كانت مشكلة الفقر والجوع والتخلف من أهم المشاكل بل المصائب الرئيسة التي شغلت الفكر الإنساني، وكيفية التخلص منها أو حتى العمل على تخفيف آثارها، بحيث كانت هذه الظاهرة في صلب معظم النظريات التي جاء بها هذا الفكر.
ولسنا هنا في مجال التغلغل بعيداً في التاريخ عبر الحضارات القديمة المتعاقبة، ولكن الذي يهمنا هنا الفكر الاقتصادي، وأهم ما جاء به من أفكار ونظريات في النمو الاقتصادي، كي نستطيع أن نتناول الموضوع بالتحليل المذكور والدقيق؛ إذ كان النمو الاقتصادي أحد المعالجات لمشكلة الفقر والجوع، لذا فإن الدراسات التي يقوم عليها النمو الاقتصادي قد زادت بشكل كبير وواسع من خلال جهود الباحثين الاقتصاديين المتعاقبين. ولعل الثورة الصناعية كانت الانعطاف الرئيسي لهذا النمو؛ لذا فان العلاقة بين النمو الاقتصادي والفقر، تعد من الموضوعات الهامة وقد تصدرت معظم هذه الموضوعات صفحات المجلات العلمية الرصينة.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو النمو الاقتصادي؟ وما هي المقاييس التي يمكن أن يستعان بها لغرض تحديد هذا النمو؟ وقبل البدء بتحليل ذلك، لابد لنا من أن نركز على عناصر وخواص مهمة في كيفية معرفته.
إن النمو الاقتصادي يركز على جملة من التطورات المحددة والحاصلة في جانبين رئيسين هما، عرض عناصر الإنتاج والطلب على المنتجات، وأن عناصر الإنتاج ترتكز على متغيرات محددة متعلقة بها، ومنها اكتشاف موارد طبيعية وحسن استخدام هذه الموارد، كما أنّ استخدام الأساليب الجديدة والمتجددة في الفن الإنتاجي، وكيفية تجميع عناصر الإنتاج وتوليفها بشكل يحقق الكفاءة الاقتصادية، مع الاهتمام بالزيادة السكانية التي ترفد العملية الاقتصادية عنصر العمل، واعتبار المهارات جوهر هذا العنصر الذي يعمل على زيادة كفاءته. وأن تطوير ذلك يتم من خلال مؤسسات تنظيمية تعمل على توفيق عناصر الإنتاج من خلال دور المنظم.
أما التغيرات الحاصلة في تركيب الطلب على المنتجات من سلع وخدمات، فإن حجم السكان وتركيبهم حسب الفئات العمرية هو عامل رئيسي في زيادة الطلب ونمط تركيبه ومستوى الدخل الذي يحصل عليه الأفراد، ونمط التوزيع الذي يسود المجتمعاتن وكذلك الأذواق التي يتمتع بها هؤلاء السكان ستكون العامل الرئيس في تحديد الطلب على المنتجات؛ لذا عند تناول مفهوم النمو الاقتصادي، يتجه تفكير معظم الاقتصاديين إلى مصطلح الزيادة في أشياء قابلة للقياس، ورغم وجود تداخل ما بين مصطلح النمو والتنمية، فدراستهما معاً ضرورية رغم وجود الاختلاف بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية؛ كونهما يعدان وجهين لعملة واحدة، فالواحد يكمل الآخر في سلوكهما، معتمدين على الزمن في تنفيذ غايتهما، مما أظهر وجهات نظر مختلفة.
فهناك عدد من الباحثين، عرّفوا النمو بأنه ارتفاع الدخل القومي، أو معدل دخل الفرد، أو الناتج.. في حين أن كتّاباً آخرين، ركزوا على النمو الاقتصادي، باعتبار أنه من حالات الدول المتقدمة، لما تتصف به هذه الدول من قاعدة مادية أساسية كبيرة، في الوقت الذي تفتقر إليه الدول الأخرى.. إلا أن فريقاً آخر، يعتقد بأن النمو الاقتصادي هو التوسع في إمكانية الإنتاج، لكن هناك تقارباً فكرياً بين الاقتصاديين حول النمو الاقتصادي من حيث إنه معدل النمو للناتج القومي الإجمالي، أو الناتج القومي الصافي الذي يعبر عن السرعة التي يزداد بها الإنتاج الحقيقي الإجمالي من السلع والخدمات في الاقتصاد، وإذا أردنا تحديداً أكثر، فيمكن أن نقول بأنه معدل الناتج القومي الإجمالي الحقيقي بالنسبة للفرد، أو الناتج القومي الصافي، والذي يعد مقياساً أكثر دقة، لذا فإن النمو الاقتصادي للبلد من خلال تحقيق هذا المعدل اعتمد على فكرة تحقيق الكفاءة الاقتصادية، والعمل على تشخيص الشروط اللازمة لإنجاح الكفاءة الاقتصادية، والاستعمال الأمثل للموارد الاقتصادية، لذا فإن دراسة النمو الاقتصادي يعتمد على نظرية الاقتصاد الكلي، والتي تقوم نماذجها على مفهوم تراكم رأس المال.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat