كنا نلجأ اليها ونتوددها بتوسل كي نسمع حكاية من حكاياتها الطيبة التي لاتشبه حكايات الجدات ولا علاقة لها بخرافات الازمنة الغابرة ومن طبيعتها ان تبدأ الحكاية بالصلاة على محمد وال محمد وهي تروي لنا حكاياتها وتعمل على ان ترسخ الحكاية في عقولنا الصغيرة ، اعتقد انها كانت تدرك ان حكاياتها اكبر من اعمارنا ،رغم اننا لسنا صغيرات لكن الحكاية كانت كبيرة ، فهي انسانة مثقفة وعملت لسنوات مشرفة تربوية قبل تقاعدها ، كأنها كانت تمون لنا الحكاية للمستقبل والحكاية التي علقت برأسي ما زلت اتذكر تفاصيلها بدقة وهي تروي لنا عن طبيب عيون الماني اسمه ( جيب ايشيل)وردته ذات يوم بطاقة تهنئة ، وفرح كثيرا بخبر تعيينه رئيسا لبعثة علاجية لأمراض العيون في الصومال، فرح كثيرا لأنه سيكون رئيس بعثة انسانية تحمل الخير والعلاج للناس هناك ، كان هذا الطبيب ابن ناس وتربية ويحب ان يخدم الناس ، لكن قبل ان يستلم مهام عمله ، وردته برقية ثانية ، من رئاسة منظمة ( التنصير ) تطلب حضوره الى انكلترا لقضاء فترة تدريب ،شرحت لنا الجدة معنى التنصير، وقالت هو لم يكن يعرف نوع هذا التدريب ، اكتشف حينها انه جند ليكون عضوا في بعثة تنصيرية
اتخذت خطتها مشروعا لتنصير الأفارقة، وكانت الصومال هي المنطلق الأول، وأعدت هذه البعثة مشروعا علاجيا لأمراض العيون كحالة تخفي وترغيب لإدخال الصوماليين للديانة المسيحية.
قال مع نفسه: لابأس فذلك يحقق له منجزين؛ الأول: مادي معنوي شخصي دنيوي. والثاني: ديني تبشيري ينفعه في آخرته. وهكذا ذهب الى الصومال متوّجا برئاسة تحيطه هالة الوقار والاحترام من الجميع كرئيس بعثة اطباء، تعرف على رجل مسلم يدعى (محمد حسين باهور) شخصية مثقفة.، ارتاح اليه الطبيب كثيرا وراح يحلم كيف سيكسبه الى النصرانية ، وليكون منطلقه الى مجاميع المسلمين هناك ،. جميع افراد البعثة حذروه منه، لما يمتلك من اعتداد بهويته الدينية والانسانية. صار يفكر به كثيرا، يراه في أطيافه حاملا في يمينه كتاب دينه، والطبيب يحاول أن يسلبه منه، لتكون اول خطوة له في النجاح. حدثت مفاجأة كبيرة حين دعاه الى بيته، وصار الموضوع له اجمل، هناك يستطيع ان يؤثر فيه، ويفتح مناقشة لابد ان تنتهي لصالحه لما يحمله من مميزات ثقافية عالية اضافة الى دورة تنصيرية علمته كيف يحاور وكيف يصطاد فريسته ،.دخل الدار فوجد هناك رجلا كبير السن يستقبله بلغة إنكليزية طليقة، عرف انه والد صديقه، ففرح به كثيرا، شعر بسعادة وهو يجذب مضيفه بالحديث عن المسيحية بينما هو ينصت له بانصات تام. قال الطبيب لنفسه خلاص انه كسب الرجل، ومثل هذه الشخصية اكيد ستؤثر بتنصيرها على المنطقة كلها لكن الذي فاجأه ان الرجل كان يمسك بنسخة من القرآن،
وسأله حين أتم كلامه كله: أتعرف هذا الكتاب؟ قرأه فجعله يدرك اولا ان المسلمين يحبون المسيح، ويعترفون به نبيا، وهذه القضية لم تكن في باله من هذا المستوى من الاحترام ثم طلب منه ان يوجه له اي سؤال عن المسيح او الانجيل لأن في القرآن كل شيء.
وهنا بدأ الحاج (ابو محمد) يدخل الى أعماق الطبيب واخذت زيارته تتكرر على بيت صديقه حتى تم تحذيره من قبل اللجنة المراقبة للبعثة، وطلبوا منه عدم الذهاب الى بيت (محمد حسين) لا يستطيع ان ينقطع عن دار علمته كيف ينظر الى الله تعالى الذي بلا ولد، وعلمته حب الرسول واهل بيته، صار يبكي لمصيبة الحسين عليه السلام ، أشياء غريبة تسافر معه الى عوالم الطف الحزين، يحلم بالحج وزيارة قبر النبي (ص) وائمة البقيع عليهم السلام... الان يشعر ان الدمع هوية كان سخيا عن مقتل صديقه محمد قتلوه، واغرب ما في القتل انه قتل على يد مسلمة كما يقولون.
ازداد حينها ارتباط الطبيب بأبيه يراه وهو يعيش المصيبة يتذكر الحسين عليه السلام ويقول: ساعدَ اللهُ قلبَ الحسين وهو يرى ابناءه يُذبحون امامه، وساعد الله قلب الزهراء عليها السلام. عجيب هذا الرجل خلق له ارتباطات وكأنها كانت موجودة فيه وبعدها بمدة وصله كتاب من المنظمة يطالبه بالانتقال الى (كينيا) واباه يطالبه بالعودة الى المانيا وبعدما قرر أن يكتب لهم رسالته: اطمئنوا كل شيء على مايرام انا صار اسمي عبد الحسين وسأعيش هنا، واموت لأنجز رسالتي كطبيب مسلم أعرف حق الله.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat