((لاتكرهوا أولادكم على أخلاقكم فأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم )) علي بن أبي طالب عليه السلام
د . ابتسام مشني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . ابتسام مشني

لقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أشد الحرص في رسالته التربوية المجيدة ،على استلهام التراث الثقافي للعرب والشعوب الأخرى ،ودراسته الخبرات الثقافية القديمة ،وذلك حفاظا منه على الأصول الثقافية ،وحرصا على التواصل الثقافي بين الأجيال المختلفة .
أن الثقافة ذات جذور عميقة بعيدة الغور ،تنتشر في المجمتعات ،وفي الافراد عبر الزمن ،فلايمكن تحقيق البناء الثقافي بين الأجيال بالعزلة والانقطاع .
وفي السياق التربوي العظمي للنفس ،وللعائلة ،وللاصحاب والمريدين ،كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام في خطاب دائم مع الجموع الشعبية ، في المساجد ،والشوارع ،والساحات ، في السلم وفي الحرب ،كأنه يعجل في ابلاغ رسالته خشية التقصير ،فكان في سباق مع الزمن سباق المربي الذي يريد ايصال الناس الى الحق ،لحماية كلمات الله وآيات الله تعالى .
فدعا الى الاستمرارية الثقافية ،والتفاعل المتطور مع ثقافات الامم والشعوب ومع افكار الناس ومعارفهم ،والخبرات الثقافية للأفراد المبدعين ،فانه كان يدعو إلى التفاعل الايجابي القائم على الغربلة وحسن الاختيار ،بضوء متطلبات الإيمان والمثل الاسلامية
ونجد دوره الابوي الفاعل مع ابنه الحسن عليه السلام
في وصيته (أي بني أني وأن لم اكن عمرت عمر من كان قبلي ،فقد نظرت في اعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم ،بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم ،فعرفت صفو ذلك من كدره ،ونفعه من ضرره ،فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله ،وصرفت عنك مجهولة ،ورايت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق،واجمعت عليه على ادبك ان يكون ذلك وانت مقبل العمر ،ومقتبل الدهر ،ذو نية سليمة ،ونفس صافية ) . المصدر من (منهج التربية عند الامام علي )ل الكاتب علي محمد الحسين الأديب .
وعلى هذا النحو يبدو أن الحاجة إلى التعليم امر بديهي في المجتمعات ،لاستمرار وجودها وتطورها.
والمجتمع لايستمر في وجودها عن طريق النقل والاتصال ، بما تتضمن هذه العمليات عن توجيه واشراف هادفين لكفالة نمو المتعلم من الناحية الاجتماعية ،وبفضل عملية الاتصال والنقل يحصل المتعلمون على اشياء عامة ومشتركة لتجعل منهم جماعة موحدة ،ونعني بهذه الأشياء .. المعتقدات والمعارف والتفاهم وغيرها .
و من ناحية أخرى ،فإن عمليات النقل والاتصال المتطورة ذات وظيفة تربوية عميقة الأثر ،فإن حياة الفرد وسط هذه العمليات توفر له خبرة فسيحة متغيرة يشترك فيها مع الآخرين ،فيشعر بشعورهم ويحس بأحاسيسهم ،وقد يغير اتجاهاته في ضوء علاقته بهم وتاثير الفرد في اتجاهاته وخبراته والتي يجب أن تصاغ في نقلها منه الى فرد آخر لتصبح اكثر معنى وتتبلور في ادارك اثرها على الحياة لتعم الفائدة .
ويحسب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حسابا كبيرا لاختلاف الأجيال ،فلايرتضي فرض اخلاق مرحلة قديمة على جيل جديد ،لأن العلاقة بين منطق الأولين وابناء الأجيال الآتية ،هي علاقة تفاعلية حرة ،ترفض القسر ،وتقوم على القناعة والاختيار .
انه يصوغ إطار العلاقة بين (الاخلاق )و (الزمن )على قواعد التفهم الصحيح للمتغيرات الكبرى التي تمر بها الاجيال . فالزمن في جريان دائم ،تواكبه حركة المجتمعات ،بما يعنيه ذلك من تغير المفاهيم ،والاخلاق وقد قال في ذلك في حكمة تربوية تاريخية .. (لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم فأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ).
ان مدرسة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام هي مدرسة البشر التأريخية، هي مدرسة جامعة لكل المبادىء الهادفة إلى قيام أنموذج الانسان النزوع الى الكمالات الممكنة ،
حين نتصفح ذخر الحكمة الذي تركه لنا الإمام هداية وشرعة واسلوب حياة نطمح إليه دائما في ان يكون النموذج الامثل للانسان .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat