روي عن مولانا الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) وهو يأمر شيعته ومواليه: (أحيوا أمرنا، رحمَ اللهُ من أحيا أمرنا أهل البيت). وامتثالاً لهذا الحديث وغيره من الروايات الواردة عن ائمتنا الأطهار (ع)، والتي حثت على إحياء الشعائر الدينية، نلاحظ أن شيعة أهل البيت كانوا ولا يزالون يحيون هذه الشعائر العظيمة رَغم كل الظروف والمصاعب التي أحيطت بها، وعلى رأسها الشعائر الحسينية.
فقد كان حكام الظلم والجور، وبمجرد وصولهم الى سدة الحكم، يتجهون وبشكل مباشر نحو هذه الشعائر ليمارسوا ضدها كل انواع العنف الفكري والمادي والمعنوي، وتمويل الأقلام المأجورة لتشويه كل ما تعلق بها من أعمال ونشاطات ومراسيم تحيي ذكر الحسين بشكل خاص والعترة الطاهرة بشكل عام؛ كونه امتداداً لذكر الله سبحانه وتعالى... فقد ورد عن مولانا الصادق (ع) أنه قال: (إنا إذا ذُكرنا ذُكر الله عز وجل، وإذا ذُكر عدونا ذُكر الشيطان).
ولتسليط الضوء على أهمية الشعائر الحسينية ودورها التأريخي في نهضة شيعة أهل البيت (ع) من أجل الحفاظ على دينهم وعقائدهم الأصيلة، كان لنا هذا اللقاء مع سماحة الشيخ محمد الحسون الذي ألف كتباً وبحوثاً عن الشعائر الحسينية، فكان له هذا الحديث:
لا شك أن الإنسان المؤمن لا ينفك عن الشعائر الحسينية منذ صباه وحتى رحيله عن هذه الدنيا، فلا تجد مؤمناً لا يتفاعل مع هذه الشعائر الحسينية، ولكن يختلف هذا التفاعل من شخص إلى آخر... فتجد إنساناً يكتفي بالبكاء على الامام الحسين (ع) وإظهار الحزن والعزاء، بينما تجد شخصاً آخر يسير أو يركض في مسيرة وهو يلطم على صدره أو رأسه... وهكذا تتنوع وتختلف الشعائر الحسينية بين الأفراد والشعوب والثقافات.
ثم تحدث عن الشبهات والإشكالات التي قد يثيرها بعض الناس حول الشعائر الحسينية:
هنالك اشكالات وشبهات أثيرت عن الشعائر الحسينية مؤخراً، وتعرضت الى هذه القضية في البحوث والمؤلفات التي كتبتها، وبينت أن مراجع الدين الكرام قد أجابوا عن هذه الشبهات عموماً، والرأي المشهور هو جواز هذه الشعائر الحسينية، والذي يستشكل على هذه الشعائر له رأيه، ولكن هذا الرأي يمثل نفسه فقط ولا يمثل مدرسة اهل البيت (ع)؛ لأن الذي يمثل فكر وثقافة أهل البيت (ع) هو ما عليه أغلب علماء ومراجع الدين.
ثم تطرق سماحته إلى أصل اثارة الاشكالات على الشعائر:
لقد وجدت أن أصل الاشكال على الشعائر الحسينية ظهر في سنة (1346ه)، وجاء من جريدة (الأوقات العراقية)، وقد تتبعت منشأها ومن حررها، فوجدت أن الاستعمار البريطاني بعد أن احتلَّ العراق قد أنشأ هذه الجريدة، وكانت صحيفة يومية سياسية تروِّج للبريطانيين ولأفكارهم من خلال مواضيعهم ومقالاتهم المدسوسة، وكانوا أول من أثار الشبهات على الشعائر الحسينية، ولكن في المقابل تصدى المراجع والعلماء للردّ على مثل هذه الشبهات.
وعن أهمية الشعائر الحسينية في مسيرة التشيع قال:
الشعائر الحسينية عبارة عن مدرسة ومنهج كامل نستطيع من خلاله أن نتعلم من الحسين (ع) ومن ثورته، وكيف صبر وواجه الظلم والظالمين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام مدرسة كاملة لكل الأجيال، ومن خلال شعائره نستطيع أن نتعرف على هذه المدرسة المحمدية العلوية، وعلى الأهداف التي ثار من اجلها حتى نقوم بتطبيق هذه الأهداف في حياتنا، وهي أمر لا يكن الاستغناء عنه أبداً.
فمن خلال هذه الشعائر يمتلك الشيعة قوة صارمة، ووسيلة تبليغ مهمة لإيصال عقائد مدرسة أهل البيت (ع)، ولأهمية الشعار الحسينية وخطورتها وحساسيتها ظهرت كل هذه الشبهات والخلافات حولها من أجل التأثير فيها، وتشويه صورتها الناصعة.
وحول مدينة كربلاء المقدسة باعتبارها المركز الأول للشعائر الحسينية للشيعة في العالم قال:
نحن لا نجد اليوم في أي مدينة بالعالم إحياء للشعائر الحسينية كما نراه في مدينة كربلاء المقدسة، وعلى رأس هذه الشعائر هي مسيرة الأربعين... فعندما يأتي الملايين الى هذه المدينة، علينا أن نستثمر هذا الأمر لصالح الدين والإسلام المحمدي الاصيل، فبعض الأديان لا يمتلكون إلا بضعة آلاف من الجماهير التي تجتمع وتتظاهر، ولكنهم يستغلون هذا العدد القليل في سبيل نشر عقيدتهم ومبادئهم، فكيف بنا ونحن تأتينا هذه الملايين وكلهم شوق الى تعلم مبادئ الامام الحسين (ع).
وفي الختام، ذكر واجب السلطات التشريعية والتنفيذية في العراق تجاه الشعائر الحسينية:
هنالك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الدولة العراقية والبرلمان، فهذه الملايين التي تسير لزيارة الإمام الحسين (ع)، يوجد من يمثلهم في السلطة التشريعية، فلا بدّ من وضع ميزانية خاصة لكربلاء المقدسة، وأن تكون لهذه المدينة خصوصية من أجل توفير كل انواع الخدمة خلال الزيارات المليونية؛ لأن المسألة لا تخص أبناء العراق فقط بل أصبحت عالمية.
ومن جانب آخر لا بدّ أن يكون للإنسان المؤمن والموالي والمحب للإمام الحسين (ع) الحرية الكاملة للتعبير عن فكره ورؤيته، وعن محبته بطريقة ونوع الشعيرة التي يمارسها، وهذا ما يجب أن تضمَنَه القوانينُ في البلد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat