صفحة الكاتب : صفية الجيزاني

دروس تربوية من حياة الامام الصادق(ع)
صفية الجيزاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن من أهم مايرفع من شأن الانسان ويميزه عن غيره من ابناء جنسه ويؤهله للكرامة والخلود هي الاخلاق،وهي احدى الجهات الانسانية التي أهتم بها الاسلام إهتماما بليغا ، وقد تجسدت هذه الجهة بكل معانيها ،في حياة الانبياء والاوصياء والصالحين .

ومن تلك الشخصيات التي تمثل نموذجا زاخرا بالمواقف الاخلاقية هو الامام الصادق (ع)، غصن من أغصان الدوحة النبوية الباسقة .
امتلك الامام (عليه السلام) رؤية ثاقبة في الجانب الاخلاقي والتربوي ،ويتضح ذلك من خلال نصائحه وتوجيهاته التي تمثل منهجا تربويا شاملا لكل مجالات الحياة ، والتي جسدها سلام الله عليه بحركاته وسكناته وسلوكه العملي . حيث كان هذا المنهج يوافق احدث مناهج التربية في العالم .
يقول مالك ابن انس :(والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد(ع) زهدا وفضلا وعبادة وورعا،وكنت أقصده فيكرمني ويقبل علي)*١، ووصفه ابو حنيفة بأنه أعلم اهل زمانه وان هيبته تفوق هيبة الملوك.
ولعلنا في هذه السطور القليلة لانستطيع ان نحتوي ولو جزء الجزء من سجايا وخصال هذا العملاق العلوي العظيم ،فنقتصر على نبذه يسيره مما اطلعنا عليه في طيات بعض الكتب والروايات المتضمنة لدروس اخلاقية وتربوية عملية لهذا الامام الهمام .
فامامنا الصادق (عليه السلام) يعطينا درسا بالرحمة والأحسان والرفق بالضعفاء ،حيث يروى أن الامام سلام الله عليه ،بعث غلاما له في حاجة فأبطأ ،فخرج على أثره لما ابطأ ،فوجده نائما،فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه،فلما تنبه قال له الامام (عليه السلام):(يا فلان والله ماذلك لك،تنام الليل والنهار،لك الليل ولنا النهار)*٢
فيا ترى لو أن رئيسا او مديرا في احدى الموسسات او الدوائر ،ورأى أحد عماله او موظفيه على هذه الحالة التي رآها الامام  في غلامه،فهل تكون ردة فعله كما فعل الامام ( عليه السلام)؟ ام انه يوبخه او قد يفصله عن العمل أو يقلل من راتبه ،او او…!!!
وكثيرة هي الروايات في هذا المضمون والتي توحي للأنسان العاقل عمق ذلك القلب الرؤوف والصدر الواسع لهذا الامام العظيم.
وعلى نهج آبائه وأجداده فقد كان له مع الليل حكايات واسرار لايعلمها الا الله تعالى، عن هشام بن سالم قال:(كان ابو عبد الله (عليه السلام) إذا أعتم وذهب من الليل شطره ،أخذ جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب الى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمهُ بينهم ولا يعرفونه ،فلما مضى أبو عبدالله فقدوا ذلك فعلموا أنه كان ابا عبد الله)،*٣
وهنا يريد الامام (عليه السلام)ان ينبه شيعته على عظم ثواب صدقة السر ، وهو درسا لنا للرعاية الانسانية والحفاظ على كرامة العيش للمحرومين والفقراء .
وبالرغم ماكان يعانيه الامام (عليه السلام) من مضايقات ومواجهة من قبل أرحامه من جهة والسلطة الظالمة من جهة أخرى ،الا انه كان يقابل الاساءة بالاحسان ،والعنف والشدة منهم باللين ،متخلقا بأخلاق القرآن وتعاليمه (وأدفع بالتي هي أحسن السيئة …)فصلت :٣٤
يروى ان رجلا من الحجاج توهم أن هميانه قد ضاع منه ،فخرج يفتش عنه ،فرأى الامام الصادق (ع) يصلي في الجامع النبوي ،فتعلق به ،ولم يعرفه ،وقال :انت أخذت همياني …؟ فقال له الامام بعطف ورفق :ما كان فيه؟ قال :الف دينار ،فأعطاه الامام الف دينار ،ومضى الرجل الى مكانه فوجد هميانه ،فعاد الى الامام معتذرا منه ،ومعه المال ،فأبى الامام قبوله ،وقال: شيء خرج من يدي فلا يعود اليّ ، فبهر الرجل وسأل عنه ،فقيل له :هذا جعفر الصادق (عليه السلام)،وراح الرجل يقول بأعجاب: لاجرم هذا فعال أمثاله)*٤،فهذا درس ورسالة تعكس السلوك والنهج الاسلامي الهادىء لجذب الناس وإنفتاحهم على روح الرسالة المحمدية والتمسك بقيمها الانسانية .
ورغم ابتعاده (عليه السلام) عن مركز المسؤولية العامة بسبب السياسات الظالمة ،الا ان هذا الامر لم يقلل من إهتمامه بشؤون الأمة وتفقد الرعية بأعتباره القائد والمسؤول الاول عنهم بعد جده وأبيه ،وهو مقياس للقيادة الحقة للأمة ومدى شعورها بالمسؤولية اتجاه رعيتها ،والاهتمام بقضاياها من جميع النواحي الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،فلم يعش الامام العزلة والانغلاق عن هموم الناس ،بل كان يشاركهم همومهم والآمهم وتقلبات احوالهم ،وهذا مايجب ان يكون عليه كل قائد وكل مسؤول.
وبعد هذه الرحلة الطويلة المليئة بالدروس والعبروالعطاء والنماء …هاهو عملاق الفكر الاسلامي في ذمة الخلود،بعد ما لاقى من العذاب والتنكيل على يد المنصور الدوانيقي الذي دس اليه السم على يد أحد عامليه ،وقد كان لهذا الحدث العظيم الأثر الكبير في نفوس شيعته ومواليه ،اهتزت اركان العالم الاسلامي ،فأرتفعت الاصوات من بيوت الهاشميين على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذا لجميع المسلمين ،هاهو الجثمان العظيم يدفن في مقره الاخير بجوار جده زين العباد،وابيه الباقر في غرقد البقيع المقدس …
………………………………………… 
١-آمالي الصدوق ص٥٤٢.        
٢-الكافي ج٢ص١١٢.
٣-الفروع من الكافي ج٤ص٨              ٤-شرح إحقاق الحق ج٢٨ص٤٨٠


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صفية الجيزاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/05



كتابة تعليق لموضوع : دروس تربوية من حياة الامام الصادق(ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net