صفحة الكاتب : علي سلمان ساجت

الثقافة المســـلحة ...الغائب وممارســة الحضور
علي سلمان ساجت

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الغائب كالمعدوم لايحتم حضورا او وجودا بمعنى ان الحاضر يمكن ان يكون غائبا اليوم او غدا والغائب هو غير حاضر الآن وغير ممكن حضوره غدا والاثنين معا ليس من جهة الاستحالة انما الامكان فيلزم الحضور جهة الغياب لأن وجود الشيء يفرض غيابه عكس الغياب لايلزم بالضرورة الحضور لانه لم يكن قائما او انه لم يكن موجودا فتنشيء جهة اخرى قابلة للفرض .فالحضور وجود متعين والغياب هو أستحالة ممكنة والحاضر مستحيل غيابه والغائب ممكن حضوره وعند هاتين المستويين تنعدم الصورة وتغيب الرؤية حتى ينفتح أفق جديد ليس له صلة بأي أ حد من طرفي اللعبة لأنه من أجاز لي الحضور وألزم الآخر بالغياب؟ يبدو الأمرأكثر تعقيدا من وجهة نظر فلسفية لكنه أكثر وضوحا عقائديا وهنا تتجلى الصورة بكل أبعادها فالذين يجعلون الغائب غائبا لأمر ما دون ان يحفزوا فكرة الحضور لديه مستشعرين اولا قابليته للقبول,وان كان الغائب موجودا ذهنيا وليس حاضرا والحضور هنا بمعنى استشعار الكيفية وغياب الاستدلال والذين يسعون لجعله حاضرا لذاته يستخفون بالذاكرة الجمعية للانسان وعليه بدت تتبلور أفكار من قبيل البدعة او الهرطقة او التكفير بحجج متعددة استنصارا للعقيدة حينا او هكذا يدعون او تزلفا للأمرة او السلطان او استجابة لدواعي ذاتوية وهي الأرجح أذ ظهرت اشكال متعددة للتنكيل وبذريعة انهم لايقيمون الحدود وان الغائب الذين ناصبوه العداء سوف يأتي ناصعا في داخلهم يرمم عقائدهم ويعيد تشكيل وعيهم ينهض بهم ثم يستمد خروجه منهم انها عملية غسيل كبرى شهدها التاريخ في فترات متعددة في العصر العباسي وفي اووربا على وجه الخصوص محاكم التفتيش حتى وقفوا بوجهها القديس اوغسطين وتوما الاكويني وفي الشرق المتوسطي الافغاني ومحمد عبدة والكواكبي , لعل أكبر وهم عاشه الأنسان انه يعيش وفق معايير محسوبة ومعدة وان هناك مصير محتوم سوف ينتظره وان الحياة أنتظار نحو السكون الأبدي وأن كل المعايير والمسارات لم تكن مقطوعة بضدها انما نحو صيرورة وأستثناء أزلي , هذه الشيئية تفوقت بعاملين اثنين انتفاع النخبة وأنتفاخها مع ايمانها بعدم الشرعنة وصنمية الآخر وانتظاره المبرر بالأحقية أنها معادلة رياضية تبدو للوهلة أكثر منطفية فالغائب يتحصن بكامل جاهزيته للشروع نحو الهيمنة عندما يغيب هاجس الولاء ونفوق الأمل خاصة لدى الأشخاص عديمي التجربة فتنحسر أحلام الماضي وتتسع فسحة القادم ببهائه وسطوعه لكنه ماأن يلوح حتى يتناوشه العطب والرماد, يكبو بحلم طويل ( الحلم) الكابي يتهافت عندما يفقد الانسان الامل في الانتشاء يتفصد المستقبل على لوائح الغروب والنضوب هذا الأمحال يتفاقم لاحقا في ذات الانسان ,,ان المهزوم هو الذي ينتظر يتوجس يستطلع ويناضل لكن بأدوات منخورة , فكرة الغائب هي شخصنة وبناء فالانسان أي انسان الذي يعيش حالة من التكور والأنكفاء والتصدع والعدمية هو شخص مهزوم يبحث عن بدائل وأعظم بديل هو الأنتظار المدعوم والموسوم بالتعويض وأن كان آجلا عندئذ يستقيم عنده عامل البقاء ويتعضد لغيره هاجس الفناء وكل الأمراض التي رأيناها هي وليدة هذا الانفصام بين الوجود كحضور فاعل والوجود الآخر المتوجس الخائف الغائب بين الانسان كقيمة وبناء والآخر الموتور المهزوم , ليست هذه فرائض تلزم الاستنتاج انما وقائع كشف التاريخ قليلا منها وغيب جلها بذرائع وطنية وقومية وحتى دينية وعقائدية ومن مشاهد الغياب وأظن انها الاكثر أثارة ولادة الاديان والرموز ولادة اقترنت بالخوف من المجهول والتوجس من الحاضر والتي ماأنفكت حتى هذه اللحظة تسعى لربط مصائرنا وسلوكنا وأخلاقنا وعاداتنا بتلك اللحظة الاولى والتي لايسعنا الخلاص منها لكثير من الأمور لانها ارتبطت بمصالح فئات تعاقبت حتى اصبح الامر وكأنه من البديهيات .
الغائب لم يكن في أول الأمر نزعة فلسفية او ميول أيديولوجية او خط في رسم سياسات لأي فئة كانت أنما كان باديء الأمر أستلهام الذات لنزعات متناقضة في المجموع , فائض الأحساس من غليان الكل ,, الموجود كان نقيضا لطموح (الواحد الهاجس) ..ان يكون وجودك مسلوبا وأنتماءك مخروق في لحظة من لحظات الأحسـاس بالوجود تستوحش كل المناخات وتستمريء العزلة لأنها الخيار الأمثل نحو الوحدة مع الذات لتصبح عندهم ممسوسا ومضروبا ,, الغائب هي غربة الذات في غياب أشكالية الجماعة فتنفصل كل عرى الأحتواء ويصبح ليس بالأمكان ردمها .. تحرير الذات يمر عبر الأنفلات من الضمير الجمعي التحرر من هيمنة الآخرين ولغوهم ولغطهم , هذه الأصنام على مر التاريخ هي أمنياتهم وقد تحققت تأصلت تقدست هنا وتألهت هناك , الخروج من الثياب المتهرئة والأجسام المتوعكة ليس سهلا لأن الألوان حينها تبدو أكثر بريقا وجاذبية وحتى عندما تجاهد كي تنتشل جسدك الضامر الذاوي تبدو كذلك في ذات نفسك متهالكا وهزيلا لأن كل الروابط أنفلتت من لجامها ولم يعد ثمة امل في المكاشفة او الخروج بدون خسائر .. وهنا نسأل من ذا الذي جعل الأشياء بهذه الكيفية , وعندما نرجع قليلا في الفترات الأولى من الوجود الأنساني نستكشف بلا جهد ان الوجود يستلزم الحضور عنوة لكنه لايستثني العدم مع الحضور يتحقق في ثنائية مطلقة من الوجود والعدم معا عندئذ يتحفز عامل الحضور بمعية الوجود لان الاحساس بأني حاضر لايشي بأني سوف اغيب لاحقا ..ولعلنا نستطيع ان نتصور ان الأنسان الأول كان موجودا لاشك في ذلك , لكنه لم يكن حاضرا لأن ماهية الغياب لم يعد لها وجود بعد, فالأشياء كلها موجودة ,,غير غائبة,,لكنها ليست متحفزة لذا فأن الغياب حاضر لكنه ايضا مهدد كي يغيب الاأنه لاينعدم .. بهذه الأليات المفترضة والمفتعلة والتي لم يكن غيرها حينذاك توسعت فكرة الحضور استقامت عوامل الارادة لدى الانسان حتى وأن لم يعد بعد مشافي او غوايات او حتى منافي لانه لم يولد بعد أحساس بالواقع كل شيء له ثوابت الا الذات لانه في الوهم السائد ان الذات ليس لها يد في صناعة شيء ما ,كل شيء مصنوع للذات الا هي مجعولة لسواها صحيح انها خالية من الالتواءات والعقد لكنها متفوقة بالحضور وتفاقم الحضور هذا جعل للغياب كيان لانه زاحم وانحاز لمساحته فأنحسر المكان وضاقت المسافة مما جعل لأن يكون الغائب مزاحما , الكلمة التي تقدست والبياض الذي لم يكن لون غيره.. بكلمات اخرى وبعنوان عريض ان فكرة الغائب فكرة كبيرة وشائكة ومعقدة لانها داخلة في جسد الحياة بأكمله منذ الوجود الأول وحتى التجلي الأخير ويبدو انها تعقدت ليس من ذاتها اي انها هي التي ارادت، بفعل سلسلة من القيود فرضها البعض على البعض الآخر متذرعين بمزاعم معقدة هي الاخرى .. جعلوا لكثير من الاشياء ثوابت وفرائض وارادة واحدة دون النظر الى الأشياء ذاتها وسّموا كل الاشياء ايضا بمسميات وفق نزعات وميول ولا اقول قوانين او مناهج ظلت الاشياء كلها تحت رحمتهم غائبة حينا كما يريدون وحاضرة اخرى اسقبحوا بعضا وجملوا البعض الاخر دون دراية بماهية الاشياء سوى ان ( العادة ) والناموس كان المرجع في اثبات مجموعة وتجميلها وأقصاء اخرى وتقبيحها وهذا من شأنه كان تحفيزا لجهة سمت نفسها (مصلحين) او ابطال او..... وفي بلورة تلك العوامل كلها للجهوية هذه وللهوية تلك وسعت جاهدة في اثبات ونفي لكل قواعد الحياة مما ترى أنه يتقاطع مع مصلحتها .. وكل الذين قادوا هذه الحركات والنزعات والخلايا وحتى ((دول)) مصابين حتما بأحدى هاتين العلتين أما ممسوسين ومعاقين فكرياً، مختلين مقطوعين ومنبوذين شاذين أو من ذوي الأنســاب الغير معلومة قادوا هذه الاتجاهات منطلقين من سلوكهم وأمراضهم وحياتهم التي عاشوا فيهامستلهمين أوجاعهم وأحلامهم تعويضا او تنكيلا وكل الذي نحن فيه (منهم) وعليه فنحن أما ،مرضى، أو ،عتاة، الغياب لم يكن له منهجاً فرضية ليس ألا لم ينهض بعد ومنسوب المعرفة لم يتعلل الا بالبراهين والفرضيات الرياضية والقوانين المؤدلجة بالذهنويات ,, ان الغائب في احدى تجلياته يفت في عضد الدولة والمؤسسة ومن ثم الانسان نفسه مركوز وثابت بل احيانا لدى شعوب اخرى انه جزء من ثقافتهم وتراثهم فصيلة من دمائهم ,, الخلاص لايأتي بوضع قوانين ومناهج وسلوكيات أنما يأتي من ذات الأنسان نفسه الأنسان القادر على صنع قضاءه وقدره وأول هذه القرارات التشكيك بكل موروثاته وانها كلها في موضع شك وان اليقين الوحيد هو الموجود في ذات الانسان نفسه وماسواه يحتمل الاثبات والنفي ,, ان المشاهد التي رأيناها عبر التاريخ من تنكيل وأبادات ومنافي ومجازر وسحل للأفكار وتأصيل الأوهام مردها كلها الى العوامل الأولى في صياغة وصناعة القرار الذي نشأ بأحلام الهيمنة ودواعي الذات المهشمة ولا سبيل الا بقرار يتبلور بمخاض من فكر الانسان .
وسيبقى الغائب حاضرا طالما هناك غياب للفكر والروح والتي هي احدى الركائز التي يذود عنها صانعوالقرار لأنه أي الغائب هو الذي يمدهم بالبقاء ويستمدون منه قوتهم وديمومتهم يناضلون للرمق الاخير في استدامته يجاهدون لجعله عصريا وعولميا وفكرويا غنوصيا وسبوحا ,,( يزينون ) شكله كي يدخلوا الآخرين في دوامته وهيامه وتيهه أنها مؤامرة كبرى صنعتها الأجيال بمشيئة البعض ومباركتهم وعدم دراية البعض الآخر وغفلتهم , وقد نسأل عن الغاية حينها لم تكن هناك اهداف ربما الامر في أوله و في غياب الافكار والحقائق مقابل حضورها لاحقا عن المنفعة المتوخاة من أيهام الناس فيما لوحضرت عن السبل المقطوعة بين آمالهم وأنتظارهم انه شيء اشبه بالوعد والنشيد الذي يعزف في الافراح والاتراح،اذن كل الافكاروالمفاهيم اخذت تشكل قديما ومازالت مسارات نحو الوجود فكل فكرة او مفهوم يشكل خطا برجماتيا مستقيما يدعم هذه او تلك تهفو الى حيازته ايديولوجيا وتناضل جاهدة في بلورة رؤى ودعائم للنهوض به دون ان تعلم مدى صحته ومبلغ ثباته يتأهل بتعضيد من الزمن وينمو بجهل الاتباع وعليه فأن الافكار هي أما حقائق كالعلوم والآداب والفنون وحتى الفلكلور الذي هو أرهاص المناخ والطبيعة . وأما أوهام وهذه ( قائمة بقوة الأستمرار) 1 والتي اخذت حيزا كبيرا في تخريب وتهشيم وتأصيل معالم وثقافات دون العودة الى صحتها او عدمها أخذت مساحة كبيرة في مركزية العقل البشري سادت وأثقلت كاهل البشرية وما زالت سائدة ولا حلول في الأفق سوى تنظيرات لاطائل وراءها حتى أوربا التي تفاخر أنها تحللت قليلا مابرح الفرد ينفض يديه بحياء من ذلك الغبار الفكري متكورا على أرث بائس والشعوب الاخرى بأستثناء البعض اليسير تعيش في وهم الأنتظار المزكوم المعطوب والأفراد نعم الأفراد الذين تحرروا يأخذهم العجب من يقين وصولهم الى عدم لحاق الآخرين بهم ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـادونيس.. الثابت والمتحول ج3 صدمة الحداثة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي سلمان ساجت
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/22



كتابة تعليق لموضوع : الثقافة المســـلحة ...الغائب وممارســة الحضور
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net