أثر قصة إبراهيم الخليل (ع) في الشعر العربي القديم
د . حسين لفته حافظ

  تأثر الشعراءُ منذ القدم بقصة النبي إبراهيم (ع)، فقد ورد في ديوان الشاعر أمية بن أبي الصلت قوله:

قال إبراهيم الموفي بالنذ   *   ر احتساباً وحمل الأثقــــال
وهو لا يملك التصبر عنه   *   ولما رآه في معشر إقبـــــال
بُني إنني نذرتك لــــــــــل   *   هـ فصبراً فداك عمي وخالي
فأجابَ الغلامُ أن قال صبرا  *   في إرضاء الإله لست أبالــي
أبتا أوف ما نذرت وأخــــر   *   عن دمي أن يمسه سربالــي
حمل الله جيده من نــحاس   *   ان رآه ذا مدية وحبـــــــــال(1)
لقد لخص الشاعر حكاية إبراهيم الخليل مع ولده إسماعيل بطريقة السرد المباشر التقريري مصوراً امتثاله لأمر الله (عزَّ وجل) في ذبح ولده، وامتاز أسلوبه الشعري بالإيجاز وسهولة الألفاظ.
  وقد ذهب بعضُ الباحثين الى أن الديانة الحنيفية أثرت في المظاهر الاجتماعية  والأدبية قبل الإسلام(2)، وقد برز ذلك في الشعر بشكل جلي, إذ يلاحظ من خلال هذا الشعر أن الإسلام لم يكن قد أتى مفاجأة بلا إرهاصات أو مقدمات دينية, إذ كان شعرهما يمثل تلك الإرهاصات في أواخر العصر الجاهلي: كشعر زيد بن عمرو بن نفيل, وأمية بن أبي الصلت الثقفي، ولبيد العامري، وزهير بن أبي سلمى، وغيرهم من المتحنفين (3)، ومن الإشارات القديمة التي وردت في الشعر وهي نتيجة لأثر الديانة الحنيفية، قول ورقة في أبيات تنسب إليه (من الطويل):
أتبكر أم أنت العشية رائـــــــــحُ * وفي الصدر من إضمارك الحزن قادحُ
وظني به أن سوف يبعث صادقا * كما أُرسل العبدان هود وصالــــــحُ
وموسى وإبراهيم حتى يرى له * بهاءٌ ومنشورٌ من الذكر واضـــــحُ(4)
  إن قصة النبي إبراهيم (ع) تحمل في طيّاتها أحداثاً تتصل أبرزها بالجانب الفكري ومجادلة النفس وهو صبي, للوصول الى حقيقة الإيمان بالله الواحد  الأحد في تأملات ذكرها القرآن الكريم: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (5).
  وقد ذهب الدكتور طه حسين إلى أن تلك الأخبار التي وردت في الشعر لم تكن مجهولة قبل أن يأتي بها القرآن, إذ أن كثيراً منها كان معروفاً عند اليهود, وبعضه عند النصارى، وبعضه عند العرب أنفسهم(6).
 والتمس الدكتور كامل فرحان في تلك الإرهاصات الدينية أن العرب كانوا مهيئين وجدانياً لحمل هذه الدعوة الإسلامية(7). وفي قصة النبي إبراهيم (ع) يذكر القرآن خبر ضيوفه الذين أكرمهم وأحسن ضيافتهم، فقال تبارك وتعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ)(8).
وقد استعار أبو تمام معنى هذه الآيات عندما قال مادحاً:
في الجود سهم في المكارم والتقى * ماربّه المكدي ولا المسهومُ؟
وبيان ذلك أنّ أول من حيــــــــــــا * وقرى خليلُ الله إبراهيـــــــمُ
أعطيتني دية القتيل وليــــــــس لي * عقل ولا حق عليك قديــــــــم(9)
لقد نجح الشاعر في عقد مقارنة بين كرم النبي إبراهيم الخليل (ع) وكرم ممدوحه من خلال طريق التشبيه باللمحة الدالة في إشارة من الشاعر إلى أن الصلة القديمة المتمثلة بكرم الأجداد لا تنقطع، وأنها السبب في ما ورثته من كرم عند من جاؤوا بعده من أحفاد، من خلال سهم الجود الضارب طويلاً في عمق التاريخ، كأنما الشاعر يريد القول: ليس عجيباً أن يمتاز الممدوح بصفة الكرم، فقد كان أجداده وعلى رأسهم الخليل أهل كرم.
  نلاحظ الوعي الديني والقدرة على توظيف النصوص بشكل يؤدي الغرض، أي أن الشعر يختزن كما من الصور والألفاظ التي أخذ أكثرها من القصة القرآنية المباركة.
المصادر:
1-  الأبيات في الديوان: 34.
2-  ظ: الشعر والدين: 46.
3-  ظ: الإسلام والشعر: 23.
4-  بلوغ الارب: 2/ 274, والأغاني:3/113.
5-  الأنعام: 75.
6-  في الأدب الجاهلي: 153.
7-  ظ: الشعر والدين: 53.
8-  الذاريات: 24-26.
9-  الأبيات في الديوان :67.

الموضوع السابق قمريات

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat