رسالة إلى أبنتي القسم ٢
رعد الغريباوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رعد الغريباوي

أي أبنتي : لقد بلغت من العمر الآن ما يسمح لي بأن احدثك عن أمور كثيرة لم أر من المناسب أن أحدثك عنها قبل الآن .
انك اليوم تودعين عالم الطفولة ببراءته وسذاجتة وتحلله من المسؤوليات والهموم إلى عالم الشباب ، عالم الانوثة ، وما يفترض فيه من تهيئة للحياة المقبلة ومطاليبها ومسؤولياتها .
وعالم اليوم كما أحب لك ان تعرفي عالم معقد انقلبت فيه المفاهيم واختلفت فيه النظم وتعددت المطاليب وتضاعفت المسؤوليات . إنه عالم غني جميل ذكي ، ولكنه - بالمقابل - عالم يطالب العائشين فيه بما لم يكن يطالبهم به . عالم الأمس البسيط الساذج البدائي .
ولست أحب لك ان تفهمي من كلامي اني من القائلين بسوء هذا العالم وشره وفساده ، كلا ! اني أؤمن بالإنسان ايمانا عميقاً ، واريدك أن تؤمني به معي ، اني أؤمن بقدرته على التقدم المستمر وأعتقد إعتقادا راسخا بأن عالم اليوم خير من عالم الأمس وان عالم الغد سيكون حتماً خيراً من عالم اليوم . ولهذا السبب بالذات أؤمن بأن من واجب الآباء والأمهات أن يهيئوا اولادهم للعالم المتقدم أبدا ، المتحسن سرمدا ، السائر قدما نحو الأفضل ، ولهذا السبب بالذات اكتب إليك اليوم .
ثم أني أريدك أن تعلمي أن عالمنا اليوم لا يحتاج شيئاً حاجته لأنسان يدرك معنى التقدم المادي الهائل الذي نعيش في ظله ، والذي انطلق به نحو السماء ، نحو الشمس والكواكب . إن إنساناً يطلق صاروخا يدور حول الشمس ، أحوج ما يكون إلى خلق يليق بهذه العظيمة ، أحوج ما يكون إلى علاقات بشرية تناسب هذا المجد ، أحوج ما يكون إلى مجتمع يسخر هذه المعارف الهائلة لمزيد من التقدم والرقي لا للقضاء على التقدم والرقي البشريين .
وأنت ، انت وسواك من أبناء وبنات جيلك ، هنا في وطننا العربي الحبيب وفي كل وطن على وجه هذا الكوكب ، ستكونين مسؤولة عن هذا التقدم والرقي ، وبالتالي مطالبة بالحق الذي أشرت إليه وببناء المجتمع الذي نوهت به .
وأنا حين أحاول - في رسالتي هذه - أن اعدك لحياتك المقبلة في عالم الغد العظيم إنما أصدر عن حبي لهذا العالم وعن عقيدتي بأن الأنسان هو أهم ما في هذا العالم وعن أيماني باهمية ادائي واجبي بوصفي أبا .
على إني لا أنسى أن أشير أشارة خاصة إلى جنسك ، إلى كونك فتاة ، ذلك بأن عالم الماضي بخس المرأة اشيائها وغمط حقها ، وذلك بأن عالم اليوم يحاول انصافها وإعادة الأمور إلى نصابها ، وذلك بأن عالم الغد سيفتح للفتاة الأبواب على مصاريعها فيزداد قوة على قوته وتقدما على تقدمه وغنى على غناه . إن عالم الغد سيفخر بما تضيفه المرأة إلى ثرواتها العلمية والفكرية وبما تفضيه عليه المرأة من عبقرية تنظيمها وعميق وعيها وسحر ذكائها ودفء عاطفتها وحبها فاستعدي للغد العظيم ، وهيئي نفسك للمهنة الجليلة تنهظين بها مع بنات جنسك واعدي لمجتمعك المقبل عقلا نيرا وعلما صحيحاً عواطف ذكية وقلبا كبيراً .
نكمل معكم بقية الحديث في الحلقة قادمة ، فتابعونا .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat