاعلى ولم تسقط منه قطرة أولها دم علي الأكبر وثانيها دم ابنه الرضيع وثالثها دمه الشريف. يقول المرحوم الشيخ أحمد الوائلي في رثلئه لعلي الأكبر: هــل مــن سـبـيل لـلـرقاد الـنائي * لــيـداعـب الأجــفـان بـالإغـفـاء أم إن مـا بـين المحاجر والكرى * تـــرة فـــلا يـألـفـن غـيـر جـفـاء أرق إذا هــدأ الـسمير تـعوم بـي * الأشـواق فـي لـجج من البرحاء أقسمت أن أرخى الظلام سدوله * أن لا أفــارق كـوكـب الـخـرقاء فــإذا تـولـى الـلـيل أسـلمني إلـى * وضـح الـنهار مـحطم الأعضاء لا عضو لي إلا وفيه من الجوى * أثـــر يـجـر إلـيـه عـيـن الـرائـي قلق الوضين أبيت بين جوانحي * هـمـم تـحـاول مـصعد الـجوزاء.
جاء في کتاب مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم عن مقتل علي الأكبر: ورجع علي الأكبر إلى الميدان مبتهجاً بالبشارة الصادرة من الإمام الحجّة عليه السّلام بملاقاة جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم فزحف فيهم زحفة العلوي السّابق ، وغبَّر في وجوه القوم ولَم يشعروا أهو الأكبر يطرد الجماهير من أعدائه أم أنّ الوصي عليه السّلام يزأر في الميدان؟ أم أنّ الصواعق تترى في بريق سيفه فأكثر القتلى في أهل الكوفة حتّى أكمل المئتين؟. فقال مرّة بن منقذ العبدي: عليَّ آثام العرب إنْ لَم أثكل أباه به فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسّيف على رأسه ففلق هامته، واعتنق فرسه فاحتمله إلى معسكر الأعداء، وأحاطوا به حتّى قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً. ومحا الردى يا قاتلَ اللهُ الردى * منه هلالٌّ دجى وغرة فرقد يا نجعة الحيَّيْن هاشم والندى * وحمى الذماريْن العلى والسؤدد كيف ارتقت همم الردى لك صعدة * مطرورة الكعبين لم تتأوَّد أفديه من ريحانة ريّانة * جفَّت بحرّ طما وحرّ مهنّد بكر الذبول على نضارة غصنه * إن الذبول لآفة الغصن الندي لله بدرٌ من مراق نجيعه * مزج الحسام لجينه بالعسجد ماء الصبا ودم الوريد تجاريا * فيه ولاهب قلبه لم يخمد لم أنسه متعمّما بشباالظبى * بين الكماة بالاسنَّة مرتدي خضبت ولكن من دمٍ وفراته * فاخضر ريحان العذار الأسود. ونادى رافعاً صوته: عليك منّي السّلام أبا عبد الله، هذا جدّي قد سقاني بكأسه شربةً لا أظمأ بعدها ، وهو يقول : إنّ لك كأساً مذخورةً. فأتاه الحسين عليه السّلام وانكبّ عليه واضعاً خدّه على خدِّه وهو يقول: (على الدنيا بعدك العفا، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول، يعزّ على جدّك وأبيك أنْ تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك). ثمّ أخذ بكفّه من دمه الطاهر ورمى به نحو السّماء فلَم يسقط منه قطرة وفي هذا جاءت زيارته: (بأبي أنت واُمّي من مذبوح ومقتول من غير جرم، بأبي أنت واُمّي دمك المرتقى به إلى حبيب الله، بأبي أنت واُمّي من مقدّم بين يدَي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبُه، يرفع دمك إلى عنان السّماء لا يرجع منه قطرة، ولا تسكن عليك من أبيك زفرة). وأمر فتيانه أنْ يحملوه إلى الخيمة، فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه.
جاء في موقع براثا للكاتب محمد شرف الدين عن شعارات عاشورائية / 6: الشاب المحمدي الحسيني علي الأكبر عليه السلام ارتجز أمام العدو وبكل قوة أنه (تالله لا يحكم فينا ابن الدعي) أي أنه عدم القبول بحكومة غير شرعية ولا ترتبط بالإسلام الذي هو قانون الحق تعالى في الأرض من مبادئ ونظريات المسلمين فضلاً عن المؤمنين، فلا يقبل الشاب المؤمن الواعي بالعمل وفق حكم الكافر لقوله تعالى "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به" (النساء 60)، بل حتى اذناب الكفار وعملائهم لا يبقى أيضا بحكومتهم. وهذه النظرية لها مرتكزات قرآنية متوزعة على الآيات الكريمة، نشير إلى بعضها "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" (ص 26)، و"وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (المائدة 47)، و "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (المائدة47)، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" (المائدة 57)، و "فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة 44) وغيرها من الآيات الكريمة. وليس المراد من الحكومة الإسلامية أن يكون الحاكم مجرد انسان مسلم فقط ، حيث صرح العلماء الفقهاء رضوان الله على الماضين وحفظ الباقين، بأنه ينبغي أن يكون على رأس هذه الحكومة فقيه من الفقهاء ولا يكفي أن يكون مجرد مسلم إلا إذا كان تحت سلطة الفقيه، حيث أن مرادهم من الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي على الناس. هي السلطة الشرعية التي تستمد شرعيتها من الله تعالى على نحو مباشر أو غير مباشر حيث يلقى على عاتقها مسؤولية تحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ الشريعة و تطبيقها والتصدي لكافة الشؤون العامة للمجتمع. وهذه الحكومة الإلهية أو السلطة الشرعية من البديهي لا تتحقق بمجرد اسلام الحاكم أو إيمانه بل لابد من علمه بالتعاليم الإلهية، وهذا لا يتحقق إلا في الفقيه العادل. ثم يمكن معرفة جنبة أساسية في هذا الشعار العلوي ،ألا وهي عدم الرضوخ والقبول بحكومة الفاسق أو الظالم أو الكافر بل يجب مواجهتها والتصدي لها بكل وسيلة تمنع تسلطها على رقاب المسلمين، وهذا ما فعله ذلك الشاب الحسيني لما نزل لميدان مواجهة الطواغيت وهو لا يبالي بأنه يقع على الموت أو يقع الموت عليه، فسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دونه ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat