صفحة الكاتب : نصير جابر الفتلاوي

تلقي النّص المسرحي بين الوضوح والغموض
نصير جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  تحول الدرس النقدي – بثقله النظري والإجرائي- بعد ظهور نظرية التلقي إلى القارئ بوصفه محوراً رئيساً في إنتاج المعنى وإكمال الرسالة الاتصالية.
 والمتأمل في تاريخ النقد الأدبي، سيجد أن العمر المنهجي الحديث ينطوي على ثلاث لحظات: لحظة المؤلف، وتمثلت في نقد القرن التاسع عشر (التاريخي، النفسي، الاجتماعي)، ثم لحظة النص التي جسدها النقد البنائي في الستينيات من القرن المنصرم، وأخيراً لحظة (القارئ) أو (المتلقي) كما في اتجاهات ما بعد البنيوية، ولاسيما في نظرية التلقي. وهذا أمر فرضه منطق التطور في النظرية الأدبية والنظرية النقدية معاً. وبهذا الصدد يقول (ريفايتر): (ان الأدب لا يتكون من نوايا، بل من نصوص، وان النصوص تتكون من كلمات وليس من أشياء وأفكار، وان الظاهرة الأدبية لا تحدد بالعلاقة بين المؤلف والنص بل بالعلاقة بين النص والقارئ).
 إن هذه الرؤية جعلت من القارئ سلطة مهمة تؤثر اشتراطاتها بقوة على راهن النص ومستقبله وحياته وموته… لأن منح القارئ مساحة واسعة في إنتاج التأويل، هو ما يعطي حرية أكبر أو فناء أسرع؛ لأن الأدب سواء كان استعمالاً خاصاً للغة، أو تخيلاً وابتكاراً، أو التعبير عن تجربة شعورية بطريقة موحية، ((يعني أول ما يعني بالاتصال بين الكاتب والجمهور، بين الذات والمجتمع، لذلك فان كل أدب انطوائي، مسوّر بشراك الذاتية الضيقة، لا يستطيع أن يكون أدباً بالمعنى الصحيح للكلمة)).
 ويبدو ان الأدب المسرحي أكثر من غيره تمثلاً ووضوحاً للمبادئ الاجرائية لنظرية التلقي؛ لأنه كتب وفي يقين مؤلفه أنه عرضة للتحول؛ ولأن المسرح يعتمد على الاتصال الحي مع المتلقي، لذلك يُفترض بالمؤلف المسرحي أن يسعى بذهن متوهج ووعي ثاقب، إلى إنتاج نص يتوافر على عناصر الجذب والإغراء القادرة على مدّ أواصرها إلى ذات المتلقي، هذه الذات المحايدة، وتحويلها إلى ذات منحازة ومستعدة لتلقي رسائل أو رسالة النص أولاً، ومن ثمَّ العرض المسرحي.
 إن الاستحواذ على انتباه المتلقي وإدامة هذا الاستحواذ عملية ليست بالسهلة، ولكنها ليست بالمستحيلة. وقد يكون النص المسرحي – لطبيعته البنائية - مهيئاً أكثر من غيره لهذه المهمة، إذ ان عناصر المسرحية: الحدث، الشخصيات، الحوار، الصراع... كلها ستعطي ترسيخاً أكبر لرسائل النص؛ فالأفكار والمشاعر سيجدها القارئ مجسدة في شخصيات لها مواصفات بدنية وروحية، تعطي له فرصة أوسع لتخيلها، والتفاعل معها أكثر من باقي الأجناس الأدبية.
 إن الكاتب المسرحي يضع في اعتباره دائماً جمهور المشاهدين (المتلقين) قُبيل شروعه بالكتابة، إذ من المفروض عليه أن يكون وسيطاً جيداً بين كلمات المسرحية وجمهوره، وهذا – كما ألمحنا - يخالف موقف كاتب القصة أو الشاعر بالنسبة إلى قرائهما؛ إذ أن أمامه فرصة كبيرة فيما لو استجمع أدواته الفنية والفكرية، لكسر أفق انتظار القارئ، وخلخلة المساحات الراكدة في وعيه وعاطفته، ومن ثم بثّ ما يريده لكي يستقبله القارئ المثار والمستفز.
 إن افق انتظاره هذا يمثل الفضاء الذهني الذي تتم من خلاله عملية بناء المعنى عن طريق التأويل الأدبي الذي هو (محور اللّذة، ورواقها لدى جمالية التلقي).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نصير جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/21



كتابة تعليق لموضوع : تلقي النّص المسرحي بين الوضوح والغموض
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net