تنمية قدرة الطفل على مواجهة الحياة
تبارك صباح
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تبارك صباح

تشكّل ضغوطات الحياة - مع كل ما يرافقها من وضعيّات إشكالية تفرض نفسها على الإنسان, الذي يضطر لمواجهتها - عنصراً أساسياً في تطوّر ذكائه العاطفي وتنميته, وأبسط برهان على ذلك ما نلاحظه, عمومًا, حيث يبدو الأطفال ذوو الذكاء الانفعالي الجيّد أكثر قدرة على مواجهة الحياة, وبالتالي يتمتعون بصحة ذهنية أفضل. أما أحد مظاهر الاختلال الوظيفي لهذه القدرة, فيتمثّل بالكبت, أي انخفاض الذكاء الانفعالي, حيث بدا الأطفال المصابون به أكثر عرضة للإصابة باضطرابات فيزيقية وذهنية، بدت على ارتباط وثيق بعجزهم عن تنظيم انفعالاتهم, فمثلاً: بدت مخاطر الإصابة باضطرابات في القلب أعلى عند مَن يميل بكثرة للتعبير عن انفعالاته بطريقة غضبيّة أو عدائيّة, وعند مَن يفتقر لأساليب فعّالة في المواجهة منها عند مَن يميل للتعبير المعتدل عن انفعالاته ولمواجهة المشكلات وحلّها.
باختصار نقول, قد يؤدي التعبير الزائد عن الانفعالات, كما العجز عن التعبير, إلى حدوث مشاكل جسمية (مشاكل قلبية...وحتى سرطانية), بالإضافة للمشاكل النفسية المتعددة والمتنوعة, حيث تشير مختلف الدراسات النفسية الحديثة للضغوطات كعامل أساسي في نشوء مختلف الاضطرابات النفسية والذهنية. من هنا اعتبار القدرة على تنظيم الانفعالات بمنزلة ركيزة أساسية للذكاء العاطفي, ولإرساء الصحة الجيدة (جسمياً وذهنياً). ينطبق هذا القول على كل الوضعيات البيئية: في المنزل, في المدرسة, في العمل, مع الذات..., لكن مع اختلاف ظاهر عند الأطفال على مستوى القدرات التي يمتلكونها بخصوص درجة إدراكهم, وقدرتهم على التعبير عن انفعالاتهم وفي فهم أسبابها, وبالتالي في تنظيمها وإدارتها بشكل فعّال.
لكن يجب ألا يُفهم من كلامنا هذا أن الأطفال الذين يتمتعون بذكاء انفعالي, يملكون بالضرورة مستوى ذكاء مرتفعاً جداً, بل هم غالباً أفراد يتمتعون بمستوى ذكاء طبيعي, لكنهم عمليّون وقادرون على تكييف تعاملهم مع معظم الوضعيات الحياتية التي تواجههم. وهم, بشكل عام, أفراد إيجابيون, متفائلون, ومتعاطفون, وبالتالي قادرون على تأويل وإدراك انفعالاتهم وانفعالات الآخرين بشكل إيجابي, واستخدام معلوماتهم هذه لتعديل درجة انفعالهم لدى تعاملهم مع هؤلاء الآخرين, ولتنويعه تبعًا لتنوّع الوضعيات.
يحتل الذكاء العاطفي, بالتالي, درجة مهمة جدًا في سلم تحقيق الذات من قبل الفرد, لكن تحقيق الفرد لذاته يبقى مستحيلاً إن لم يُشبع حاجاته الأساسية ويتجاوزها, الأمر الذي يرفع من إمكاناته وطاقاته الفردية. والأهم يكمن في الواقع التالي: الذكاء العاطفي يتم تعلّمه, وبالتالي, من الممكن دائماً وبأي عمر, أن يبدأ الفرد تعلّم كيفية تأويل انفعالاته وانفعالات الآخرين وتنظيمها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat