دعتني الحاجة إلى سفر مفاجئ لأحدى الدول الاوربية لإنجاز عمل مهم، وفي مدخل مطار بغداد رأيت تمثالاً لعباس بن فرناس، الشخص الذي حاول الطيران، أخذني الفضول إلى معرفة هذا العالم، استثمرت مدة انتظاري للطائرة، وأخذت أبحث في المواقع الالكترونية عن هذا الشخص الذي لا نعرف عنه سوى محاولته التي لم تنجح.
عرفت أن هذه المحاولة فتحت ابواب الدخول الى عالم الطيران منذ ذلك الوقت ليسبق بذلك محاولة أبي العباس الجوهري العالم اللغوي المعروف المتوفى سنة 393هـ حوالي سنة 1003م الطيران في نيسابور بخراسان فسقط ميتًا من سطح منزله.
وسبق كذلك محاولة إلمر المالمسبوري للطيران بطائرة شراعية في إنجلترا.
ما ميز عباس بن فرناس أنه سبق تلك التجربة بدراسة حركة الطيور وأجنحتها وكيف ترتفع في الجو، ومن ثم أجرى العديد من العمليات الحسابية في هذا الإطار، من حيث الأوزان والسرعات والرياح وغيرها من المسائل الدقيقة، لكن إغفاله لأهمية الذيل في عملية الهبوط أدى لسقوطه وإصابته في الظهر، تساءلت مع نفسي: رجل بهذا الخيال الواسع هل من المعقول أن لا تكون لديه ابتكارات غير هذه المحاولة اليتيمة؟
زادني الفضول لمعرفة المزيد عنه في رغبة البحث الذي جعلني منبهرا أكثر حينما عرفت أنه وُلد في رندة في جنوب اسبانيا، ونشأ في قرطبة ودرس بها وكان فيلسوفاً بارعاً جداً ومقرباً من شعراء البلاط، من أهم أعماله تصميم ساعة مائية عرفت باسم (الميقاتة) وتوصل إلى طريقة لتصنيع الزجاج الشفاف من الحجارة، كما صنع نظارات طبية، إضافة إلى ذات الحلق التي تتكون من سلسلة من الحلقات تمثل محاكاة لحركة الكواكب والنجوم، وصنع قبة فلكية في داره، وطوّر طريقة لتقطيع أحجار المرو في الأندلس عوضًا عن إرسالها إلى مصر لتقطيعها، أما في مجال الكتابة، فقد صنع أول قلم حبر في التاريخ عندما قام بتصميم أسطوانة متصلة بحاوية صغيرة يتدفق عبرها الحبر إلى نهاية الأسطوانة المتصلة بحافة مدببة للكتابة.
برع ابن فرناس في علوم الكيمياء والرياضيات والفلك والشعر والموسيقى والطب والصيدلة واستحق أن يطلق عليه لقب (حكيم الأندلس).
وقد كرم حكيم الأندلس حديثاً في كثير من البلدان العربية والغربية، فقد وضع له تمثال أمام مطار بغداد، وفي 14 يناير 2011، افتتح جسر (عباس بن فرناس) في قرطبة على نهر الوادي الكبير، وفي رندة، افتتح مركز فلكي يحمل اسمه.
وبينما كنت استمتع بهذه المعلومات الرائعة، سمعت نداء إقلاع الطائرة التي سأركبها إلى اسبانيا بلد الحكيم، أسرعت للحاق بها وأنا مبهور بما قرأت من معلومات عن أصل اختراعها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat