صفحة الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي

بين الحَجر والحِجر 
الشيخ مظفر علي الركابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا أدري كل واحد منا له علاقة بالحجارة ، فلنا معها ذكريات جميلة تارةً وحزينةً اخرى ، 
ربما فترة الصبا كنا نعبث بها لصغرها مع صغر في ( عقولنا ) 
فكنا نرمي بها أي حيوان يمر علينا كلباً كان  او طيراً
وكنا نستعين بها لإسقاط الثمر من الشجر العالي لما تَقلُ عندنا الحيلة للوصول إليه.
وكنا نرمي بها القطار إذا تحرك ، لكن عندما يكون واقفاً لا نرميه ، ويستشف أحد  المفكرين من هذا الفعل  ( إننا نرمي وننقد الإنسان المتحرك والنشط في المجتمع أما الإنسان الساكن الذي لا دور له لا يهمنا )
وكبرنا وكبرت عقولنا وصرنا ننظر إلى الحجر نظرة أخرى . 
صرنا نخاف أن نرمي الحجر لأنه قد يرتد علينا وكما قيل في المثل ( إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بحجر ) 
وصرنا نميز بين الحَجر بفتح الحاء وبين الحِجر بكسر الحاء 
وصرنا نفهم أن من كان هناك خلل في صحته الجسدية وكان عنده مرض يُخشى منه سريانه وانتشاره في المجتمع أن يُحجر عليه حتى يتماثل للشفاء . 
وصرنا نفهم أن من به خلل في صحته العقلية من عدم حسن التصرف في المال من ناحيةً فقهية يُحجر عليه في المعاملات المالية والاقتصادية .
فلماذا ياترى جهاز الصحة بعد دراسة وتقارير وتجارب توصلوا إلى أن بعض الأمراض المعدية يجب حجر المصابين بها ؟ اليس هذا خلاف الحرية والديمقراطية ؟
جوابهم يقولون حفاظًا على سلامة الباقين أن تصل العدوى لهم لذلك نقوم بحجر المصاب ، وهو هذا نفس النظرية الإسلامية لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكان للحجر اكثر من معنى : 
فتارةً نزجر به الكلب 
وتارةً نرجم به الزاني المحصن كما في نظام القصاص في الشريعة الإسلامية 
وتارةً كشعيرة من شعائر مناسك الحج نرجم به الشيطان 
وكأنما الرابط بين هؤلاء الثلاث هو النجاسة والدنس والقذارة المادية والمعنوية .
في حين نراه في جانب أخر من الشريعة الإسلامية ، يكون رمزاً لتجديد العهد والميثاق ، كما في تقبيل الحجر الأسود في طواف الحج او العمرة والحديث معه .
وتارةً نراه في قصص بعض الأنبياء معجزةً يتفجر منه الماء لري قومٍ لم ترتوِ من نبع النبوة الصافي ، وما رفعت المعاجز عنهم ذلك الرين على تلك القلوب فيقول القرآن  {۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة : 60]
{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۚ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف : 160]
ويا سبحان الله لهؤلاء القوم ينظرون إلى ماء الحياة يعطيهم الحياة من هذا الحجر الصلد ، وفي قصة البقرة يُريهم نبي الله معجزةً أخرى بأن يُحيي لهم ميتاً ، لكن مع تلك المعاجز لم ترقْ قلوبهم بل كانت كالحجر بل أشد منه قسوة كما أخبرنا القرآن الكريم بذلك التصوير الجميل {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 74]
إذاً فعلاقتنا بالحجر له معنى كبير في حياتنا ، فلا نستهين به ، لأن له رمزية في حياتنا كمسلمين وموالين وذلك في عدة موارد .
المورد الأول : الحجر الأسود كما ذكرنا فهو حجر الميثاق .
المورد الثاني : وهو حجر العقيق اليماني ، يستحب التختم به لانه أول حجر اقر لله بالربوبية واقر للرسول بالرسالة ولأهل البت بالولاية . 
المورد الثالث : حجر السجود ( التربة الحسينية ) حيث ورد في فضل السجود عليه يخرق الحجب السبعة .
المورد الرابع : الصحابي الجليل حِجر بن عدي فقد قُتِلَ صبراً على يد معاوية بن ابي سفيان بعد أن خُير بين الحياة مع تركه لموالاة سيد الأوصياء علي بن ابي طالب عليه السلام ، او القتل . 
فختار القتل ولم يتنازل عن عقيدته رضوان الله تعالى عليه . 
وأخيرًا أختم الموضوع بأن ما من حجر في هذا الكون المنظم إلا له وظيفة يؤديها ، وإذا قصر في وظيفته سوف يحدث خلالاً في نظام هذا الكون .
وهنا تعجبني قصيدة الشاعر إيلياء ابو ماضي الرمزية لحجر في سد يحتقر نفسه وبعد أن تخلى عن مكانه أحدث فيضان وطوفان دمرة مدينةً بكاملها ، وهي تحمل معنى الرمزية أن لا يحتقر الإنسان نفسه فإن له وظيفة في هذه الحياة ورسالة عليه أن يؤديها ولا يترك مكانه لأنه سوف يحدث خللا .
   سمع الليل ذو النجوم أنينا ...........وهو يغشى المدينة البيضاء
    فانحنى فوقها كمسترق............. الهمس يطيل السكوت والإصغاء
    فراى أهلها نياما كأهل الكـ.............. هف لا جلبة ولا ضوضاء
    ورأى السدّ خلفها محكم................... البنيان والماء يشبه الصحراء
    كان ذاك الأنين من حجر............ في السد ّ يشكو المقادر العمياء
    أيّ شأن يقول في الكون........... شأني لست شيئا فيه ولست هباء
    لا رخام أنا فأنحت تمثا........................ لا، ولا صخرة تكون بناء
    لست أرضا فأرشف الماء ..............، أو ماء فأروي الحدائق الغنّاء
    لست درا تنافس الغادة الحد........... سناء فيه المليحة الحسناء
    لا أنا دمعة ولا أنا عين.......................، لست خالا أو وجنة حمراء
    حجر أغبر أنا وحقير لا ........................جمالا ، لا حكمة ، لا مضاء
    فلأغادر هذا الوجود وأمضي................. بسلام ، إني كرهت البقاء
    وهوى من مكانه ، وهو يشكو الأرض.... والشهب والدجى والسماء
    فتح الفجر جفنه... فإذا الطوفان........... يغشى (المدينة البيضاء)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مظفر علي الركابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/22



كتابة تعليق لموضوع : بين الحَجر والحِجر 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net