صفحة الكاتب : محمود حسين السعدي

الحمامات... شلالات تغسل وجه الأزمنة
محمود حسين السعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

رحت امشي وأنا أفكر في حيرة عن موضوع جديد أقدمه ضمن هذه السلسلة... أي شيء؟ مكان - رجل – مهنة... على أن اعرف لماذا اختاره؟ وما الفائدة من اختياره؟ وأنا أتجول في أروقة منطقة العباسية التراثية، وعيني تعبت من متابعة اللافتات والأماكن، حينما قرأت قطعة كتب عليها (حمام النمرة للرجال) وقفت أتأملها بينما رجعت بي الذكريات عندما كان أبي يحدثني عن هذا الحمام، وعن تراثيات كربلاء، وشخصياتها الفلكلورية. فأنشأني على حب جذوري التي تمتد مع جدائل هذه المدينة المنسابة في رياح الأزمنة. وبما إن أبي رجل كبير في السن، فكرت كم سيكون هذا الحمام قديما، فقررت الدخول إلى المكان الذي ما إن نظرت إليه كأنني انظر إلى عين الزمان المفتوحة على القادم. وبعد أن جلست مع صاحب الحمام الحاج (سلمان إبراهيم الحمامي) بادرني بالقول: هذا الحمام من الحمامات القديمة في كربلاء، حتى أصبح جزءا من فلكلورها الواسع... تحديدا لا اعرف عمر بناء هذا الحمام، ولكنة عموما بني في بدايات القرن الماضي أي ما يقرب من 105 سنين، إذ عندما بني كان خارج المدينة  وهو على شكله الأول لم نغير فيه أي شيء، عدا بعض الترميمات، إلا أنه تعرض للقصف في عام1991 وعند الدخول الأمريكي...
وكأنما قرأ في عيني رغبتي في الحديث عن تاريخ هذا الحمام ؟! 
فبادرني قائلا: أما عن تاريخ هذا الحمام، فهو جزء من تاريخ المهنة، ولا نستطيع فصل احدهما عن الآخر. أما عن تصميم الحمام، فهو يتألف من صالة عند الدخول إليه من الباب الرئيسي، ومن ثم هنالك صالة أخرى فيها عدد من (الدكات) الإسمنتية، ونهر صغير يدور حول هذه الصالة، ينساب فيه الماء الحار، حيث يستحم الزبائن، وهذا الجزء يسمى بالحمام العام. 
أما الحمامات الخاصة فهي عبارة عن غرف فيها صنابير للماء...
وقديما كان يتزود الحمام بالماء من الآبار، حيث يخرج الماء بواسطة آلة تسمى (المزملة) ومن ثم يذهب الماء إلى الصفرية، وهي حوض كبير توقد تحته النار في كوة تسمى الكورة، ويأخذ العامل الوقود من (الطمة) وهي  تملأ بأي شيء قابل للاحتراق. 
--- وعندما ارتسمت على وجهي ملامح العجب !!
قال: لا تتعجب فقد كان لصاحب الحمام عمال يجمعون كل ما يحترق مثل القماش والخشب والأوراق وغيرها ويضعوه في (الطمة)  
فقلت له: هل لدخول الحمام مراسيم خاصة؟ 
--- كان لدخول الحمام مراسيم خاصة، فعند دخول الحمام يبدأ الزبون بخلع ملابسه، ثم يضع متعلقاته في صندوق ويغلق ويعطى له المفتاح، ليطمئن على حاجياته، ويرتدي (الوزرة)، وهي عبارة عن قطعتين من المناشف واحدة تلف حول الخصر، وواحدة توضع  على الكتف. ويدخل إلى صالة الاستحمام لكي يرتاح في البخار الذي يغطي الجو، ويبدأ بالاستحمام. 
ومن الزبائن من يرغب بمساعدة (المدلك). ومنهم من له (مدلكه) الخاص.  فإذا لم يتواجد ذلك (المدلك) لا يطلب غيره، وبعد أن يكمل الزبون استحمامه يصفق بيديه لكي يأتيه العامل بوزرة جديدة، ويأخذ منه القديمة.  وعند خروج الزبون يغمس رجليه في قدح من الماء البارد، لكي لا يصاب بالزكام، ويجلس في الصالة لكي يقدم له شراب الدارسين الساخن، وبعد أن يرتاح وينشف جسمه، يرتدي ملابسه ويعطي حساب الحمام، وحساب المدلك. أما إذا كان فقيرا فلا يأخذ منه صاحب الحمام شيئا.  
هنالك من يستحم بالماء فقط  حتى يدفع اقل. أما بالنسبة إلى المواكب الحسينية أو مواكب التطبير، فلا يأخذ منهم أجورا، ويعتبر تبرعا من صاحب الحمام للحسين (ع) ونحن لحد الآن لا نأخذ اجرا من أصحاب المواكب. أما إذا كان المستحم عريسا فيختلف الأمر، إذ يتم حجز الحمام من قبل العريس وأصحابه، ويتم الاستحمام وسط مراسم الفرح، ويعتنى جيدا بالعريس (يعني ايطلعوله جلد ثاني) وأجرة الحمام حسب ما اذكر في الأربعينات كانت عشرين فلسا، أما الذي يغتسل بالماء فقط فيدفع عشر فلوس. 
--- هل تختلف الحال بالنسبة إلى حمامات النساء؟ 
لا يختلف تصميم الحمامات الرجالية عن النسائية كثيرا ولكن هنالك اختلاف في عادات الذهاب إلى الحمام، حيث تستعد النسوة من الليل عندما يردن الذهاب إلى الحمام، أي يحضرن الملابس ويحضرن بعض الأطعمة التي سوف يأخذنها إلى الحمام، وفي الصباح يأخذ الرجل نساءه إلى الحمام و يتجنب أن يراه احد المعارف، لأنه يحرج من ذلك، ويرجع لأخذهن عند الغروب، وقد يتم اصطحاب بعض الصغار غير البالغين. ويختلف الأمر أيضا إذا كانت الزبونة عروسا فقد يُحجز الحمام أيضا من قبل أهل العروس وتصاحب عملية الاستحمام مظاهر الفرح وتوزيع بعض الأطعمة والحلوى. 
--- حقا يا حاج قد أمتعتني بالحديث عن هذه الفولكلوريات الشعبية التي قد انقرضت ولكن لم نتحدث عن الحمامات اليوم؟
اختلفت الحمامات كثيرا اليوم فأصبح الوقود عالي التكاليف، فقد أصبح 1000 لتر بـ 750 ألف دينار، وارتفعت أجور العمال مما أدى إلى رفع أجور الإستحمام في الحمامات الشعبية، ولكنها تطورت فصارت تعتمد على ماء الإسالة وعلى النفط الأبيض. 
وبعد أن ودعت الحاج سلمان وشكرته على حفاوة الاستقبال وشراب الدارسين الحار... سرت في أروقة خيالي الذي امتلأ بصور أصبحت جزءا من الذاكرة...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود حسين السعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/26


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : الحمامات... شلالات تغسل وجه الأزمنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net