موقع المسؤوليّة في حياة الناس
الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مهدي الاصفي (طاب ثراه)

ما هو مركز الإنسان في الحياة؟
هل هو الولايّة والسيادة على نفسه وما يتعلّق به، والتحرّر من كلّ سلطان وولايّة عليه، إلا ما يقرّره لنفسه من ولايّة الأنظمة والقوانين؟
أم هو المسؤوليّة والطاعة تجاه الله تعالى؟
المذهب الديمقراطي، وهو المذهب السياسيّ الشائع اليوم بين الأنظمة في العالم يذهب إلى الاتجاه الأوّل، ويرى أنّ موقع الإنسان في الحياة موقع الولايّة والسيادة المطلقة على نفسه، ولا تصحّ سيادة أحد على أحد إلا بقدر ما يتنازل الإنسان للنظام والهيئة الحاكمة والقانون من حرّيته بإرادته واختياره ....
وهذه النظريّة في جذورها نظريّة ماديّة وإن كان الملتزمون بها مسلمين أو من أهل الكتاب ... فإن أصل النظريّة قائم على نفي سلطان الله تعالى التشريعي وحقه في تقرير مصير عباده ... وهذا هو معنى سلطان الإنسان على نفسه وتحريره من أيّ سلطان آخر إلا بقدر ما يتنازل له باختياره.
ونفي سلطان الله تعالى وحقّه على الإنسان بمعنى رفض الإيمان بالله تعالى رأساً، فإن الإيمان بالله تعالى الخالق المالك المهيمن المدبّر يعادل الاعتراف بسلطان الله وحقّه المطلق على الإنسان ومصيره في الحكم والتشريع.
ولذلك قلنا إنّ هذه النظريّة في أصولها وجذورها مادية، إذا أخذنا ملازماتها بنظر الاعتبار.
وهذا الذي شرحناه بلغة العقل من ولايّة الله تعالى المطلقة وحقّه المطلق على الإنسان ونفي أيّ سلطان آخر في حياته، غير سلطان الله ... هو ما يقرّره القرآن الكريم بلغة التشريع. يقول تعالى:
(إِن الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )
(وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ )
(وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ)
وهذه الآيات وغيرها في كتاب الله صريحة في نفي أيّة حاكميّة وسيادة في حياة الإنسان، سواءً كانت هذه السيادة المنفيّة سيادة الآخرين عليه، أم ولايته هو على نفسه، فإن الآيات الكريمة صريحة في حصر الولايّة والسيادة في حياة الإنسان في الله تعالى إن الحكم إلا لله، ويتضمّن الحصر السلب والإيجاب معاً، سلب ولايّة الإنسان على نفسه وولايّة الآخرين عليه، وإيجاب ولايّة الله تعالى عليه.
وهذا الحكم الثابت في القرآن بلغة التشريع تحدّثنا عنه قبل قليل بلغة العقل.
وعليه فلا يكون مركز الإنسان في الحياة الدنيا، بموجب حكم العقل والشرع، مركز الولايّة والسيادة وإنّما مركز المسؤوليّة والطاعة لله تعالى.
وكلّ الولايات والحقوق الثابتة للإنسان أو عليه في الحياة الدنيا، لا بدّ أن تأتي في امتداد ولايّة الله وسلطانه عليه، ومن دون ذلك فلا تصحّ ولايّة في حياة الإنسان له على الآخرين، أو للآخرين عليه
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat