التكرار اللفظي في القرآن الكريم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن أغراض ومرامي التكرار اللفظي في القرآن الكريم قد تعددت لتشمل جميع الأساليب التي ألفها ولم يألفها العرب في خطاباتهم وشعرهم لذلك أصبحت قيمة التكرار اللفظي الأدائية في التعبير البياني مهمة من حيث تعدد مقاصده الاستيعابية والدعائية وحتى التقريرية في المعنى، وقد يتوخى منه التلذذ فقط بالنسبة للشعر. ومن خلال هذه المقاصد اتسعت أغراض هذا التكرار لتجدها متكاملة في القرآن الكريم، وبشكل قد تعدى درجة الإعجاز الأدبي... ومنها التأكيد الذي هو احد أنواع البلاغة اللغوية في القرآن لبيان الخصوصية في بعض الآيات كما في الآية الكريمة: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)) القدر: 1-2 لذلك تجد أن الوحدة البنيوية لهذه الآية الكريمة قد اتخذت منحا متماسكا من حيث اللفظ، والجمالية الأدبية، والترابط الجملي الذي استطاعت الآية من خلاله تعظيم وتهويل هذه الليلة العظيمة بالنسبة للباحث، وهنا تحقق غرضان في تكرار واحد، وهناك غرض آخر استطاع القرآن أن يستحضره من اجل بيان صورة غير مألوفة، وهي التعجب من خلال التكرار استطاعت أن تصنع إعجازا لفظيا كما في الآية الكريمة: (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)) القيامة: 19-20 فقد أكد الله سبحانه وتعالى سوء تفكير وتقدير الكافر ومن ثم توبيخه وذلك بتكرار اللفظ ليكون ابلغ تأثيرا في نفس المتلقي، وأشد وقعا بالنسبة للباحثين. وأمثلة ذلك عديدة في القرآن الكريم ومنها (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)) التكاثر3-4 حيث تتجانس الصور البلاغية من خلال نصوصها المتكررة لتصنع تذكيرا جميلا يشكل وحدة لغوية متكاملة، ويلاحظ المتتبع للآية المكررة والموجودة في سورة الرحمن أنها استطاعت أن تجمع جميع استخدامات التكرار اللفظي وبشكل إعجازي بالنسبة للباحثين من خلال تكرار الآية: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) حيث يلاحظ من هذا التكرار الحاجة التذكيرية بالنسبة للقارئ، لتكون كل آية تتعلق بما قبلها تعلقا معنويا ولفظيا. كما استخدم القرآن التكرار كوسيلة من وسائل المدح والاستبعاد والاستمالة كأغراض عرضية في نصوص حاكت عن طريقها عقول المؤمنين، مبينة لهم ببساطة المعاني المتوخاة من هذه الآيات كما في الآية الكريمة: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)) الواقعة 10-11 وهنا نجد غرض المدح قد استخدم وبفعالية كبيرة استطاعت خلق حالة من الاصطفاء النخبوي الذي أراد الله تعالى من خلاله تبيان الأحقية الرسالية لأهل البيت عليهم السلام والتابعين لهم بإحسان.
كما بين أيضا في آيات أخرى نوعية البشر المبعدين من رحمة الله عز وجل كما في قوله تعالى: (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)) المؤمنون: 36 لذلك تجد إن أسلوب التكرار في الآيات القرآنية يأخذ منحا مغايرا لأسلوب النثر المرسل والسجع والتكرار الشعري الذي ورثه العرب عن الجاهلية، وشاع في وقتنا الحاضر من خلال الحداثة، وهنا تكمن عظمة هذا المنجز الإلهي الذي سيبقى آية إعجازية لكل الأجيال.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat