الإمام الحسين عليه السلام بلسان أعدائه
الكاتب المسيحي المرحوم عامر رمزي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

دخل الحسين عليه السلام التاريخ كثائر عظيم، غير أن كل الناس في العالم الإسلامي وبعض أجزاء العالم الأخرى اليوم مازالوا يتذكرونه. ولاشك أن الحسين عليه السلام قد غيّر حياة المسلمين من بعده... ولا يمكن فهم التاريخ الإسلامي بدون فهم عميق لثورة الحسين عليه السلام فمن هو الحسين عليه السلام؟ هل كان قائدا دينياً عظيماً ونذيراً لحقوق الله وداعية للصلاح؟ اتفق مع هذا القول، لكني أعتقد أنه كان أكثر من ذلك بكثير ومتميزاً بين ملايين المسلمين الذين توافدوا بعده على الأرض ومتميزاً عن الكثير من الثوار أيضاً.
كل شعب خلـّد قائده الديني.. فكان (بوذا) وكان (مارتن لوثر) أو قادة سياسيين مثل عبد الناصر، أو جيفارا... فلماذا لا نخلد الحسين عليه السلام وأصحابه وقد كانوا مؤمنين بالقضية الإنسانية والفضيلة حد النخاع؟ لكن الأمر الغريب والمثير أن جاء خلوده على لسان أعدائه أولاً ثم بأسلحتهم وأيديهم. إذ لا يوجد برهان دقيق محكم أكثر توكيداً وإقناعاً من دليل يضعه أمامنا شهود هم اصلاً أعداء الحسين عليه السلام فقد قال يزيد بن معاوية:
(وما عسيت أن أعيب حسينا... والله ما أرى للعيب فيه موضعاً).
وهناك توصية خاصة من معاوية إلى عامله سعيد بن العاص قال فيها:
 (وأنظر حسينا خاصة ولا يناله منك مكروه فان له قرابة وحقا عظيماً لا ينكره مسلم أو مسلمة وهو ليث عرين). وقال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان لمروان بن الحكم حينما طلب منه مروان قتل الحسين عليه السلام إن لم يبايع يزيد: (أتشير عليّ بقتل الحسين! والله أن الذي يُحاسب بدم الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان عند الله). حار معاوية في أن يجد ما يعيب الحسين عليه السلام كي يصغره بين الناس فقال لمحرضيه على الحسين عليه السلام إنه لا يجد ما يقوله في الحسين!!
وقد نسب إلى عمر بن سعد الذي تسبب في واقعة كربلاء، وكان بيده قطع المسار نحو الكارثة المشئومة والذي قد أُغري بولاية (الري) لو ساهم في قتل الحسين.. نسب إليه إنه قال وهو حائر بين الري والحسين:
فوالله ما ادرى واني لحائر  ***     أفكر في أمري على خطرين
أأترك حكم الري والري منيتي  *** أم أرجع مأثوماً بقتل الحسين
وفي قتله النار التي ليس دونها  *** حجاب، وملك الري قرة عيني

لابد أن يكون واضحاً لكل قارئ متفكر أن يعرف السبب الذي قُتِل من أجله الحسين عليه السلام. 
كان صراعاً بين إثبات حقوق الله عز وجل، وغيرة لا متناهية على الأخلاق عن طريق إمامة الحسين عليه السلام وبين الأطماع السياسية، وقسوة السلطة، والبحث عن المتع عن طريق رجال ولاية يزيد بن معاوية. فهو لم يكن متهماً بجرم، ولم يكن مطلوباً دماً، ولم يعتدِ على أحد، ولم يسرق أو يجيء بالموبقات التي تجعله تحت طائلة القانون وفي إطار المشبوه والمتهم.
وهو (من الناحية القانونية) لم ينشئ حزباً أو تجمعاً أو جيشاً للمقاومة والمعارضة بالمعنى السياسي المتعارف عليه الآن.. ولم تبدر منه قبل واقعة كربلاء أية محاولات سياسية أو عسكرية مسلحة ضد الدولة.. بل خرج إلى كربلاء ومعه أصحابه وأهله دون أية نية مسبقة للقتال. وحتى رسله الذين كان يرسلهم للعراق ليقرأ وضع الناس هناك لم يكن يرسلهم خفية، وبعمل سري أو نضال سلبي بل كانوا يكلمون الناس علانية وقتل أغلبهم في وضح النهار.. فهو لم يقدم أفضل نمط للثورة فحسب، لكنه قدم لنا أشرف وأنقى وسيلة في انطلاقها.
مما تجدر الإشارة إليه هنا، وهو واقع حال، أن الحسين عليه السلام كان حريصاً جداً على وحدة الدولة بتجنبه أية أعمال تهدد مصالحها الاقتصادية أو الأمنية وغيرها قبل توجهه إلى كربلاء، وهذا ما يُحسب إليه فضلاً كبيراً في نقاوة ثورته من الأعمال التخريبية ضد الدولة، وتجنبه استخدام الوسائل السياسية الخسيسة المعروفة في كل العصور لنيل غاياته... فكانت ثورته بيضاء الأكف، ولم يُقتل فيها بريء سواه وأهله وأصحابه. هو حتماً قدوة حسنة لكل ثائر كي يفكر في أن لا يهدم جدار الدولة للوصول إلى غاياته من الحرية خلف ذلك الجدار. لقد قدّم الإسلام للعالم شخصية مثالية ألهمت قلوب الناس معنى التضحية والفضيلة طوال قرون من الزمن رغم كل التغيرات التي أصابت المسلمين مع اختلاف العصور، وأنظمة الحكم والظروف، فكانت نمطا جميلاً من الفضيلة وحافزاً جيداً لممارستها، وهي مساهمة طيبة في تجديد الجنس البشري وتهذيبه أكثر... إن سيرته الشخصية وأعماله يلقيان تقديراً وعرفاناً عالميين. إن شخصية على هذا القدر من الثبات والإنسانية تستحق أن تسمو في تفكيرنا إلى ممارسات حقيقة في تشذيب أخلاقنا والرقي بها نحو غاية الحسين عليه السلام في كمالها. من أجل مَنْ مات الحسين عليه السلام؟ وما هي روافد ثورته؟ جد لك من ملحمته الخالدة مبادئا روحية تحسن من خلالها علاقتك بالله تعالى... إن الله عادل ولا شك في ذلك فهل سينسى الحسين عليه السلام والطريقة البشعة التي قتل بها مع أهل بيته وأصحابه وينسى محبيه...؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الكاتب المسيحي المرحوم عامر رمزي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/15



كتابة تعليق لموضوع : الإمام الحسين عليه السلام بلسان أعدائه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net