الشمسُ الضاحيةُ فاطمةُ الزهراء (عليها السلام)
احمد السراي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد السراي

في الطُرُقاتِ أسمعُ الأولادَ يتحدّثون عن الشتاءِ وغُربته، والصمتِ الحاصلِ بينَ السُفُنِ وأشرعتها، والفاصلِ المعتوهِ الذي هكذا أسموه، وهو الخريف حيثُ تُغادرُ الأوراقُ أغصانَها، فيأخذ دورَ المُنقذِ شتاءٌ يلوحُ لطيف المطر! يأخذُ معاطفَ الأمهات ويرمي به جانبَ اليم..
ويقفزُ الربيعُ بينَ أقرانه مُعلِنًا عن وصوله.. دعوني أُخبِرُكم سرًّا أنا وإخوتي لا نعلمُ بشأنِ هذه الفصول؛ فقد كانتْ أُمّي سراجًا، بل لا يُقارنُ السراجُ بنورِها هي شمسٌ مُضيئةٌ يتوضّأُ الصباحُ من فجرِها ترفعُ يديها للسماءِ وتحتضننا كواكبَ، تلك هي أُمّي الإنسانةُ البسيطة.
وعندما ننظرُ إلى الشمسِ وضوئها ودفئها، وما لها من فوائدَ أنعمَ اللهُ (تعالى) بها على الإنسانِ من خلالها، أما غيرُ المنظورِ منها فتلك الخيوطُ المُنبعثةُ من أشعتِها التي تحتضنُ كوكبَ (الأرض)، فقد سكنَ فيه خلقُ اللهِ (تعالى) من أولادِها المؤمنين ومن غيرهم، بكُلِّ طوائفهم وخلقهم فهي للإنسانِ والإنسانية.
كُلُّ تلك الأمثلةِ هي لمخلوقاتٍ خلقَها اللهُ (سبحانه وتعالى)، فكيفَ بمن خلقَ الخلقَ من أجلهم، فهم ركائزُ لهذه الدنيا، فقد وردَ في الحديثِ القُدسي: (يا أحمد لولاك لما خلقتُ الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) (1).
كلامُنا بصددِ الحوراءِ الإنسية (عليها السلام)، مُهجةِ قلبِ المُصطفى، وروحهِ التي بينَ جنبيه، فهي التي قالَ عنها النبيُّ المُصطفى (صلى الله عليه وآله): "فهي فاطمةُ بنت محمدٍ، وهي بضعةٌ منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي"(2). وعنه (صلى الله عليه وآله): "إنّما فاطمةُ شجنةٌ منّي، يُبسِطُني ما يُبسِطُها ويقبضُني ما يقبضها"(3).
هي ثالثةُ أصحابِ الكساء، البتولُ العذراء، فلذةُ كبدِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، وسيدةُ النساء، والنموذجُ الأرقى الذي يجبُ أنْ يُقتدى به، هي من سُئلَ عنها ولدُها الإمامُ الصادق (عليه السلام): لماذا سُمّيتْ بالزهراء؟ فقال: "لأنّها كانتْ إذا قامتْ في محرابِها زهرَ نورُها لأهلِ السماءِ كما يزهرُ نورُ الكواكبِ لأهلِ الأرض"(4).
تلك الزهرةُ التي في ريعانِ شبابِها كانتْ حياتُها بحرًا زاخرًا بالدُرَرِ والمرجانِ لمن أرادَ أنْ يفوزَ بالجنانِ ورضى الرحمن، فكانتْ أمًّا لأبيها، وسكنًا لفؤادِ زوجِها، وحضنًا دافئًا لأولادها، كيفَ لا وهي أمُّ الأئمةِ النُجباء المعصومين النقباء.
وقد رويَ عن الإمامِ الحسنِ العسكري (عليه السلام) أنّه قال: "كانَ وجهُها يزهرُ لأميرِ المؤمنين من أوّلِ النهارِ كالشمسِ الضاحية، وعندَ الزوالِ كالقمرِ المُنير، وعندَ غروبِ الشمسِ كالكوكبِ الدُرّيّ"(5).
وقد جسّدتْ دورَها بالحياةِ على أكملِ وجه، ورسمتْ شعاعَ نورٍ لكُلِّ امرأةٍ مؤمنةٍ لتأخذَ قبسًا من ذلك النورِ لتُضيءَ به حياتَها وتبني أسرتَها، نقول هذا القليلَ من الكلماتِ في حقِّها آملين قبوله، ومُتمنّين شفاعتَها يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-المجلسي في (البحار ج57 ص199) عن كتاب (الأنوار لأبي الحسن البكري ص5)، وهو من الأحاديث القدسية، الأسرار الفاطمية - الشيخ محمد فاضل المسعودي - الصفحة ٢٣١.
2- المجلسي: بحار الأنوار43/54، أبواب سيدة نساء العالمين، ب3/ح 48.(ط1403ه،-1983م، مؤسسة الوفاء،بيروت-لبنان).
3- الحاكم النيسابوري: المستدرك: ج3/154، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ٥٤
4- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، معاني الأخبار، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران - قم، 1403ه، ط1، ص 64.
5- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج3، ص 330.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat