الأساليب التربوية عند الإمام الكاظم (عليه السلام)..
الشيخ محمود الحلي الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمود الحلي الخفاجي

- حقيقة الدنيا عند الإمام موسى بن جعفر (ع):
(مَنْ عَقَلَ عَنِ اَللَّهِ اِعْتَزَلَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا)،في هذه الفقرة من وصية إمامنا موسى بن جعفر (ع) يشير فيها الى معنى دقيق وحقيقي طالما غفل عنه الإنسان منذ أن وُجد على هذه الأرض والى اليوم، وهو النظر الحقيقي الى الدنيا، وقد أشار القران الكريم في آيات كثيرة الى هذا المعنى: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون)، وقوله تعالى: (إنما الحياةالدنيا لهو ولعب....)، وعلى منوالها الكثير من الآيات الشريفة التي تبين أن الدنيا هي دار لهو ولعب ومتاع وتفاخر بالأموال... وعندما ناتي الى المنظومة الفكرية لأهل البيت عليهم السلام وهم القرآن الناطق، نراهم (عليهم السلام) يضعون لنا الأساليب التربوية في كيفية التعامل مع الدنيا ويبينون لنا المعني الحقيقي للدنيا، وأنه لابد أن تبتني علاقتنا مع الدنيا على أساس علاقتنا مع الله، فالأخذ من الله هو العامل القوي الذي يصحح علاقتنا مع الدنيا ونظرتنا إليها، فالإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) يبين لنا حقيقة الدنيا، وكيف سنتعامل مع هذه الحقيقة التي إذا لم نوفق في حسن التعامل معها فإنها ستفتك بنا بمغرياتها وزينتها وخداعها، بل سنكون ضحايا خداعها وأوهامها الزائفة، فيقول عليه السلام:
أن نتعقلها وهذا التعقل لابد يكون عن الله سبحانه، فإنه هو الذي سيكشف حقائقها التي تُرى بالبصيرة لا بالبصر، وإنها مرحلة منقضية وفانية، وقنطرة يعبر منها الإنسان إلى دار البقاء وإنها دار عبور وإنها أيام وأشهر تنقضي سريعاً ، فتأخذهم في أحضانها وتُنسيهم الله ومعادهم. ثم يقول الإمام الكاظم (ع) مبيِّناً أن هولاء وبسبب أخذهم عن الله وقد شملتهم الرعاية الإلهية بأنهم نظروا نظرة حقيقية الى الدنيا، فإنهم لم يتركوا الكماليات والزوائد وقشور هذه الدنيا وزينتها فقط بل لم تتورط أنفسهم في معصية الله عزوحل فيقول (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعُقَلاَءَ تَرَكُوا فُضُولَ اَلدُّنْيَا فَكَيْفَ اَلذُّنُوبَ، وَتَرْكُ اَلدُّنْيَا مِنَ اَلْفَضْلِ، وَتَرْكُ اَلذُّنُوبِ مِنَ اَلْفَرْضِ)، فترك الذنوب واجب، وما أكثر الناس الذين يُضيِّعون الفرض ويتمسكون بالكماليات!!
- الأساليب التربوية عند الإمام الكاظم عليه السلام:
- نيل الدنيا والآخرة بالعمل: وقد أشار الإمام الكاظم (ع) الى حقيقة تتفرع عن أن الإنسان لو تعقل الدنيا وأخذها بالمأخذ الإلهيّ والتصور الإلهي وهو الإعتزال عن أهل الدنيا، والإعتزال هو أن لايكون منحى الإنسان وسلوكه وسيره وفق منظورهم الصرف للدنيا والذين لايرون غير الدنيا واللهث وراء شهواتها ولذاتها وعدم الإعتماد على اي ضابط شرعي في تصرفاتهم، بل أنهم منهمكون جداً في طلبها والتعلق بها. والإمام الكاظم (ع) يوجه المؤمنين الى مسألة مهمة وهي أن كل من الدنيا والآخرة لاتنال إلا بالعمل، وعلى الإنسان أن يكون بصيراً وعاقلاً، وهذا ما قاله (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى اَلدُّنْيَا وَإِلَى أَهْلِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِالْمَشَقَّةِ، وَنَظَرَ إِلَى اَلْآخِرَةِ فَعَلِمَ أَنَّهَا لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِالْمَشَقَّةِ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا)، كلاهما طالبة ومطلوبة والعاقل الذي عقل عن الله وارتبط بالمنظومة الفكرية للقرآن الكريم التي توجه الإنسان نحو الفلاح، حيث تقوى لله، إن العاقل مع طلبه للدنيا يطلب الباقية الدائمة، وهذا نتيجة لخيار التزاحم بين الفاني والباقي، فإن النتيجة إن العاقل الحصيف يختار الحياة الخالدة الأبدية في كدِّه وسعيه في هذه الدنيا، بل نضِّع كل حياتنا وجهودنا في هذه الدنيا الفانية المنقضية المليئة بالمتاعب والحسرات والأحزان الى جنب، ويختار الداار الباقية، وهولاء هم العقلاء وأهل البصائر فإنهم عرفوا تلك الحقائق، وتبصَّروا بالدنيا وخداعها، وزينتها الزائلة فزهدوا فيها، وأعرضوا عنها، وعملوا إلى تلك الحياة الخالدة التي لا يُنغصها شيء، ولذا قال الإمام الكاظم (ع): (يَا هِشَامُ إِنَّ اَلْعُقَلاَءَ زَهِدُوا فِي اَلدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي اَلْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اَلدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ، وَاَلْآخِرَةَ طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ، فَمَنْ طَلَبَ اَلْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ، وَمَنْ طَلَبَ اَلدُّنْيَا طَلَبَتْهُ اَلْآخِرَةُ فَيَأْتِيهِ اَلْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ).
فأشار الإمام (ع) الى حقيقة أخرى وحتمية لابد أن نواجهها وهي الموت ولو لم يكن في هذه الدنيا إلا الموت الذي سيواجه الجميع لكفى به واعظاً عن طلبها والرَّغبة فيها، فالموت لا يدع لذَّة إلا هدمها، لأنه يطلبنا ولا يأتي إلا بغتة ولا يُردُّ ولو اجتمعت عليه أهل الأرض.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat