في شهر ربيع القلوب، تُجلى الأفئدة بهالة من نور؛ لتستعد بذلك لدقائق القران، ولطائف معانيه، محاطة بالعناية الإلهية، والأنس الملكوتي.
فلابد لنا ونحن في هذا الشهر الكريم أن نحيي ذكر أولياء النعم (عليهم السلام) بمعية ذكر القران الكريم؛ وذلك لانهم عدلان يعدل أحدهمالأخر، ويعضد بعضهما بعضا، لذا فمن المناسب رعاية التأمل في الآيات الكريمة مع ملازمة الأنس بملاحظة العترة الطاهرة عليهم السلام،وأن أروع ما يصف حال التعلق بالمعصوم (عليه السلام)، والارتباط معه، والإندكاك فيه؛ بعض آيات الذكر الحكيم من سورة يوسف
تعال معي لنبحر في هذه السورة المباركة:
ما معنى ان نبي من انبياء الله (عليهم السلام) يعتزل الناس، ويبني له بيت يبكي فيه على أبنه!
فأي نبي هذا يترك دعوته ليندب أبنه؟
ثم هل كان بلاءه من جهة المادة أكثر من بلاء أيوب النبي (عليه السلام) ؟
من هنا يرفرف طائر العقل، ويسرح الفؤاد إلى ساحة القدس، وغدير الولاية، وبحبوحة الفيوضات الإلهية!
حيث هام يعقوب بيوسف لا لانه أبنه فحسب؛ بل لوجود الهالة القدسية والعلقة الروحية بين شخص يعقوب وشخص يوسف (عليهما السلام)
لذى لم يكن يوسف (عليه السلام) كحال اخوته، بل كان له الولاية على أبيه لما يمتلكه من درجة أرقى، وحضوة أعلى عند ذي العرش مكين.
فنال يوسف (عليه السلام) تمام الرعاية واللطف من قبل أبيه، بل أخلص له يعقوب (عليه السلام) تمام الحب والمودة، بل أرتقى إلى ساحة العشق والوله بسيده
فيعقوب (عليه السلام) لم يفقد ولده بل فقد إمامه
ولم يفقد ثمرة قلبه، بل فقد ثمرة وجوده
فهام في بيت أحزانه يندبه ويبكي لفقده، حتى إذا ما جاؤوا له بقبس منه قال: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُف}
ولما انتهى المطاف، وتم اللقاء { خَرُّوا لَهُ سُجَّداً }.
فهذا هو يا صاح معنى التعلق بالإمام
فلا رواية تعللها بخدش، ولا حديث ترده لسوء فهم، انما هو معنى قراني بحت!!!
ثم هات يدك لننتقل سوية إلى إمام زماننا (عجل الله فرجه) لنرى كيف نندبه
أليس حري بنا ان نتبع سيرة الأنبياء (عليهم السلام)؟
أليس حري بنا أن نتبع سيرة أهل البيت (عليهم السلام)؟
أليس حري بنا أن نتبع سيرة إمامنا الصادق (عليه السلام)؟
فهو يندبه قبل أن يراه، بل قبل أن يولد بسنيين!
روى سدير الصيرفي:
ذهبت مع ثلاثة من الاصحاب الى الامام الصادق (ع) فرأيناه جالساً على التراب وهو يبكي بكاء الوالهه الثكلى ذات الكبد الحرّى قد نالالحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضه وابلى الدموع على خدّيه وهو يقول:سيدي! غيبتك نفت رقادي وضيقت عليّ مهادي واسرت مني راحة فؤادي, سيدي! غيبتك اوصلت مصابي بفجائع الابد, وفقد الواحد بعدالواحد ينفي الجمع والعدد فما أحس بدمعة ترقى من عيني, وانين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسواله
البلايا الاّ مثل لعيني عن عوايد اعظمها وافضعها وتراقي اشدها وانكرها, ونوايب مخلوطة بغضبك ونوازل مخلوطة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً وتصعدت قلوبنا جرياً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل, وظننا أنه سمة لمكروه قارعة اوجلت به من الدهر بائقة.
فقلنا: لا ابكى الله يابن خير الورى عينيك من أي حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك واية حالة حتمت عليك هذا المأتم.
قال: تنفس الامام (ع) الصعداء واشتد خوفه وقال:
ويلكم اني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمد والائمة من بعده عليه وعليهم السلام وتأملت فيه مولد قائمنا
وغيبته وابطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد اكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقةالاسلام من اعناقهم التي قال الله تقدس ذكره: {وكل انسان الزمناه طائره في عنقه} [يعني الولاية فاخذتني الرقة واستولت عليّالأحزان] (بحارالانوار: ج51, ص219.)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat