تحت نصب الحرية تولد الأحلام
ساره صالح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ساره صالح

كعادتي استيقظت فجراً لإتمام فريضة الصلاة، خطر على بالي أن أذهب إلى ساحة التحرير للتعرف على الأبطال الذين أتخذوا قرارهم بالثورة ضد الفساد ومحاربته، غايتهم في ذلك هو الاصلاح وخلق حياة جديدة يستحقها الشعب العراقي وجديرة به، حثثت الخطى إلى هناك، ووصلت ورأيت منظراً عجيباً، الجميع يقف تحت نصب الحرية ما بين مودع ومستقبل، تاركين حياتهم، يلتحفون بأحلامهم، رافعين الأعلام التي ترفرف في كل مكان.
هناك من يهتف ويطالب، وهناك من يقف صامتا تاركا للنصب الكلام، وهناك من يعمل، كان هناك من يعد وجبة الإفطار، وهناك من ينظف المكان، وهناك من أقام مفرزة طبية، وهناك من يعمل على عرض مسرحي لعرضه مساءً، وهناك من يعزف ألحان التراث الوطني.
أينما أقلب نظري، أرَ تجسيداً للثورة السلمية، انصهر الجميع مع بعضهم هناك لا تكاد تفرق بينهم لا بالمذهب، ولا بالفوارق الاجتماعية، ولا باللون او العرق، ما يجمعهم حب العراق ودموعهم التي تنهمل بمجرد ما يعزف السلام الجمهوري، مع كل هذه الصور المتعددة، حتماً سيكون النصب شاهدا على ما يحدث تحته وفي ساحته، تساءلت مع نفسي: ما هي رمزية هذا النصب الذي اجتمعت تحته كل هذه الحشود؟
واذا بأحد الموجودين يجيبني حينما رأى حيرتي، وأنا أتأمل في النصب:
نصب الحرية كان طلباً لتخليد ثورة عام ١٩٥٨ حيث طلب الزعيم (عبد الكريم قاسم) من المعماري (رفعت الچادرچي) بنصب يجسد الثورة آنذاك، يقول الچادرچي: (لم أعرف ماذا أفعل حيث كانت شوارع بغداد مليئة باللافتات القبيحة)، إضافة أنه لم يكن ملماً بأمور النحت، لكنه أراد أن يصنع لافتة مشابهة للتي يحملها المتظاهرون، ولكن بعرض ٥٠متراً، توجه الچادرچي إلى (جواد سليم) لطلب لافتة بعرض خمسين متراً لتصور عليها ثورة ١٩٥٨ وأنّ تكون رموزاً سطحية، وليست ثلاثية الأبعاد، فأجاب سليم: لم يفعلها أحد منذ زمن الآشوريين.
وبعد عام اتصل جواد سليم برفعت الچادرچي، لإخباره بأنه ذاهب إلى روما ليبدأ العمل على نصب الحرية والرموز النحتية الأربعة عشرة تتمثل برواد الثورات، الحرية، السلام، المفكر، السجين، الشهيد، الباكية، الأم، الطفل، الجندي، دجلة، الفرات، الصناعة، الثور، الزراعة.
وكانت الفكرة أن يضع الجوانب التي تمثل قبل الثورة وبعد الثورة، وبعد أن انتهى جواد من تصميم النصب بدأ بصب المنحوتات بحجمها الطبيعي التي استغرقت ما يقارب العامين؛ لكي يتم رفعها على الجدارية، وعندما أراد جواد رفع عناصر النصب التي هي من البرونز، تفاجأ بعدم وجود لحّام برونز في العراق، فاتصل بـ(محمد غني حكمت) في روما، وطلب منه أنّ يرسل له لحّام برونز إيطالي من معمل (ميكولوجي)، وقد تم ذلك، وافتتح نصب الحرية ١٩٦١.
وبقي هذا النصب رمزاً وطنياً يفخر به كل عراقي استطاع توحيد العراقيين بكل اطيافهم ومذاهبهم، وصار هوية موحدة للشباب بعد أن كان على قاب قوسين من ضياع هويته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat