صفحة الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني

قراءة في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي /ح5ق3/
رائد عبد الحسين السوداني
مهداة إلى الكاتب صائب خليل مع التحية :
نصل في هذا القسم  إلى قضية خطيرة جدا عانى منها العراق من بدء ما يسمى الحكومة الوطنية على يد الإنكليز وإلى ساعة كتابة هذه السطور وقد تبنتها بريطانية وترعرت فكرتها في دوائرها الفكرية والاستخباراتية وأعني بها مزج الفكرة القومية مع المذهبية وقد رعاه في العراق السير برسي كوكس والمس بيل .وكان من نتائجه اتهام التشيع بأنه فارسي والذي عالجه الأستاذ صالح الطائي موضوع قراءتنا هذه (وقد سأل الأستاذ صائب خليل سؤالا مهما مفاده كيف يكون الشخص قوميا جدا وطائفيا جدا ،وهذه هي الإشكالية الكبرى التي أوجدتها بريطانية)،وكما نعرف إن الفكرة القومية أساسا هي غير عربية وقد صدرت العديد من الدراسات في شأنها ومنها دراسة الكاتب القومي والبعثي حسن العلوي (دولة الاستعارة القومية) ،وهي لم تكن فكرة عربية خالصة  ولا من إبداعات  المفكرين العرب بل هي كما يؤكد العلوي نتاج أوربي خالص تمثل في العلمانية ،وعزل الكنيسة ،وإلغاء اللغة اللاتينية كلغة شاملة للأوربية .وهناك دراسة قيمة لنور الدين حاطوم حول تاريخ القومية :يذكر فيها إشكالية المفردة العربية (القومية) المشتقة من (قوم) لصعوبة الاشتقاق من مفردة أمة ،فيكون (أمية) وهذه لها دلالات أخرى غير الدلالة موضوعة البحث ،مما يدلل إن الفكرة غربية بالأساس (ألمانية ،فرنسية) ،أما كيف نشأت وترعرت هذه الفكرة ننقل عن كتاب (حكم الأزمة لكاتب هذه السطور ) فقد ذكر " أما عن التاريخ الحقيقي لنشأة الفكرة القومية العربية فهي جاءت على يد الإرساليات التبشيرية الأمريكية في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر وبالتحديد في 1847،في هذا المجال يفصل جورج أنطونيوس الحالة بالصورة التالية "كان من نتائج التسامح الذي تميز به حكم إبراهيم [يقصد إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير] نتيجة لم تخطر على البال من قبل : فقد فتح هذا التسامح الباب أمام البعثات التبشيرية الغربية ،وبذلك أتاح مجال العمل لقوتين :أحدهما فرنسية والأخرى أمريكية ،قدر لهما أن تحضنا البعث العربي وترعياه " ،لكن النشاط التبشيري في بلاد الشام لم يكن وليد سياسة الانفتاح الذي سار عليه إبراهيم بن محمد علي بل " يرجع وجود البعثات التبشيرية الأجنبية في بلاد الشام إلى القرن السابع عشر ،ولكن مجال جهودهما كان محدودا ،يقتصر على إنشاء عدد قليل من المدارس والمعاهد في أماكن متفرقة ،ونشر كتب العبادات .وكانت هذه البعثات كلها كاثوليكية ومعظمها فرنسية ".ويمكن القول أن البعثات التبشيرية تسيدت على ساحة بلاد الشام الفكرية ،وقد عملت على تحويل الكثير من الكاثوليك إلى المذهب البروتستانتي ،وقد "استثمر المبشرون الأمريكان جهود إثنين من العلماء هما :ناصيف اليازجي وبطرس البستاني ،فعهدوا إليها بتأليف كتب مدرسية مختصرة في شتى الموضوعات " وقد كان المبشرون جادون في إنشاء وافتتاح المدارس في مناطق متعددة من بلاد الشام وقد بدأوا في بيروت والقدس وجبل لبنان .
كان للمبشرين الأمريكان جهدا واضحا في مجال التعليم وكما يقول جورج أنطونيوس لها "ميزات كثيرة ،من بينها ميزة كبيرة هي إحلال اللغة العربية محل الصدارة .وما أن حملوا عبء التدريس بها حتى أخذوا على عاتقهم واجب إصدار الكتب الملائمة .وكانوا في هذا الرواد الأوائل .وبذلك كان لجهودهم أكبر الفضل فيما تميزت به الحركات الأولى للنهضة العربية من جيشان فكري " ولكن السؤال ،هو، ما هي ملامح هذا الجيشان الفكري الذي يتحدث عنه أنطونيوس ،وما لذي يهدف إليه ،وللجواب على ذلك نقرأ هذه الفقرة عن أنطونيوس نفسه الذي يقول "ولم تمض سنوات قليلة حتى استطاعوا أن يسدوا ،بما طبعوا من كتب ، حاجة المدارس التي أنشأوها ،بل لقد زودوا المدارس الأخرى بهذه الكتب .وحين وجدوا أن مجموعة الحروف بالمطبعة أصبحت لا تفي بالحاجة .سافر إيلي سميث إلى القاهرة والقسطنطينية يبحث عن حروف جديدة ،وأخيرا سافر إلى لايبزج حيث أشرف على سبك نمط جديد من الحروف أصبح يُعرف بالحروف العربية الأمريكية .فأصبحت المطبعة الأمريكية – بفضل هذه الحروف التي زيدت على جهازها – تستطيع أن تقوم بأعباء مشروعات واسعة في الطباعة العربية وخاصة إخراج الترجمة الجديدة للتوراة وتحمل العمل الشاق الذي كان يتطلبه إنجاز ذلك " ،وهنا يكمن الجواب ،هو سيطرة النمط الأمريكي حتى على شكل الحرف العربي ،وهذا له الدلالات الكبيرة على الجانب النفسي والاجتماعي .وبما إنهم بروتستانت فالتوراة ونشرها هي واحدة من أهم أهدافهم .وإيلي سميث هذا يُفصل فيه القول أنطونيوس ب"كان اتباع الكنيسة المشيخية (البريسبيتريون ) أول من وصل من الأمريكان عام 1820وكانوا يخضعون لإشراف المجلس الأمريكي لمراقبة البعثات التبشيرية في الخارج .وكان هذا المجلس قد أسس له مركزا في مالطا " ويذكر انطونيوس شعر هذا المجلس شعر بأهمية أن يمتد النشاط التبشيري خارج مالطا وإلى الشرق خصوصا ،وهكذا كان فقد أسسوا لهم مركزا هو الأول لهم في بلاد الشام في بيروت وهو من أهم المراكز في هذه المنطقة ،وقد واجه عقبات كبيرة في طريقه تشابه العقبات التي واجهت البعثات التبشيرية الكاثوليكية ،فضلا عن عقبة كبرى واجهتهم تتمثل في عدم وجود أتباع للكنيسة البروتستانتية ،فكان لهم نشاطا ملموسا لتحويل الأفراد إلى مذهبهم ،بعد هذه المرحلة جاء سميث ،ويصل انطونيوس إلى أمر هام جدا يتمثل في إن الجهود " التي تعاقبت منذ 1834(بعد وصول إبراهيم ) جديرة بأن تعد نقطة انطلاق للتقدم الذي تم إحرازه فيما بعد فقد أعيد افتتاح كلية عين طورة وقد أدخل إبراهيم نظاما تعليميا أثر تأثيرا كبيرا في إذكاء وتحفيز التفكير القومي لاسيما عند المسلمين من التلاميذ .وهذا التحفيز وبإشراف إبراهيم باشا وكما تقدم أدواته المبشرون لاسيما البروتستانت .هذا يعني ولمن يريد التوسع في ذلك أن يراجع كتاب (يقظة العرب ) لجورج انطونيوس إن النهضة في الفكر العربي تم على يد المبشرين ،على إن طموح محمد علي ذاته في تحقيق حلمه الإمبراطوري استند على تشجيع فرنسا له في إقامة مملكته في مصر والقدس ومكة والمدينة ومن ثم السيطرة على طريق إنكلترا الرئيسي إلى الهند ، وأيضا النمسا التي قدمت اقتراحات مفصلة لشمول إمبراطورية محمد علي بلدان مصر والسودان وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والعراق ،ومن المعروف عن محمد علي وكما يذكر انطونيوس إنه يريد المجد لذاته وليس للعرب وهم جسره لهذا المجد ،فقد كان يزدريهم ولا يشعر بعاطفة نحوهم ،بل يبعدهم لحساب أبناء جنسه الألبان والأتراك ،هذا وقد اصطدم طموح محمد علي التوسعي برفض القوى الأوربية التي اجتمعت عليه وفرضت عليه شروطا في عام 1840 قبلها على مضض فقد حدت من توسعه كثيرا .أريد من هذا أن أقول إن النهضة في الفكر القومي العربي قامت على يد محمد علي ونجله إبراهيم الألبانيين وعلى يد المبشرين،وقبل أن نترك القرن التاسع عشر لابد لنا من القول وذكر أثر الجامعة الأمريكية في بيروت والتي عرفت في بداية أمرها بالكلية الإنجيلية السورية وقد أسست عام 1866ورأسها في البداية الراهب (دانيال بلس ) الحاصل على شهادة الدكتوراه في اللاهوت وقد ظل في منصبه هذا إلى عام 1902ليخلفه نجله بعد ذلك ،ويقول الشيخ عبد الله عزام "إن أثر الجامعة الأمريكية في المنطقة لا يوازيه أي أثر في الفكرة القومية .ولقد خرجت أجيالا من قادة بلاد الشام على مدى قرن ونيف ومن اساتذتها المعروفين برعاية الفكر القومي قسطنطين زريق الذي تخرج على يديه جورج بوش " وقسطنطين زريق  يعد من أهم أعمدة الفكر العربي  .بعد ذلك تيسر لعربيين أن ينهضا ،على حد زعم أكثر المؤرخين، بالفكرة العربية وتطلعات العرب وأعني بهما الشريف حسين ونجله فيصل لكن بإشكالية أخرى تتمثل إنها قامت على دعم وترويج بريطانيا ومساعدتها المادية والعسكرية  ، والثورة العربية الكبرى ولورنس العرب أبرز مظاهرها .
هنا نترك ما جرى خارج العراق لنصل إلى مبتغانا وهي الإشكالية التي حدثت وتكرست بفكرة بريطانية أساسها أن تنشأ (دولة) قومية كما يقول الدكتور طارق مجيد تقي العقيلي في كتابه (بريطانيا ولعبة السلطة في العراق ) مركزها في بغداد ،وقائمة على جهاز إداري مشبع بالعثمانية ،وإذا عرفنا إن الحكم العثماني قائم على الطائفية فككت هذه الإشكالية ،ولم يكن الجهاز الإداري فقط اعتمد عليه في حقبة الاحتلال البريطاني بل الجهاز السياسي في أساسه قائم على الضباط الشريفيين الذين التحقوا بالجيش العربي ذو التأسيس البريطاني ،وأيضا اعتمدت بريطانيا على من انتمى إلى المكتب العربي وهو جهاز اسخباراتي بريطاني في القاهرة ومن ضمن الذين انظموا إليه كل من جعفر العسكري ونوري السعيد ، وهؤلاء جميعا من طائفة واحدة لا غير ،وهنا يقول الدكتور طارق العقيلي " إن أخطر ما أفرزته استراتيجية المصالح البريطانية التي بنيت على وفق المباديء والثوابت الأساسية التي رسمها كوكس هو إقامة الدولة القومية الطائفية في العراق بعد ما تم تنسيق واختيار أعضائها وتوزيع المسؤوليات عليهم وإسباغ الواجهة الوطنية عليهم من دون الإيحاء بأنها من صنع البريطانيين " أنتجت لنا هذه الخطوات المدروسة بؤر للتوتر دائمة كما يقول العقيلي وأيضا انتجت انعطافة رئيسية في التفكير السياسي في العراق تمثل بالولاء للطائفة واللجوء إلى الطائفة أثناء حدوث الأزمات السياسية والاجتماعية  .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائد عبد الحسين السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/01



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي /ح5ق3/
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net