كانت زينب الصغيرة لا تعرف من الحياة سوى حب والدها، الذي كان بالنسبة لها أكثر من مجرد أب. كان صديقها الوحيد، سندها المتين، ووقود الحياة الذي يمدها بالطاقة لتواجه كل يوم. كان ملاذها الذي تلجأ إليه في لحظات فرحها وحزنها، وأول رجل في حياتها، الأمان الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
والدها لم يكن شخصًا عاديًا، بل كان رجلًا استثنائيًا بكل معنى الكلمة؛ طيب القلب، نقي السريرة، محبوبًا من الجميع. كان خير جار، خير أخ، وخير نسيب، جمع بين أروع الصفات الإنسانية. لم يكن يعرف معنى الرفض؛ يداه مفتوحتان دائمًا للمساعدة، حتى في أصعب الظروف. كانت الخبزة الوحيدة التي في يده، يقدمها لمن يحتاجها أكثر منها. كان يعتقد أن خدمة الناس ومساعدتهم هي غاية الحياة، ولم يتردد أبدًا في أن يكون يد العون، سواء للغريب أو القريب.
كانت زينب تجد في حضن والدها أمانًا لا يُضاهى. كانت فرحتها تكتمل حين يُوصّلها إلى مدرستها في الصباح، وعندما يعود لأخذها حاملاً بين يديه قطعة من الحلوى التي تحبها. أو عندما يمرّ خلال اليوم ليطمئن عليها، ليلعب معها، ويستمع لثرثرتها الطفولية دون ملل. كانت أحاديثها معه هي الأوقات الأجمل في حياتها، حيث كان يضحك على نكاتها ويطمئن قلبها بكلمات مليئة بالحب الأبوي والحنان.
كانت تنظر إلى والدها على أنه بطل خارق، الشخص الذي لا يعجز عن فعل شيء. كان حبه يملأ كل ركن من حياتها، وكانت ترى أن الحياة لا يمكن أن تكتمل إلا بوجوده. كانت تتمنى لو أنها تبقى في حِجره للأبد، حيث الأمان، والطمأنينة، والحب غير المشروط.
لكن كما هي عادة الحياة، التي لا تدوم على حال، في يومٍ غير متوقع، غابت الابتسامة التي كانت تُضيء قلبها. رحل والدها إلى الدار الآخرة، تاركًا إياها في عالم لا تعرفه، حيث باتت المعاناة هي الرفيقة الوحيدة.
عندما أغمضت عينيها على يده في آخر مرة، لم تدرك أن تلك اللحظة ستكون نهاية الأمان الذي منحها إياه طوال سنوات حياتها. وعندما فتحت عينيها مجددًا، كان كل شيء قد تغير. تبدلت ألوان الحياة، وغاب الدفء، وحلّت البرودة مكانه.
بدأت معاناتها تتجسد في كل لحظة، وكل يوم. زينب، التي كانت محاطة دومًا بحب والدها، وجدت نفسها الآن في مواجهة الحياة بمفردها. غابت يد الأب الحانية التي كانت تزيل عنها همومها، ولم يعد هناك من يهمس في أذنها قائلاً: “لا تخافي، أنا هنا”. أصبح الفراغ يحيط بها من كل جهة، وأصبحت الوحدة هي العنوان الوحيد. لحظات الفرح التي كانت تعيشها معه تحولت إلى ذكريات مؤلمة، أما الحديث عن المستقبل فقد أصبح مريرًا.
وها قد توقفت الحياة، كما ظنت، وانتهى كل شيء برحيله. أخذ معه كل شيء، حتى الأمل. في قلبها، كان هناك فراغ لا يُملأ، وعقلها كان يقاوم فكرة أن الحياة تستمر بعد رحيله. كانت تشعر بأن الدنيا قد انطفأت.
لكن رغم كل ذلك، في لحظة غمر قلبها السكون، عندما تذكرت قول الله تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156)، وتردد في سمعها “إِنَّ اللَّـهَ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ” (الشورى: 19).
في تلك اللحظات، بدأت تشعر بأن الله لم يتركها، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأنه أرحم بها من نفسها ومن أهلها.
بدأت تتلمس الضوء في عتمة أحزانها، وعادت إلى نفسها، متشبثةً بقوة الإيمان بالله عز وجل، مُعلنةً في قلبها أن الأمل لا يموت برحيل الأحبة، بل هو موجود في قلب من يثق في الله ويصبر.
وقد بدأ قلبها ينبض من جديد بالأمل، بعد أن خلعت عن نفسها رداء اليأس والسواد. علقت قلبها بالله تعالى، وعرفت أن الحياة تستمر، وأن كل شيء بيد الله، الذي هو أرحم وألطف من أن يترك عبده في العسر، بل هو دائمًا الأقرب في لحظات الضعف.
بهذا، بدأت زينب محطتها الأولى نحو الشفاء، معلنة أن الله هو الموجه والمساند في كل لحظة من لحظات الحياة.
Sara salh, [10/01/2025 10:44 م]
الحرز المتين
أتصارع مع شخصيتين،إحداهما تحب الله وأهل البيت وتسعى للقرب منه، والأخرى تأبى الخضوع للأوامر الإلهية.
بين الذنب والاعتدال، أواجه التحديات والضعف، وأخفي ندوب نفسي بالتوبة والندم. أضع كل شيء بين يدي الله وأتوسل إليه بقبوله.
ثم تهب النسمات مع صدى صوت التوسل
يا أبا عَبْدِ الله يا حُسَيْنَ بْنَ عَـلِي أيُها الشَهِيدُ يا ابْنَ رَسُول ِ الله يا حُجَةَ الله عَلَى خَلْقِهِ يا سَيدنا وَمَوْلانَا إنا تَوَجهْنا وَاسْتَشْفَعَنَا وَتَوَسلنا بِكَ إلى الله وَقَدَمْناك بَيْـنَ يَدَيْ حاجَاتِنا ، يا ً وَجِــيهاً عِنْد الله اشْفَعْ لَنَا عَنْد الله،
وكأنها بيان الأمان لقلبي، وتأكيدًا على انتمائي للحسين ، فهو باب الرحمة والشفيع، الذي أرجو أن يكون حرزي وملاذي يوم لا ينفع مال ولا بنون.
هذه الروح المتأرجحة بين ضعف النفس البشرية وقوتها، بين الرغبة في القرب من الله وبين صراع الشهوات، هي في جوهرها دليل على إيمان وضمير حي ،
فمن لا يحمل في قلبه ذرة إيمان لا يشعر بهذا التناقض ولا يسعى للإصلاح.
لا يمكن لليأس أن يتسلل إلى قلب من يبحث عن الله، ولا ينبغي للشيطان أن يقنعنا بأننا بعيدون عن رحمة الله.
الحُسين ،إمامنا وملاذنا، هو باب الرحمة لمن تمسك في سفينته. فلنكن على يقين أن الله ينظر إلى قلوبنا ويعلم صدق ندمنا، وسيغفر لنا ،
التوبة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي شعور عميق بالندم ورغبة حقيقية في العودة إلى الله. فالحر كان مترددًا في البداية، ممزقًا بين نداء الدنيا وصوت الآخرة في قلبه، لكنه في النهاية اختار الحق، وانتصر على ضعفه، وخلد اسمه بين أعظم التائبين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat