لقد جاءت عملية التنمية بالأساس لمعالجة مشكلة التخلف، والتي عانت منها الأقطار النامية طويلاً، حتى وصفت بأنها أقطار متخلفة. ولقد اختلف الاقتصاديون وبضمنهم اقتصاديو هذه الدول الذين يعيشون التخلف أكثر من غيرهم، على إيجاد مفهوم محدد للتخلف .
إن الفكرَ التنموي المعاصر ينظر إلى التخلف على أساس كونه وضعاً معيناً، نشأ بفعل ظروف تاريخية معينة، وهذا الوضع يتميز بالحركة، وعليه فالتخلف ليس حالة طبيعية بسبب نقص رؤوس الأموال أو بعض الخبرات، بل إنه عملية تاريخية نشأت وتطورت في الأقطار النامية، بسبب دخول هذه الأقطار النامية بعلاقات اقتصادية مع الأقطار المتقدمة، أدت إلى دمج اقتصادياتها بها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من مجمل هيكل الاقتصاد الرأسمالي العالمي .
وعلاقات الربح هذه نشأت بشكل واضح بعد الثورة الصناعية في أوربا، أي حوالي منتصف القرن التاسع عشر؛ وكانت حصيلة الدمج هذه، انسياب موارد الأقطار النامية، وفوائضها الاقتصادية، إلى الاقطار المتقدمة، بحكم كونها الجزء التابع في هذا الاقتصاد. وهذا فرض نوعاً من التقسيم الدولي للعمل، أدى بدوره إلى نشوء أقطار نامية (التوابع)، وأخرى متقدمة (المركز)، وبروز ظاهرة التخلف... وخلال الفترة ذاتها، مرت التنمية بمراحل عديدة، وصفت في مراحلها الأولى بأنها التنمية الاقتصادية، وعرفت بأنها فعالية اجتماعية حركية، تتضمن تغيرات كمية ونوعية في حياة الناس خلال فترة معينة من الزمن. فهي إذن عملية مجتمعية واعية موجهة، كما إنها تتضمن تحولات هيكلية، تؤدي إلى تكوين قاعدة مادية تُستخدم من أجل توسيع الطاقات الإنتاجية الذاتية، يتحقق بموجبها تزايد منتظم في متوسط إنتاجية الفرد وقدرات المجتمع، ضمن اطار من العلاقات الاجتماعية التي تؤكد الارتباط بين الكفاءة والجهد، وتعميق متطلبات المشاركة، مستهدفة توفير الحاجات الأساسية المادية منها وغير المادية، من أجل ضمان الأمن الفردي والاجتماعي والقومي.
ومن أجل فك روابط التبعية الاقتصادية والاعتماد قطرياً في إشباع الحاجات الاساسية، وصفت التنمية في مراحل لاحقة بأنها تنمية مستقلة، تعتمد بالأساس مبدأ الاعتماد على الذات، وأخذت تتولى مفاهيم التنمية؛ حيث وصفت بعد ذلك بأنها تنمية اجتماعية، ثم جاء مفهوم أوسع يصف التنمية بأنها تنمية شاملة لكل المفاهيم السابقة، إلا أن هذه المفاهيم كانت تنظر للبشر على أنه وسيلة للتنمية فقط، لذلك ظهر مفهوم أكثر تقدماً وشمولاً من المفاهيم السابقة، وهو مفهوم التنمية البشرية، والذي تناولته تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشكل التالي :
فقد عرفها تقرير عام 1990 بأنها عملية توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس، وأن هذه الخيارات تنتج عن طريق توسيع القدرات البشرية، وعلى كافة مستويات التنمية، وهناك قدرات تعد أساسية للتنمية البشرية، وهي أن يعيش حياة خالية من العلل، وأن يكتسب المعرفة والتمكين من الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat