الهيمنة الدينية وشرعية التفكير
فاضل حاتم الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فاضل حاتم الموسوي

لقد سلك الأنبياء والمصلحون عموماً طريق الهداية الدامي أو ما يسمى بطريق ذات الشوكة وتحملوا في سبيل ذلك كل الصعاب وأدوا المهام الرسالية من اجل تحقيق أهدافهم المنشودة , واستطاعوا بناء امة مؤمنة ذات أهداف إلهية قال تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ . ( الجمعة : 2 ) .
ثم بعد ذلك توج الله تعالى تلك الجهود بكل تفاصيلها ببعثة خاتم النبيين محمد ( ص ) حاملا لواء الهداية وانتهت إليه الأمانة حيث قدمته اليد الإلهية بوصفه قيادة هادية تحمل كل عناصر الكمال , قال تعالى : لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا . ( الأحزاب : 21 ) ، وقال تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . ( الحشر : 7 ) , فكانت من أهم أدواره إبراز الوجه المشرق للإسلام عن طريق خطوات مدهشة في فترة زمنية قصيرة ثبّت فيها القيم الأخلاقية في الحياة واحترام العقل باعتباره أداة للتفكير السليم والثقة بمخرجاته .
وقد وردت آيات قرآنية كثيرة تدل على هذا المعنى , منها مفردة التفكر والفكر 18 مرة و مفردة التعقل 59 مرة ومفردة التفقه 20 مرة ومفردة النظر 83 مرة , وبناء على ذلك فإن هذا العدد الكبير من الآيات القرآنية يدفع الإنسان الى استعمال اكبر قدر ممكن من ممارسة التفكير والتعقل والنظر والتفقه ؛ إذ إن هذه الأشياء في الحقيقة عبارة عن أنشطة عقلية .
ومن قراءة تأريخ التشريعات الدينية نجد أن الصلاة مثلا شُرّعت في السنة التاسعة من الهجرة والصيام في السنة الثانية من الهجرة والحج في السنة التاسعة من الهجرة . وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤالان وجيهان مفادهما : ما هو الدور التبليغي والرسالي لرسول الله ( ص) ؟ وما هي الأمور التي كان رسول الله ( ص) يحث المسلمين عليها قبل نزول التشريعات ؟
ونستطيع الإجابة على هذين السؤالين من خلال معرفة طبيعة المجتمع الذي عاش فيه المسلمون الأوائل في صدر الإسلام وسلوكياته ؛ إذ كان رسول الله ( ص) يعزز التفكير العقلائي ويكشف للناس أنظمة الكون والحياة وكيفية استثمار الخيرات ومحاربة الزعامات التي شيدت لها هالة من التقديس المبني على الأوهام والخرافة والنهي عن التطير والتشاؤم معتمدا على مرجعية العلم في فهم الدين وإدارة الحياة ، قال رسول الله (ص) : الطيرة شرك , الطيرة شرك , ثلاثا . ( صحيح أبي داوود , ح3910 ) , وورد عن الإمام علي (ع) في حديثه عن بعثة الأنبياء انه قال : ويثيروا لهم دفائن العقول . ( نهج البلاغة ) .
وفي قبال ذلك إذا تضاءل النشاط الفكري للإنسان فإن مستوى إيمانه ينخفض أيضا وعندها لا تعوض ذلك الانخفاض كثرة العبادة , قال رسول الله ( ص) : إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله فإنما يجازى بعقله . ( الكافي , ج1 , ص12 ) , وعنه (ص) أيضا انه قال : فكر ساعة خير من عبادة سنة . ( بحار الأنوار , ج6 , ص133 ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat