خطورة المنبر الحسيني وتحديات الواقع
السيد زين العابدين الغريفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد زين العابدين الغريفي

كان المنبر الحسيني وما زال مصدر قوة للمذهب الشيعي ومظهر فخر واعتزاز ؛ ولذا أهتم الأئمة (عليهم السلام) وفقهاء مدرستهم به كثيراً وأرشدوا الناس إلى ضرورة الاحتفاء به والحضور تحته والانصات إليه.
مما جعله نقطة امتياز للشيعة عن سائر المذاهب والمدارس الإسلامية، إذ من خلاله يتم تعليم العقيدة والاحكام ودفع الشبهات والتشكيكات التي تطرح في مختلف المنصات الإعلامية والفضائية تطبيقاً لقوله تعالى : [الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا] (الأحزاب/39) .
ولأهمية المنبر الحسيني فقد بادر بعض كبار المراجع والفقهاء والعلماء إلى قراءة العزاء والمقاتل بأنفسهم كالسيد حسين بحر العلوم والشيخ حسين الوحيد الخراساني والشيخ احمد الوائلي والسيد كمال الدين المقدس الغريفي وأضرابهم ؛ حباً لأهل البيت (عليهم السلام) وسداً للفراغ وتحصيلاً للأجر العظيم الذي وعد به.
ولذا لا يصح لأي أحد أن يرتقي المنبر ويعتليه بمجرد قدرته على الرثاء أو حفظه لعدد من الأخبار، بل لابد من توافر مقومات وشرائط تؤهل صاحبها لهذا التكليف العظيم ... وبخلافه قد يقع في الإثم والعدوان.
بيد إنه برزت في الآونة الأخيرة ظواهر خطيرة من قبيل نزو الجهلاء والاغبياء والمتخلفين ومرضى النفوس على المنبر ليعكسوا طريقة تفكيرهم على المجتمع بما يؤدي إلى نشر الجهل بين أوساط الشباب بل نجد بعضهم يعتاش على الكذب والتضليل بنشر أخبار وروايات لا أصل لها بحيث لم تذكر في اي مصدر معتبر عند الشيعة والسنة مستغلاً وثاقة الناس به واطمئنانهم بنقله.
ولعل من اخطر الظواهر على الاطلاق هي الغلو والارتفاع بنسبة الصفات الإلهية إلى الأئمة عليهم السلام مع كونهم عبيداً مخلوقين مربوبين محتاجين إلى الخلق والرزق من الله سبحانه وتعالى، ولذا لا يجوز بحال اللطم على القصائد التي تنادي بربوبية علي بن أبي طالب أو ابنه الحسين أو العباس (صلوات الله عليهم)، بل ينبغي تنبيه هؤلاء وعزلهم بل وطردهم وعدم تمكينهم حال تماديهم في الكفر ، وتحري العلماء من الخطباء الذين تحكمهم الضوابط والتعاليم الشرعية فإن اصحاب المواكب والهيئات شركاء في الأجر والثواب أو الإثم والعذاب.
ولذا ينبغي الحذر من بعض الخطباء والرواديد (المنشدين) الذين يستغلون عاطفة العوام وشدة حبهم لأهل البيت (عليهم السلام) لتمرير أكاذيب وخرافات ما انزل الله بها من سلطان؛ لأجل استدرار العاطفة أو كسب وجاهة من خلال ايهام السامع بكونه صاحب علم ودراية بالأخبار والروايات وهو أكثر الناس جهلاً وتخلفاً.
وندعو المؤمنين (وفقهم الله تعالى) إلى تحري الواقع والسؤال عن كل مقولة غريبة ومطالبة الخطيب والرادود بالمستند الشرعي لها ومعرفة مصادر اخبارهم ومعارفهم، وعدم الاكتفاء بقوله بل البحث بعده وعرضها على الفقهاء العدول ... فان أمر الدين عظيم لا يكتفى فيه بالأوهام والظنون ...
وعلى الخطيب (وفقه الله لكل خير) أن يسلك طريق العلم والمعرفة بالتحصيل الدؤوب طوال السنة؛ ليكون حصيلة من العلم تحصنه من الوقوع في الجهل وتجهيل المجتمع وإفساد عقيدتهم... وأن يقوم بتحضير المحاضرة قبل ارتقاء المنبر فيكون على وعي وبصيرة بما يقول، ويعتمد على المصادر الأصيلة من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية وأخبار العترة الطاهرة الواردة في الكتب المعتبرة، ويذكر المشهور والمعروف من قضية الطف ولا يشغل الناس بشواذ الاخبار ومناكيرها...
وعلى الشاعر والرادود (جزاه الله خيرا) أن يتحرى المشهور والمعروف في نقل الوقائع وصياغتها بصور شعرية تتناسب وعظمة المعصوم (عليه السلام) من دون غلو أو تقصير، فإن الغالي كافر بإجماع الفقهاء، وأن يقرأ القصائد بمضامين معبرة واطوار حزينة بعيدة عن الأطوار الغنائية ، ولا يتكبر عن السؤال حول صحة مضامين قصيدته التي كتبها أو يراد قراءتها أو مشروعية بعض الاطوار، وبخلاف ذلك يكون قد أرتكب الحرام وغرر الناس في الحرام من حيث يشعر أو لا يشعر.
وينبغي على المجتمع أن يتحرى المصادر العلمية لأخذ المعرفة الدينية بالاعتماد على القرآن الكريم والصحيح من الروايات الواردة في الكتب المعتبرة ومتابعة أقوال الفقهاء الربانيين، وإن الرادود (المنشد) مهما بلغ من المكانة الإجتماعية بفصل خدمة سيد الشهداء (عليه السلام) فانه لا يؤخذ عنه ولا يعتمد على قوله في العقائد والأحكام.
وعلى كل حسيني أن يبعد عن تمجيد الاشخاص والمبالغة في تعظيمهم بلا مبرر منطقي ، بل ينبغي احترام جميع المؤمنين من العلماء وغيرهم، فان داء الصنمية قاتل ويسلك بنا إلى منحدر خطير وفتن واضطرابات نحن في غنى عنها.
وفق الله الجميع لخدمة الدين واعلاء راية المذهب وتعظيم شعائر الله تعالى ونشر ثقافة الحسين (عليه السلام) في أرجاء الأرض إنه سميع مجيب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat