حقوق اليتيم في الفكر الاسلامي
السيد زين العابدين الغريفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد زين العابدين الغريفي

قد اولى الاسلام عناية خاصة باليتيم واحاطه بهالة من الاهتمام كونه جزءا من المجتمع ، لكي يبعد جانب النقص الذي حصل في حياته بفقد الراعي والمربي له فعوض بما يوازيه وأكثر مادياً ومعنوياً ، إذ قد يتعرض اليتيم للتشرد والضياع والجوع والحرمان وبالتالي ينشأ ويتربى على عقد وآلام نفسية تخرج به عن حدود الطبيعة الى درجة قد يتحول الى مجرم خطر على المجتمع ، فوضع الاسلام له حقوقاً تضمن احتياجاته المادية وتروض روحه ونفسه وتجعله ينسجم مع المجتمع ويتفاعل مع الحياة فيألف ويُؤلف .
البحث يدور حول محورين :
المحور الأول : من هو اليتيم ؟
اليتم عنوان مرتبط بالكفالة فمن فقد كافله يكون يتيماً ، والاسلام قد أولى الاب حق الكفالة الكاملة وأوجب عليه توفير جميع احتياجات الابن فإذا ما فقد أصبح الأبن يتيماً .
فاليتيم : من فقد أباه وهو دون سن البلوغ ، فاذا بلغ زال عنه عنوان اليتم.
أما اللقيط ومجهول النسب لا يصح اطلاق لفظ اليتيم عليه ما لم يحرز وفاة والده فقد يكون والده حياً ، بيد ان الإسلام لم يتركه دون رعاية فوضع له حقوقاً كثيرة يمكن إستكشافها من قوله تعالى : [فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ] إذ أثبت له الاخوة الايمانية وبالتالي له جميع حقوق الانسان المسلم من وجوب بذل المال لهم وحرمة قذفهم والإساءة اليهم فيسد بذلك الفراغ الاجتماعي والمالي الذي يعيشه اللقيط ، فابدل نسبهم بنسب أشرف وأرفع وهو الانتساب الى الدين ، وما أشرفه من انتساب ، فيروى ان جماعة من المسلمين كانوا يتفاخرون بأنسابهم فقول فلان انا ابن قبيلة كذا والاخر يقول انا ابن كذا حتى وصلوا لسلمان المحمدي (رضوان الله تعالى عليه) فسألوه فأجاب : (انا ابن الاسلام) دلالة على أن الانتساب إلى الدين أشرف وأعلى من أي نسبة عرقية أو قبلية أو اجتماعية .
المحور الثاني : ما هي حقوق اليتيم في الاسلام ؟
تعد ظاهرة اليتم مشكلة عامة في الشعوب الانسانية لاسيما في المجتمع التي تكثر فيه الحروب وتتعدد فيه الجنايات ، فلابد من توفير حلول ناجعة تعمل على المحافظة على الأجيال اللاحقة بما يتوافق وكرامة الانسان ، فوضع الاسلام مجموعة من الحقوق لليتيم إضافة الى الحقوق العامة التي يتمتع بها الانسان المسلم ، لكي يسد الفراغ الحاصل من فقد الأب وليمنع الفاسدين من احتضان هذا الطفل وبالتالي حرف طائفة من المجتمع عن الطريق السليم فيكونوا بعدها خطراً على المجتمع وآفة فتاكة تنخر فيه .
فالحقوق تارة تكون مادية واخرى معنوية .
أولاً : حقوق مادية .
التي تتمثل بتوفير الحاجات الأساسية في العيش بما يوفر له حياة كريمة ، ومن هذه الحقوق :
1. حرمة ماله : إذ أوجب الله تعالى حفظ ماله وعدم التلاعب فيها وحرم أكله وأوجب لاكله النار فقد قال تعالى : [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا] ، كما حث ولي اليتيم على الاتجار بماله لإنماءها واستثمارها كيلا تفسد أو تنفذ .
2. حق الإيواء : بتوفير المسكن الملائم المستجمع لمقومات العيش الكريم ، قال تعالى : [أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى]
3. حق الإطعام : لسد حالة الجوع والحرمان عند اليتيم وبالتالي منع حدوث حالات السرقة وما يستتبعها من جنح وجنايات لانتفاء حاجة اليتيم قال تعالى : [أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ] .
ثانياً : حقوق معنوية .
التي تنمي في نفسه الثقة واحترام الذات وبالتالي تتشكل لديه الدافعية نحو الانجاز والابتكار ، والإسلام إنما ركز عليها لكون اليتيم قد يمتلك تركة مالية تضمن له مقومات العيش لكنه يبقى في حالة النقص النفسي والعاطفي أو فقدان الرشد والنضج الكافي لإدارتها والتكيف مع المجتمع ، ومن هذه الحقوق :
1.حرمة استضعافه وقهره : بالاعتداء عليه وتحقيره وأخذ حقوقه ظلماً وعدوانا قال تعالى : [فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ] والقهر لا يكون بالفعل أو القول فحسب وإنما يتعدى الى النظرات التي تجرح القلب وتؤدي المشاعر ، وعكسه اللطف في معاملتهم وازالة احساسهم بالنقص العاطفي فقد كان رسول الله (ص) انه كان يحسن الى اليتامى ويبرهم ويوصي بهم ، وقد روي عنه إنه قال : [من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر على يده نور يوم القيامة].
2. حق الإكرام : إذ حث الله سبحانه على إكرام اليتيم بأن يعطى حتى يغتني عن ذل السؤال ويبعد عنه حالة الإنكسار قال تعالى : [كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ] وخص اليتيم بالإكرام دون الإطعام لأن الوضع النفسي والعاطفي أهم من سد جوعه ، ولكون تحصيل الطعام لليتيم أيسر من تحصيل الاكرام ، وخص اليتيم بالاكرام لعدم وجود كافل له ، قال رسول الله (ص) : [أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة] وأشار بالسبابة والوسطى .
3. حرمة الدع : وهو زجر اليتيم ودفعه عن حقه بعنف وهو من صفات المكذبين بالدين قال تعالى : [أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ] وفيه دلالة على وجوب الرفق باليتيم ومعاملته باللين .
4. حق العدل والاحسان : فاليتيم أشد حاجة للعدل لكونه الطريق الوحيد لأخذ حقه والوصول إليه قال تعالى : [وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ] كما أمر سبحانه بالإحسان اليهم والاهتمام بهم والقيام بشؤونهم قال تعالى : [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى] ، فالعدل واجب والإحسان مندوب له آثار دنيوية وأخروية وفيه أجر عظيم ، قال تعالى : [وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ] ، وقال تعالى: [قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ] .
وغيرها مما لا يسع المجال ذكرها ، اذ حضي اليتيم بمكانة خاصة في القرآن الكريم حيث تكاثرت النصوص في موارد مختلفة على رعاية اليتيم وحفظ ماله وتكريمه وتوقيره كي ينسيه مرارة اليتم وفقد الاب حتى قرن الله سبحانه وتعالى حقوق اليتيم بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة للتنبيه على شدة اهميتها وخطورة التفريط بها ، فرعاية اليتيم واحترام حقوقه من أهم المبادئ التي جاءت بها الشرائع وطبقها الانبياء وارشدوا اليها ، ورد عن أمير المؤمنين (ع) انه قال : [الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم] .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat