كيف نتمكن من القضاء على الارهاب؟؟
محمد الحسناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحسناوي

على الرغم من وجودنا خارج الوطن لكننا قلباً وقالباً معكم ومع دفع الامور بالاتجاه الصحيح بما يحقق الامن والاستقرار للبلد والشعب وأنا من ناحيتي فإنني مهتم جداً بالوضع السياسي والاداري والاقتصادي والاجتماعي والامني داخل العراق خاصة خلال السنوات الستة الماضية وأحاول دائماً من خلال نشر مواضيع ذات صلة تقديم النصيحة والفائدة من خلال الخبرة المتواضعة التي إكتسبتها خلال وجودي في أوربا..
فيما يخص عمل القوات الامنية، فإن تضحياتكم التي قدمتموها من أجل البلد هي عزيزة علينا وموضع فخر وإعتزاز خاصة فيما يخص موضوع مقارعة الارهاب وأخص بالذكر هنا تشكيلات وزارة الداخلية من شرطة إتحادية وجهاز مكافحة الارهاب والصنوف الاخرى التي كان لهم دور بارز في القضاء على تنظيم داعش الارهابي وكذلك بالنسبة لصنوف وزارة الدفاع وقوات وفصائل الحشد الشعبي المبارك الذين أذاقوا الارهابيين الامرّين.
أنا هنا أريد أن أتحدث هنا بشئ من التفصيل عن موضوع المرحلة الثانية من عمل القوات الامنية بعد إنهاء وإتمام المرحلة الاولى أي مرحلة العمليات العسكرية..
طبعاً أنا هنا أريد أن أربط بين الوضع في العراق مع الوضع في إسبانيا بخصوص موضوع العمل الامني وخاصة فيما يخص تفكيك الجماعات الاصولية والمتطرفة التي عانت وتعاني منها إسبانيا وخاصة جماعة إيتا الانفصالية التي كانت تستخدم الارهاب من أجل إستحصال مكاسب سياسية وهي فصل إقليم الباسك عن إسبانيا وكذلك موضوع تفكيك الجماعات الاصولية الاسلاموية التي لها إرتباط مع داعش.
فيما يخص حركة إيتا الانفصالية فإنها قد تشكلت في فترة الدكتاتورية عندما كان الدكتاتور فرانكو يستخدم سياسة القطب الواحد ونظام القبضة الحديدية وبذلك فقد قام الدكتاتور بمنع النشاطات السياسية والثقافية في إقليم الباسك وقام بحل الاحزاب السياسية وبذلك نشأت هذه الحركة القومية الانفصالية وكانت تحضى بدعم شعبي قوي داخل الاقليم وقامت بعمليات تفجير وإغتيالات وخاصة لعناصر القوات الامنية والقضاة وأعضاء أحزاب سياسية ولكن هذه الحركة كانت قد فقدت الدعم الشعبي بعد نهاية فترة الدكتاتورية وإقرار الدستور وإقرار النظام الفيدرالي وبذلك قد تم تفكيكها رسمياً في عام ٢٠١٨.
ماأريد أن أشير اليه هنا هو أن مسألة الاصلاح السياسي والاداري مسألة مهمة في عملية سحب البساط من تحت أقدام الجماعات المسلحة وهناك عامل أخر مهم جداً سوف أتحدث عنه لاحقاً.
أما فيما يخص الجماعات الاصولية التي تدعم داعش والتي تعيش في أوربا بصورة عامة وفي إسبانيا بصورة خاصة فإن هذا الموضوع له علاقة بالوضع الاقتصادي في أوربا بمعنى أن القيادات الامنية والسياسية هنا يعرفون بأن هذه الجوامع والمؤسسات الدينية المتطرفة الموجودة على أراضيهم تتلقى الدعم والتمويل من دول الخليج ولكن السياسيون لايستطيعون التكلم حول هذا الموضوع بصورة واضحة حتى لايفقدوا مصالحهم الاقتصادية مع دول الخليج أما القوات الامنية فتقوم بين فترة وأخرى بعمليات مداهمة وتفتيش وتفكيك وإلقاء قبض لجماعات إرهابية عندما تتوفر لها المعلومات.
لنعود الان لكي نركز في الشأن العراقي..
كما هو معروف بأن العراق خلال فترة الديكتاتورية كان يعيش أيظاً تحت ظل سياسة القطب الواحد والحزب الواحد وبذلك تعرضت غالبية الشعب بالاضافة الى الاقليات الاخرى الى حالة من التهميش والاقصاء السياسي والاداري والديني والثقافي وبذلك تم تقسيم المجتمع الى عدة طبقات إجتماعية مما أدى الى نشوء ثقافة العنصرية.
بعد سقوط الديكتاتورية إمتزجت ثقافة العنصرية مع ثقافة أخرى بدوية قادمة من الجزيرة العربية فأنتجت ثفافة الكراهية الدينية والطائفية التي تبنتها الجماعات الارهابية داخل العراق بالتحالف مع بقايا النظام السابق وتواطؤ الحواضن..
أنا كنت أتابع بدقة تطور هذا الموضوع وخاصة عندما نشط الارهاب في العراق في سنة ٢٠٠٣ عندما قام الزرقاوي بإستهداف السفارة الاردنية في بغداد وكذلك مقر الامم المتحدة وبعد ذلك مسلسل التفجيرات الارهابية في المناطق الشعبية وإستهداف وتهجير الابرياء في مناطق جرف الصخر وأبو غريب وناحية الوحدة واللطيفية والنخيب وإستهداف زوار أربعينية الامام الحسين عليه السلام بالقذائف والصواريخ في سنة ٢٠٠٤ وكنت أتابع التقارير التي كان يعرضها في وقتها لواء الذئب بقيادة العميد الركن أبو الوليد من خلال برنامج "الارهاب في قبضة العدالة" التي كانت تعرضه قناة العراقية.
طبعاً الذين كانوا ومازالوا يدعمون الارهاب داخل العراق سواءاً كانوا سياسين أو طبقات شعبية، كانوا يتحججون ويتذرعون بمختلف الذرائع والحجج من أجل دعم الارهاب، مرة يقولون "محاربة المحتل"، ومرة يقولون "ميليشيات"، ومرة يقولون "جيش المهدي" وبعد ذلك "جيش المالكي" أو "الجيش الصفوي" ثم بعد ذلك "جيش العبادي" وكذلك الحال بالنسبة "للحشد الشعبي"،.. الخ من الحجج والذرائع الواهية، وأنا لاأعرف، هل عندما كان الزرقاوي يقتل ويفتك بالابرياء ويحصل على الحماية والملاذ الآمن من قبل الحواضن، كان هناك شئ إسمه "جيش المالكي" أو "الحشد الشعبي"؟؟
ماأريد أن أقوله هنا بأن هؤلاء المتحججون كانوا ومازالوا يتذرعون بهذه الحجج لأنهم عندما سقط صدام لم يستطيعوا إستيعاب فكرة أن ألاغلبية الشعبية سوف يكون لها مستقبل سياسي وإداري في عراق مابعد صدام بسبب ثقافة العنصرية والكراهية التي يعانون منها وقد شكل هذا الموضوع صدمة قوية بالنسبة لهم، وإن هذا الموضوع هو ليس فقط إعتراض من قبل هذه المكونات داخل العراق وإنما هو مطلب خليجي كذلك وخاصة من المملكة العربية السعودية التي دعمت بشدة موضوع الارهاب داخل العراق وخصصت له ميزانية ضخمة وخاصة الفترة الواقعة بين سنتي ٢٠٠٤ - ٢٠١٧.
(وأنا هنا عندما أقول الاغلبية الشعبية لا أقصد المنطقة الخضراء وإنما أقصد المكون الاجتماعي المضحي في كل زمان ومكان وليس له في هذا البلد ناقة ولاجمل وكذلك أود القول بأنني لا أوجه الاتهام الى مكون إجتماعي معين وإنما أقصد إيتام الدكتاتور وأصحاب ثقافة وخطاب الكراهية).
لقد تجلى هذه الموقف بصورة واضحة خلال مظاهرات شهر تشرين من عام ٢٠١٩ عندما قامت الجيوش الاكترونية والقنوات الفضائية التابعة لهذه الدول والمكونات بركوب الموجه وحرف مطالب المتظاهرين عن مسارها الصحيح، فقد تحولت مطالب المتظاهرين من المطالبة بتوفير الخدمات وتحقيق الاصلاح السياسي والاداري ومحاربة الفساد الى المطالبة بإسقاط الدولة ومحاربة الحشد الشعبي وإستهداف سفارات إيران في العراق لأنه هذه المطالب وكما قلنا هي كانت ومازالت مطالب خليجية تُدفع من أجلها أموال طائلة وهناك من يحاول تنفيذها داخل العراق سواءاً كانوا سياسين أو طبقات شعبية وإدارية وهي مطالب تتعلق بإرجاع هذا المكون الاجتماعي كمواطنين من الدرجة الثانية كما كان عليه الوضع في أيام صدام وأن لايكون لهم أي حقوق أو مستقبل سياسي وإداري ولا حتى إجتماعي ولا ثقافي بعد عملية التغيير السياسي بعد عام ٢٠٠٣.
طبعاً هؤلاء المتصيدون في الماء العكر والمتراقصون على جراحات الناس والذارفون لدموع التماسيح والراكبون للامواج والمتربصون بالبلد هم بعيدون كل البعد وغير معنيين بمسألة الاصلاح السياسي والاداري ولا يهمهم هذا الموضوع ولا يتفاعلون معه لا من قريب ولا من بعيد، هم فقط ينتهزون الفرص من أجل زعزعة الامن في البلاد حتى لايكون للاغلبية الشعبية مستقبل في قيادة البلد وحتى لايصبح وجودهم واقع حال ويحاولون قدر الامكان تعطيل بناء الدولة والمؤسسات من أجل إرجاع سياسة القطب الواحد.
المقترحات والتوصيات والحلول:
بعدما تحدثنا عن موضوع الكراهية التي هي العامل والمحرك الاساسي لنشاط الارهابيين، نحاول أن نجمل بعض المقترحات فيما يخص المرحلة الثانية بعد مرحلة إنهاء العمليات العسكرية والتي أسميها أنا بالمرحلة الثقافية المضادة أو مرحلة التوعية.
١- ضرورة توجيه برامج ثقافية، تربوية، إعلامية وخاصة في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش من أجل إيقاظ الناس من غفلتهم ومساعدتهم في التخلص من آثار سياسة غسيل الادمغة التي تعرضوا لها خلال المرحلة الماضية وخاصة جيل الشباب.
٢- الطلب من وزارة الثقافة ووزارة التربية وشبكة الاعلام العراقي العمل على نشر ثقافة السلم الاهلي والتعايش السلمي والحوار والتفاهم والاعتراف بالاخر ونبذ ثفافة الكراهية والعنف والتطرف من خلال برامج تأهيلية فعالة، على سبيل المثال، تقوم وزارة التربية بإصدار مناهج دراسية للمراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية من أجل نشر ثقافة المحبة والتآخي والتفاهم ونبذ ثقافة الاقصاء والعنصرية والكراهية.
٣- على الطبقة السياسية البدء بعملية الاصلاح السياسي والاداري ومحاربة الفساد من أجل تقديم الخدمات وإنهاء حالة البطالة وهذا الموضوع له أثر كبير على إستقرار الوضع الامني من خلال رفع المستوى المعيشي والاقتصادي والمالي للفرد العراقي وخاصة فئة الشباب من أجل تفويت الفرصة خاصة على الذين يحاولون خداع و تجنيد الشباب ودعوتهم للانضمام الى الجماعات الارهابية من خلال إستغلال الوضع الاقتصادي والمالي المتردي.
طبعاً العامل الثقافي والتربوي مهم جداً في موضوع محاربة الارهاب والتطرف وأرجو أن يتم تخصيص جهد كبير له لأنكم في العراق تتعرضون لهجمة إعلامية شرسة ولذلك فإن موضوع الثقافة المضادة الذي تحدثنا عنه يجب أن يأخذ حيزاً كبيراً في مؤسسات الدولة ذات العلاقة من أجل خلق جو من الامان والاستقرار والوعي الحقيقي لمخاطر ثقافة الكراهية على النسيج الاجتماعي والسلم الاهلي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat