البُعد القرآني في موقف الحرّ بن يزيد الرياحي
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

العدول من جهة الباطل الى جانب الحق في الأوقات الحرجة والمهمّة والتي يحتاج فيها الحق للنصرة من المواقف التي وثّقها القرآن الكريم تخليداً وتعظيماً لها ودعوة لنا للتأسّي بها ايضا ..
وهي تحتاج الى توفيق خاص وقوّة قلب عالية ( وَأَشْجَعُ النَّاسِ مَنْ غَلَبَ هَوَاه ) - كما عن الرسول ص وآله - ، وكذلك تحتاج الى حسابات دقيقة للموقف في حينها ، وبالتالي فإنها من التوفيق للتوبة ، والتوبة درجة كما في الدعاء ( وَانْقُلْني إِلَى دَرَجَةِ التَّوْبَةِ إِلَيْك ) لا ينالها كل أحد .
ومن أوضح مصاديقها القرآنية هي قضيّة السَحَرة الذين جاء بهم فرعون من أجل دحض حجّة ومعاجز موسى ؏ ، غير أنه حصل العكس وشهدوا على أحقيّة نبي الله بعدما تبيّن لهم الحق واضحاً وجليّا وفي موقف محرج لفرعون ومن معه ،( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ ) ، وخاطبوا فرعون الذي أوعدهم بالعذاب والصلب على تخلّيهم عنه ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) . إيمانهم في هذا الموقف أفضل من إيمان الالاف غيرهم ممن لم يؤدّ ايمانهم الى نتيجة ذات اهمية في نصرة الحق .
وهذا ما حصل مع الحرّ بن يزيد الرياحي رضوان الله تعالى عليه ، فكان أشجع اهل الكوفة وعلى رأس الف فارس ومكلّف بجعجعة الإمام الحسين ؏ ومنع دخوله الى الكوفة ، غير أنه في اللحظات الحرجة وعندما تقارعت السيوف واصطكت الأسنّة كما يُقال وقف الى جانب الحق في كربلاء ونال بذلك شرف الدنيا وحسن ثواب الآخرة .
وينقل لنا التاريخ كلمته التي قالها ( إنّي والله أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنّار ، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعْتُ وحُرِّقْتُ) وما أشبهها بكلام السحرة لفرعون ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا .. اقض ما انت قاض ) .
وثمّة مشابهة دقيقة اخرى بين السحرة والحرّ ، وهي أن كلاً منهما كان على مستوى ودرجة معيّنة من الإيمان والعلم المسبق بالحق ولكن لم يرتق في حينها الى مستوى التغليب والانقلاب على مسايرة الباطل :
فأما السحرة فتقول الآية المباركة أنهم بعدما قال لهم موسى ؏ ( قَالَ لَهُمْ مُوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ) قد حصل تراجع عندهم ( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ ) .. تقول بعض التفاسير انهم شعروا بأن هذا كلام نبي وليس كلام ساحر ..! الا انهم استمروا بالمباراة حتى تيّقن لهم ان موسى ؏ هو نبي ورسول فصدر منهم ذلك الموقف الخالد . مما يدل على مستوى من الثقافة الإيمانية اذا صح التعبير .
وكذا الأمر مع الحرّ رضوان الله عليه ، فتقول الرواية نقلاً عنه : فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا : يا حر أبشر بالجنّة ، فالتفتُّ فلم أر أحدا ، فقلت : ثكلت الحر أمه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ويُبشّر بالجنة ؟ . مما يدلّ على أنه كان على مستوى من الدراية بالإمام الحسين ؏ والايمان به وبقضيته بل وببشاعة عمله ..
يقول الشيخ كاشف الغطاء ( رحمه الله ) : وبقي الحرّ يدير رحى الحرب وحده ، ويحصد الرؤوس ، ويخمد النفوس ، حتى قتل في حملته الأخيرة ثمانين فارساً من أبطالهم ، فضج العسكر ، وصعب عليهم أمره ، فنادى ابن سعد بالرماة والنبالة فأحدقوا به من كل جانب حتى صار درعه كالقنفذ ، هنالك اتقدت نار الغيرة في كانون فؤاده ، ووقف وقفة المستميت فنزل عن فرسه وعقرها لأنها لم تستطع الاقتحام من كثرة السهام ، وأخذ يكر عليهم راجلاً إلى أن سقط على الأرض وبه رمق ، فكرّ عليه أصحاب الحسين (عليه السلام) ، واحتملوه حتى ألقوه بين يدي الحسين (عليه السلام) ، فجعل الحسين يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول : ما أخطأت أمّك إذ سمتك حرّا ، أنت الحرّ في الدنيا والحرّ في الآخرة ، ثم استعبر (عليه السلام ) . آجركم الله
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat