رسالة إلى إبنتي .. القسم ١١ والأخير ..
رعد الغريباوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رعد الغريباوي

ايه بنية :
هذه بعض ملاحظاتي عن بيتك انتقل منها لأتحدث بعدها عن أمومتك ، ولأقول أن الأمومة صناعة وانها علم وفن ، وحق وواجب ، ومسؤولية وجزاء .
استعدي لها إستعدادك لأعظم عمل من أعمال حياتك ، واذكري أنك بأعطائك الحياة لمخلوق جديد يجاور قلبك تسعة شهور قبل أنصاره عيناك ، انما تحققين أعظم ما في أنوثتك وتنهضين بأروع أعبائها .
لقد إرادتك الحياة مستودعا لها ، وائتمنتك على ذاتها واناطت بك بقائها وتقدمها ، واسرت إليك بأعظم أسرارها فهل بعد هذا من عظمة أو خطر ؟! .
ولقد زودك الخالق سبحانه بقدر غير محدود من الحب والحنان والتضحية ، تمنحينه أولادك وتغدقينه عليهم .
ولقد حبتك الطبيعة قلباً كبيراً يسع أطفال الدنيا بله أطفالك وصبرا لا ينفد للعناية بهم والحدب عليهم .
ولقد أعددناك ، أمك وأنا ، لمهمتك هذه فمكناك من المعرفة وسهلنا لك الاطلاع .
فلا تفسدي من هذا كله بحواجز مصطنعة تقيمينها بيك وبين أولادك ، ولا تنسي أن تجعلي منهم أصدقاء وأحباء يأتونك بمشاكلهم ، ويقاسمونك افراحهم وأتراحهم ، ويريحون رؤوسهم على كتفيك نافضين هموم الدنيا بين يديك .
اذكري انهم يتعرفون على العالم اول ما يعرفون عليه من خلال معرفتك وأنهم يتلقون تربيتهم الأولى على يديك ، وأنك انت التي تجعلين منهم اخيارا يدفعون بوطنهم إلى ما يجب له من رفعة وسؤدد ، ويأخذون بيد إنسانيتهم إلى ما هو أحسن .
اذكري انك الصانع الأول الذي يصوغ نفوسهم ويملأها بالخير والحق والجمال . وأنك انت المعلم الأول الذي يصل بين عقولهم وحقائق هذا الكون وقلوبهم وحب هذا المجتمع وارادتهم والعمل للمثل الأعلى .
اذكري انك أنت وحدك القادرة على جعلهم ابطالا يعيشون للعدالة والحرية والسلام ، أو جبناء رعاديد منافقين تزدوج شخصياتهم وتتبعثر جهودهم وتلتوي عقولهم وتمتلىء قلوبهم بالحقد والشر والمهانة .
اذكري هذا وسواه واعملي على أن تنهضي بمهمتك خير نهوض ، واعلمي أنك ملاقية جزاءك في هذه الدنيا ، في أشخاص هؤلاء الأولاد وتصرفاتهم وأخلاقهم ومعاملتهم إياك ومواقفهم من حقائق هذا الكون .
بنيتي :
هذه ملاحظات سقتها إليك عن عالمك وانوثتك وحياتك المقبلة ، لم أبلغ من ورائها أن اصب عقلك في قالب عقلي وان اصوغ عاطفتك وفق عاطفتي ، أو أن أجعل أعمالك نسخة من أعمالي ، كلا وألف كلا ... ولكني شعرت أن من واجبي أن أضع بين يديك خبرتي ومفاهيمي ، وأنا على مثل اليقين بأنك واجده فيها الصحيح والخاطىء ، وأنك آخذة منها ما ترينه صوابا وتاركة منها ما تعتقدينه خطأ ، ولقد ربيناك ، أمك وأنا ، على أن يكون لك رأيك المستقل وان تكون لك شخصيتك الفردية ، وحرصنا على تزويدك بكل ما ينفعك من أجل النظرة الصحيحة والرأي السديد . ولكننا اعتقدنا - وما زلنا - أن هذا لا يعفينا من اسداء النصح وأظهار الرأي ولك بعد هذا أن تحيي حياتك بما يهديه اليه عقلك وما يدلك عليه قلبك وما تدفعك إليه إرادتك ونحن واثقون من عقلك وقلبك وإرادتك .
كلأك الله بعين رعايته والهمك سداد الرأي وصواب العمل وجزانا عن تعبنا بنجاح يكتبه لك وسعادة يمتعك بها .
ولك قبلات ابيك .
هذا ما كتبت لأبنتي رأيت أن أقرأه عليكم ، ذلك بأني عرضت فيه لأمور أعتقدت انها تهم جميع فتياتنا ، وصرحت بأشياء يخشى قلبي قلب الأب ، أن لا أكون قد أحسنت بالتصريح بها ، ونصحت بأمور يتخوف عقلي ، عقل الإنسان المقر بعجزه المعترف بقصوره ، من إلا يكون قد أفلح في النصح بها .
ولذلك كله رأيت أن اسوقها إليكم تناقشونني فيها وتسألونني عنها وتنصحونني بخصوصها لاخلص وإياكم إلى أحاديث مماثلة نتحدث بها الى أولادنا الذين يودعون عالم الطفولة إلى عالم الرجولة أو الأنوثة ، فلا يجدون في البيت أو المدرسة من يحدثهم عنها .
شكراً لكم من القلب ، في رعاية الله وبركاته .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat