المنبرُ الحسيني.. أداة إصلاح وتغيير
هاشم الصفار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هاشم الصفار

استكمالاً للنهج الحسيني الذي سار عليه أبو عبد الله (ع) ومن بعده الأئمة الأطهار (ع)، جاء المنبر لإيضاح الفكر والنهج والسلوك، كأسس عملية لبذر روح التفاعل والحماسة مع المسار الحسيني الذي اختطه للأجيال... ماذا قال أبو الأحرار...؟ كيف نقرأ ونفسر كلماته المضيئة على مر الدهور..؟. لقد أراد الحسين (ع) الحياة للأمة والإنسانية جمعاء، حياة ملؤها الكرامة، واحترام الذات والقدرات، وأن يعيشَ الإنسان كمكون يسمو ويتعالى، بالقرب الإلهي على النهج السماوي المحمدي العلوي...
لذا كان على الخطيب الرسالي المتصدي لبيان النهضة المباركة وأبعادها، على مختلف الصعد والمستويات، أن يبيّن الأهداف التي رام تحقيقها الإمام (ع)، وبيان أن تلك الأهداف، لم تكن آنية مؤقتة، لعلاج وضع حالي متأزم، جراء الاستيلاء ونهب ثروات الأمة الإسلامية، من قبل جلاوزة بني أمية، بل يمتد الإصلاح مدى العصور، ومتى ما ابتليت الأمة بحاكم جائر مستبد. لقد عمل الرسول (ص) ووصيه (ع) جاهدين على إقامة العدل والمساواة، لإحياء الحياة الكريمة ليس فقط للمسلمين، بل وحتى للذمّيين من أهل الكتاب، الذين أعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون؛ أراد الحسين (ع) إيقاد جذوة في ضمير أمة، أطفأها بنو أمية...
إن حجم الانحراف الحاصل، لم يكن بالدرجة والمستوى الذي كان يمكن تقويمه حتى على يد أعتى الثورات صلابة، إلا بدم طاهر، بمستوى دم الإمام (ع)، خامس أصحاب الكساء... تلك المضامين بحاجة إلى استقراء يمتاز بالنضج المدرك لحجم المسؤولية الدينية والعلمية، فالمنبر الحسيني ينأى ويترفع عن السب والشتائم، والكلمات البذيئة؛ لأنه يحمل أسم الحسين (ع) وحركته المقدسة؛ وليس المنبر وسيلة دعائية لمصالح دنيوية زائلة، فهو تاريخ عريق، استطاع الوقوف أمام تحديات السلاطين الجائرة، التي أرادت شراءه كبوق دعاية لها، لديمومة سلطانها، بواسطة وعّاظها الذين باعوا آخرتهم بالثمن الأوكس، بل بدنيا غيرهم، وذلك هو الخسران المبين، حتى بكى المنابر أحد الشعراء، وما آل إليه حالها أيام الأمويين:
بكت المنابرُ منذ انزوت فوقهـا * تلك القـرود وناحت الأعـوادُ
انظرْ إلى الأعجاز كيف تصدرت * وعمائم السادات كيف تسـادُ
إذن ينبغي على المتصدي للمنبر أن يكون ملمّاً بتاريخ المنبر الذي نشأ منذ بداية الإسلام، على يد رسول الله (ص)، الذي كان يرتقيه للخطبة وتوجيه المجتمع. أما ارتباطه بالقضية الحسينية، فجاء على يد الإمام زين العابدين (ع) في الشام، عندما ارتقى المنبر ليبيّن للناس مظلومية الحسين وأهل بيته (ع)، في خطبة أبكت العيون، وقرّحت الأكباد... فامتلك المنبر الحسيني وعلى امتداد السنين، هذه الحرقة والفاعلية في تأجيج حماس الأمة، ومخاطبة العواطف، لنيل ثواب المواساة لأعزاء الله وأحباءه في الأرض، بمصابهم الجلل، والذي أضحى قاعدة انطلاق لإصلاح وتغيير ما يصيب الأمة من آفات الطغاة وأهوائهم المريضة...
وعليه، يجب أن يبحث من يتصدى لهذه المهمة المقدسة، عن أفضل الطرق وأجداها لسحب ميول الناس، وشدهم للمجلس الحسيني، مع الإذعان الكامل بأن المهمة اليوم أصبحت أصعب بوجود الفضائيات والانترنت، مما ولّد صعوبة جذب الشباب المسلم لحضور المجالس، أو حتى سماعها عبر الأقراص، وذلك لتشتت الذهنية حول مختلف الإتجاهات والقناعات المتعددة، بينما الشاب المسلم بالأمس لم يكن معبأ بشحنات مؤذية من التيارات المؤدلجة، التي تحاول جرّه إلى الترهل والتيه.. فالمنبر الحسيني بات يواكب جميع العصور؛ لأن القضية الحسينية لا تبلى مادامت الدنيا، وما دام الصراع بين الحق والباطل قائماً إلى قيام الساعة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat