كانت لحظات رهيبة، تلك التي مرت.. جرفت ربيع الحياة حتى حولته الى هشيم تذروه الرياح..
تزلزلت الأرض واهتزت الجبال وربت، ثم اهتزت وربت، واسودت الوجوه الحالكات بأفعالها المقيتة.. انها تحصد ظلام انفسها وظلمها.. انها زرعت وكان نتاجها الشوك حصادا مزق افئدة حرى.. حوّل الجمال والخير والسلام والطمأنينة الى اشلاء ممزقة ووريقات ذابلة ذاوية... ويالها من مصيبة عظيمة حولت الماضي الى حاضر.. قلبت ميزان الحياة وحركت الضمائر الحية الى عصرها الجديد..
انه لواقع لا يصدق.. رهيب.. أشلاء متناثرة ممزقة مقطعة ورايات كسرت أعوادها غير أنها بقيت شامخة كشموخ الجبال، بل أن الجبال طأطأت قممها مذعنة لبسالة وشجاعة تلك الثلة المؤمنة التي استشهدت على مذبح الحرية والكرامة الأبدية... حاول الأعداء أن ينالوا من الكرامة ومن الموقف الاشم لها، ولكنهم أرعبوا وتفتت حصاتهم وانهارت قناتهم، وباؤوا بغضب من الرحمن فجردهم من الرحمة والشفقة، انهم كالوحوش بل اشد وطأة.
اخذ القتلة يجمعون بقايا من بقي في الخيام وازقة مساكن اهل البيت عليهم السلام من الصبية والاطفال والنساء.. لا تأخذهم بهم رأفة او تمنعهم رحمة انهم قساة باعوا الضمير واشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم واصبحوا بما فعلوا من النادمين، واي ندم اشد وامضى مما فعلوا بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة.
قيدوهم بالأغلال والسلاسل.. حفاة تلفحهم حرارة الصيف القائظ، وتمزق أقدامهم حرارة الحصى اللاهب.. غير أن كبرياء القيم وعظمة الايمان بالله عز وجل، لم يستطع الطغيان ان يزحزحهما لحظة، بل ازدادوا صلابة وقوة ومنعة حتى عجز الباغي يزيد (لعنه الله) ان ينال ولو بمقدار حبة من خردل من تلك القيم وذلك الموقف الشجاع، ووقفت الحوراء زينب (سلام الله عليها) ذلك الموقف الصلب الشجاع امام المارق ابن مرجانة ووصمته بالعار والشنار واماطت ببلاغتها المعهودة اللثام عن خبث وجبروت تلك الشجرة الملعونة في السماء والارض، وانهارت تلك الهيبة المصطنعة والتي بناها بنو أمية لانها بنيت على أسس هشة متداعية.. قالت العقيلة (سلام الله عليها) بلغة عهدناها في جدها وأمها وأبيها وأخوتها عليهم السلام، قالت: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله) فقال ابن زياد (لعنه الله) كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك، قالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون اليه وتختصمون..)، وعلى ما في كلمتها من بلاغة وحجج دامغة هزت مضاجع بني أمية لعنهم الله، الا انها وضعت القواعد الاساسية للنهضة الفكرية للامة الاسلامية، برفضها للاستعباد والذل لغير الله عز وجل.. كما انها اعطت المفهوم الحقيقي للثورة على الظلم والجور والاستعباد.. واذا كان عنف بني امية (لعنهم الله) وهمجية قيادتهم قد ساهما في رسم الطريق لدولتهم، فان ثورة ابي الأحرار عليه السلام قد اجهضت والى الأبد تلك الدولة الباغية وقوضت نفوذها وركائز ثبوتها مما عجل بانهيارها في سنين قليلة.
واذا كانت عملية تصفية الخصوم التي بدأها معاوية (لعنه الله) قد حققت بعض مراميها، فان الموقف البطولي العظيم الذي اثبتته تلك الثورة الاسلامية العملاقة قد كشفت زيف الحقائق التي نادى بها معاوية، وعرت الى الابد شرذمة الفسق والفجور، واخزت اولئك الذين لطخوا اياديهم بوحل الهزيمة، ومرّغت وجوههم بالخزي والذل وسوء العاقبة الى بئس المصير.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat