الغدر والخيانة ونقض العهود من الخصال التي عرف بها اليهود، ونشأوا عليها، كذلك عرفوا بعدائهم وكرههم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وللمسلمين، خاض معهم الرسول العديد من الغزوات، آخرها غزوة بني قريظة، وهم من يهود المدينة.
وقصة هذه القضية التاريخية كما تذكرها مصادر المسلمين: (إن رسول الله -ص- بعد ما رجع من غزوة الخندق وصار الى بيت فاطمة -عليها السلام- يريد أن يغتسل، أتاه جبرئيل يقول: عذيرك من محارب، والله ما وضعت الملائكة لامتها، كيف تضع لامتك؟ إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر الا ببني قريظة، فأني متقدمك ومزلزل بهم حصنهم. فنادى بلال بأمر رسول الله -ص- في الناس أن لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة، فخرج الناس فأحاطوا بحصنهم، وامتد الحصار خمسة عشر يوماً أو خمسة وعشرين على قول، والحرب قائمة بالرمي والنبال والحجارة، حتى بعث الله الرعب فيهم، واشتد عليهم وطأة الحصار، فنزلوا من قلاعهم، ورضوا بحكم سعد بن معاذ: قد حكمت أن تقتل رجالهم، وتُسبى نساؤهم وذراريهم، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والانصار، وهكذا كان)(1).
قال تعالى: « وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا {26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا»(2).
نزول هذه الآيات في قضية بني قريظة ذكرته العديد من التفاسير، إلا أننا خلال البحث والتقصي وجدنا هناك اختلافاً في الآراء حول الحكم عليهم، فبعضهم قال: إن الآيات هنا لا تشير الى عملية قتل جماعي او إبادة جماعية بل تقول: إن هناك قسماً قتل، وقسماً آخر أسر، فقد يكون القتل بالمعركة.
وعلى كل حال، فإن الاسلام هو دين الرحمة ورسول الله (ص) جاء رحمة للعالمين، فكيف يكون القتل قد شمل جميع الرجال، وهناك الشيوخ والأطفال، وهذه ليست من أخلاقيات الحرب في الاسلام، كما جاء في وصايا النبي (ص) للمقاتلين المسلمين.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (ص) اذا بعث سرية دعا آمرها فأجلسه الى جنبه وأجلس اصحابه بين يديه ثم قال: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة الا أن تضطروا اليها، ولا تقتلوا شيخاً ولا صبياً ولا امرأة، فأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر الى أحد من المشركين فهو جار له حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم، فأخوكم في دينكم وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه»(3).
وفي سنن ابي داوود باسناده عن انس بن مالك، إن رسول الله (ص) قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً ولا صغيراً، ولا امرأة ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منتهى الآمال: ج1/ ص106.
(2) سورة الأحزاب: 26-27.
(3) تهذيب الأحكام: ج6/ ص139، الكافي: ج5/ ص27.
(4) سنن أبي داوود: ج1/ ص589.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat